“زيارة الوفد المصري أتت على خلفية استياء القاهرة من التحرك الإماراتي لفرض حرب أهلية في ليبيا”.. هذا ما أكده مسؤول مصري في معرض حديثه عن المباحثات التي أجراها مسؤولون مصريون كبار مع نظرائهم الليبيين، في طرابلس، قبل أيام.
المسؤول الذي تحدث لموقع “مدى مصر” الإخباري بشرط عدم ذكر اسمه، قال إن الحكومة المصرية هدفت من وراء الزيارة إلى قطع الطريق أمام تحريض من أبوظبي للجنرال خليفة حفتر على مغامرة عسكرية جديدة”. لافتا إلى أن القاهرة ترفض مثل هذه الخطوة لمنع المزيد من الحضور العسكري التركي في ليبيا.
والأحد الماضي، زار العاصمة الليبية وفد مصري برئاسة اللواء أيمن بديع، وكيل المخابرات العامة ورئيس اللجنة المصرية المختصة بالشأن الليبي. وتعد الزيارة هي الأولى التي تم الإعلان عنها منذ عدة سنوات، وتمثل نقطة تحول في المشهد، لم تتضح نتائجها بعد.
وعلى صعيد ذي صلة، كشف مصدر سياسي ليبي رفيع المستوى، أن المسؤولين المصريين أبلغوا نظراءهم الليبيين بأن القاهرة لن تقبل بالعودة إلى الحرب. فيما رأى عضو البرلمان الليبي سعيد مغيب أن:” الزيارة جاءت في توقيت مهم لمنع إشعال أي حرب في المنطقة في الوقت الراهن”.
استنفار المرتزقة
وفيما يبدو أنها استجابة للتحريض الإماراتي، دعا حفتر في 24 ديسمبر/كانون الثاني الجاري، كافة وحدات مليشياته المسلحة للاستعداد بشكل دائم لطرد ما وصفه بـ”المستعمر التركي المحتل”. مضيفا: “المواجهة مع المرتزقة الأتراك حتمية في ظل تحشيد أنقرة وبناء القواعد العسكرية في ليبيا”. وزعم قائلا: “أردوغان لديه أطماع للسيطرة على حقول النفط الليبي”.
وتابع الجنرال الانقلابي حديثه: “يجب تصويب بنادق الليبيين ضد الأتراك الذين يتعاملون بغطرسة مع سيادة الدولة الليبية. لا قيمة للاستقلال ولا معنى للحرية ولا أمن ولا سلام وأقدام الجيش التركي تندس الأراضى الليبية، لا خيار أمام العدو إلا مغادرة البلاد سلما وطوعا أو بقوة السلاح والإرادة القوية”.
ولم يتأخر رد أنقرة على تهديدات حفتر، إذ توجه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إلى ليبيا بصحبة ضباط عسكريين كبار، وحذر من هناك الجنرال الانقلابي وداعميه من مغبة أي محاولة لاستهداف قواته في الأراضي الليبية.
وأضاف أكار: “ليعلم المجرم حفتر وداعموه أننا سنعتبرهم هدفا مشروعا في جميع الأماكن بعد كل محاولة اعتداء على قواتنا”. مؤكدا أن “المشكلة الرئيسية في ليبيا تتمثل بحفتر وداعميه”. وأشار إلى أن أن حكومة الوفاق هي الشرعية في البلاد والمعترف بها دوليا.
وأعرب الوزير التركي عن أسفه لصمت المجتمع الدولي على مجازر الانقلابي حفتر، معبرا عن ثقته بأن الحكومة الليبية ستلاحق أمام المحاكم هذه الجرائم ضد الإنسانية. كما أعرب عن أمله في مواصلة المحكمة الجنائية الدولية تحقيقها في جرائم حفتر، ومحاسبته أمام القضاء.
وأوضح “أكار” أن قوات بلاده تقدم خدمات تدريبية عسكرية واستشارية للقوات الليبية في إطار تفاهمات بين البلدين، موضحا أن الجيش التركي قدم تدريبات لنحو 3 آلاف عسكري ليبي.
والثلاثاء الماضي أفادت قناة “العربية” السعودية بأن تركيا زودت حكومة الوفاق الليبية، ببطاريات صواريخ من طراز “هوك”، ورادارا ثلاثي الأبعاد. مؤكدة أن طائرتي شحن عسكريتين تركيتين هبطتا، في قاعدة الوطية، غربي البلاد. ولم يصدر عن أنقرة أو حكومة الوفاق أي بيان، بشأن ما أوردته القناة السعودية.
