العدسة – جلال إدريس
يبدو أن الخطأ التاريخي الذي وقع فيه وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد – قبل عدة أسابيع، حين قام بإعادة نشر تغريدة تسيء للوالي العثماني على المدينة المنورة “فخر الدين باشا”- سيكلف الإماراتيين الكثير في الدفاع عن تاريخهم الذي بدأ الأتراك في النبش فيه، وإخراج الملفات السوداء لمؤسسي دولة الإمارات العربية.
وكانت أزمة قد اندلعت بين “تركيا والإمارات” بعد أن أعاد الوزير الإماراتي “عبد الله بن زايد” نشر تغريدة لطبيب أسنان عراقي مقيم في ألمانيا اسمه “علي العراقي”، نشرها على حسابه على تويتر، وادعى فيها أن الأمير العثماني فخر الدين باشا الذي حكم المدينة المنورة (1916-1919) قام بسرقة أموال أهل المدينة وخطفهم وترحيلهم للشام وإسطنبول، برحلة سميت (سفر برلك) وزعم سرقة الأتراك لأغلب مخطوطات المكتبة المحمودية وإرسالها إلى تركيا.
وأعقب “العراقي” كلامه هذا بتعليق: “هؤلاء أجداد أردوغان وتاريخهم مع المسلمين العرب”، غير أن ما لفت النظر للتغريدة -التي نشرت على حساب لا يتجاوز عدد متابعيه 19 ألفا- هو إعادة نشر الوزير الإماراتي لها في حسابه الذي يتابعه أكثر من أربعة ملايين.
تغريدة “بن زايد” التي مر عليها ثلاثة أسابيع، زادت من توتر العلاقة بين تركيا والإمارات، والتي هي بالأساس متوترة منذ عدة أعوام، بسبب عدد من الملفات والقضايا الشائكة، من بينها الأزمة الخليجية القطرية، والموقف من جماعة الإخوان المسلمين، والموقف من الشأن المصري، وعلاقة الإمارات بجماعة “كولن” ودورها في محاولة الانقلاب الفاشلة على الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”.
أين كان أجدادك ؟
ونظرا لالتهاب العلاقات بين البلدين، فإن تغريدة “بن زايد” أشعلت الموقف من جديد، وأثارت غضب الأتراك، شعبا وحكومة، وشن حينها الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” هجوما لاذعا على الوزير الإماراتي، ووصف صاحب التغريدة في خطاب له بـ “البائس”، وأنه لا يعرف شيئا عن الدبلوماسية، وتباهى أردوغان بأجدادة.
وتساءل أردوغان مخاطباً الوزير الإماراتي بقوله: أين كان أجدادك عندما كان فخر الدين باشا يدافع عن المدينة المنورة؟
وقال أردوغان: “لا نسمح بالتعدي علينا من قبل من لا يعرفون أصول الدبلوماسية (..) نقول لمن يتهموننا ويتهمون أجدادنا: الزموا حدودكم فنحن نعلم جيدا كل ما تخططون له”.
ودافع أردوغان حين ذاك، عن نقل العثمانيين لآثار المدينة المنورة لإسطنبول، وقال “هناك من يتهم الدولة العثمانية بأنها سرقت بعض الآثار ونقلتها إلى مدينة إسطنبول، وهذه اتهامات غير صحيحة، لأن الدولة العثمانية حمت الآثار وحكمت البلدان بعدل وإنصاف وحافظت على الأمانات”.
وزاد: “الدولة العثمانية أرسلت أمانات الرسول صلى الله عليه وسلم إلى إسطنبول؛ لتحميها وتمنع انتقالها إلى المتاحف الأوروبية، ولو لم ترسلها لانتقلت إلى الدول الغربية”.
هجوم إعلامي
لم تنته الأزمة عند هذا الحد، فالصحف التركية ووسائل الإعلام والسياسيون ردوا بقسوة كذلك على صاحب التغريدة، وعلى المسؤول الإماراتي، مطالبينه بالاعتذار، والتوقف عن العبث بالعلاقات بين الشعوب.
وأعادت مواقع إلكترونية الجدل لتلك الحقبة التاريخية، حيث نشرت مواقع عربية وتركية معلومات قالت إن آخر الأمراء العثمانيين للمدينة المنورة فخر الدين باشا المعروف بلقب (نمر الصحراء) والذي لقبه البريطانيون بـ “النمر التركي”، اشتهر ببطولاته ودفاعه عن المدينة المنورة، عندما قامت قوات القبائل العربية المتعاونة مع البريطانيين بمحاصرتها.
ووفق المصادر التركية، فإن فخر الدين أدار عمليات عسكرية -قاومت العدوان البريطاني على الجزيرة العربية بمعاونة بعض القبائل العربية التي دعمتها بريطانيا بالمال حتى سقوط الدولة العثمانية بيد الحلفاء- وأنه قام بنقل الكثير من مخطوطات وكنوز التراث الإسلامي من المدينة لتركيا، خشية تدميرها أو الاستيلاء عليها من قبل البريطانيين.