خرق القرارات الدولية
وبالعودة إلى الإمارات، اتهم مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، طاهر السني، أبوظبي بخرق قرارات مجلس الأمن الدولي، وتزويد مليشيا الجنرال الانقلابي خليفة حفتر بالسلاح والمعدات. وعرض السني صورا لمعدات عسكرية قال إن الإمارات قدمتها إلى “مجرم الحرب حفتر وأعوانه”.
وأضاف المندوب الليبي: “نطالب مجلس الأمن بأن يتخذ إجراءات تستهدف وقف انتهاك حظر الأسلحة من قبل الإمارات ونطالب الدول المعنية بتصنيع تلك الأسلحة أن تقدم شهادات بوجهة هذه الأسلحة”.
وتابع: “نطالب أيضا الدول التي لديها مرتزقة في بلادنا بإخراج هؤلاء الأشخاص من ليبيا ونحمل تلك الدول المسؤولية على ذلك”، في إشارة إلى مرتزقة شركة “فاغنر” الروسية الخاصة، وآخرين يقاتلون بجوار حفتر.
من جانبها، قالت مجلة فورين بوليسي إن وزارة الدفاع الأمريكية كشفت أن أبوظبي تقوم بتمويل مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية لدعم مليشيات خليفة حفتر في الحرب بليبيا ، مضيفة أن هذا الكشف جاء ذلك في الوقت الذي تسعى فيه الإمارات إلى شراء أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات.
وأوضحت المجلة في تقريرها الذي نشرته بتاريخ 01 ديسمبر/كانون الثاني 2020، أن تقرير المفتش العام في البنتاغون لعمليات مكافحة الإرهاب في إفريقيا، وجد فيما يبدو أن الدولة الخليجية تقوم بتمويل فاغنر، لافتة إلى أن الكشف عن هذا التقرير من المرجح أن يعقد علاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع أبوظبي.
ولفتت المجلة إلى أن الكشف عن أن مرتزقة فاغنر الروسية ربما تم تمويلهم من قبل أحد أقرب الحلفاء العسكريين لأمريكا في الشرق الأوسط يزيد من تعقيد حسابات واشنطن ، ويأتي في الوقت الذي يشن فيه الديمقراطيون في الكونغرس حملة لمعارضة صفقة بيع إدارة ترامب طائرات مقاتلة من طراز F-35 إلى أبو ظبي بقيمة 23 مليار دولار .
وعلى صعيد متصل، كشف تقرير أعدته لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة تراقب حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، زيادة الرحلات الجوية العسكرية للإمارات. وأشار التقرير إلى أنه بين يناير وأبريل، سيّرت القوات الجوية الإماراتية حوالي 150 رحلة جوية يُعتقد أنها كانت تحمل ذخيرة وأنظمة دفاع.
توتر مصري
وتخشى مصر من أن هذه التحركات الإماراتية قد تفضي إلى مزيد من التواجد العسكري التركي على الأراضي الليبية، وهو ما دفع القاهرة إلى التركيز على إقامة علاقات سياسية مع الفاعلين السياسيين بالمنطقة الغربية في ليبيا.
وتخطط مصر لإعادة فتح قنصليتها في بنغازي بحلول منتصف يناير/كانون الثاني المقبل، على أن يلي ذلك إعادة البعثة الدبلوماسية المصرية إلى العاصمة طرابلس. كما وعد المسؤولون المصريون بـ”وضع حلول عاجلة لاستئناف الرحلات الجوية الليبية إلى مصر”.
ويرى مراقبون أن العمل مع شخصيات في غرب ليبيا سيعزز قدرة القاهرة على استعادة دورها كلاعب أساسي في إنهاء الصراع الليبي، وهو ما يمثّل أولوية للسيسي، خاصة في ظل تقاطع مصالح نظامه مع الإدارة اﻷمريكية المقبلة بقيادة جو بايدن.
وأكد الناطق باسم الرئاسة التركية “إبراهيم قالن” أن أنقرة تتفهم المخاوف الأمنية المشروعة للقاهرة حيال الحدود المصرية الليبية؛ غير أنها تتبع “سياسة خاطئة” بدعم الانقلابي خليفة حفتر.
اضف تعليقا