شارع فخر الدين باشا
“تركيا” لم تقف عند هذا الحد، لكنها واصلت ردودها بشكل عملي على تغريدة الوزير الإماراتي، حيث أعلنت بلدية أنقرة الاثنين الماضي 8 يناير 2017، إطلاق اسم “فخرالدين باشا” على الشارع الذي يقع فيه مقر سفارة دولة الإمارات في العاصمة التركية أنقرة.
وقال رئيس بلدية أنقرة مصطفى تونا، في تغريدة كتبها في ختام أول اجتماع للمجلس البلدي للعاصمة هذا العام: “إن الشارع رقم 613 بات يحمل اسم شارع فخرالدين باشا”.
وأضاف رئيس بلدية أنقرة أن “الجادة التي تحمل الرقم 609″، المجاورة لمقر سفارة دولة الإمارات قد تغير اسمها أيضا الاثنين، وبات “جادة المدافع عن المدينة” في إشارة أيضا إلى القائد العثماني نفسه.
وختم رئيس بلدية أنقرة تغريدته بالقول: “ابتداء من اليوم، بات العنوان البريدي لسفارة الإمارات ’جادة المدافع عن المدينة، شارع فخر الدين باشا‘ (…) تهانينا”.
وبالفعل أصبح التداول باسم هذا القائد العثماني، الشهر الماضي، حين صرح مسؤول تركي بهذا التغيير قبل أن يتم رسميا الأسبوع الجاري.
فضح التاريخ الإماراتي
واستمرارا لحالة التراشق الإعلامي، والرد التركي على إساءات الوزير الإماراتي، أخرج باحث تركي وثيقة قال إنها تؤكد أن الشيخ زايد بن خليفة، شيخ أبو ظبي في نهاية القرن التاسع عشر، كان يقوم بعمليات نهب وقتل في دولة قطر، متعاوناً بذلك مع الإنجليز، عندما كان القائد العثماني فخر الدين باشا يقاتلهم دفاعاً عن المدينة المنورة.
الباحث التركي مراد بردكتشي، قال في مقال له نُشر الأربعاء على صحيفة “خبر ترك” التركية، إنه وجد جواباً لسؤال الرئيس التركي في إحدى وثائق الدولة العثمانية لتلك الفترة.
وبحسب الوثيقة التي نشرها الباحث التركي، فقد كان الشيخ زايد (جد وزير الخارجية الحالي) مشغولاً بالهجوم على قطر والقيام بأعمال القتل والسرقة، بتحريض من الإنجليز الذين كان فخر الدين باشا يصد غزوهم للمدينة المنورة في تلك الفترة.
وبالرجوع لأرشيف الدولة العثمانية للفترة من أواخر القرن 19 وحتى بداية الحرب العالمية الأولى، كانت إنجلترا تحاول بكل جهدها استمالة شيوخ القبائل، أصحاب التأثير في شبه الجزيرة العربية، التي كانت تدار من طرف إسطنبول (الدولة العثمانية)، يضيف بردكتشي.
ويتابع: “كانت إنجلترا تفعل كل شيء من أجل كسب شيوخ القبائل ليتمردوا على الدولة العثمانية، ووفرت لهم المال ووزعت عليهم السلاح”.
وتقول الوثيقة إن شيخ قطر كان مخلصاً للحكومة في إسطنبول، ويتجنب القرب من البريطانيين، في حين كان شيوخ الإمارت، وخاصة شيوخ أبو ظبي، على تماس وتواصل مع الإنجليز، وهاجموا قطر وقتلوا أهلها وسرقوا بضائعهم، بالسلاح الذي حصلوا عليه من الإنجليز.
وتوضح الوثيقة أن شيخ أبو ظبي (زايد آل نهيان) هجم على ضريح في قطر، ومارس القتل والسرقة، وقد قتل في الهجوم نجل الحاكم الفخري جاسم الثاني، وقام جاسم الثاني بالهجوم على زايد، وقتل كثيراً من رجاله؛ انتقاماً لمقتل ابنه.
وتقول الوثيقة: إن “أبو جنجي”، المرتبط بعُمان، أوضح خطة الهجوم الذي يقوده زايد على قطر، وطالب بإرسال قوة عسكرية إلى المنطقة والسماح ببيع الحصن، وعرفت الدولة العثمانية حجم الخطر.
وبسبب العداء بين حاكم قطر جاسم الثاني وشيخ أبو ظبي زايد، ووفقاً لمعلومات من الاستخبارات العثمانية، فقد خطط زايد لمهاجمة قطر بقوة كبيرة.
وتضمنت الوثيقة صورة لأحد التعليمات التي أرسلها شيخ أبو ظبي إلى حكام الخليج حول الأنشطة العدائية التي يقوم بها، كما تظهر الصورة.
اضف تعليقا