يبدو أن جميع وسائل الإعلام المصرية الآن، وخصوصاً بعد وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي، تخضع لرقابة مشددة جعلت من المذيعين والمراسلين يقرأون الأخبار من مصدر واحد بالصيغة نفسها “حرفياً”.

تعتبر مصر سجناً كبيراً للصحفيين، ربما الأسوأ في العالم، كما أن حرية التعبير تكاد تكون غير موجودة، فضلاً عن تحكم السلطات الكامل فيما يُعرض على وسائل الإعلام، والذي ظهر بصورة واضحة في الأيام القليلة الماضية.

تم عزل مرسي، أول رئيس منتخب ديموقراطياً في البلاد، بعد قيام الرئيس الحالي لمصر بالانقلاب عليه في 2013، ليظل رهن الاعتقال منذ ذلك الحين، وبحسب ما وُرد فقد حُرم مرسي من الرعاية الطبية طيلة فترة احتجازه، ما يعد على الأرجح السبب الرئيسي في وفاته داخل قاعة المحكمة في القاهرة الاثنين الماضي.

في اليوم التالي لوفاة مرسي، نشرت معظم الصحف المصرية خبر الوفاة بالصيغة نفسها “حرفيا”، والمكونة من 42 كلمة، حيث تم نشرها في الصفحات الداخلية للصحف في مساحة صغيرة.

وبحسب “مدى مصر”، أحد وسائل الإعلام القليلة المستقلة في مصر، فقد تم إرسال نص الخبر إلى محرري الأخبار في تلك الصحف عبر تطبيق “واتساب”، مع تعليمات بعدم نشر الخبر في الصفحة الأولى الرئيسية.

وأضاف “مدى مصر” أن ما تم هو سياسة منهجية متبعة من قبل السلطات في التعامل مع وسائل الإعلام عند تغطية أحداثاً معينة، وبالفعل اتبعت كافة الصحف القومية والخاصة التعليمات “المملاة” عليهم، بخلاف صحيفة واحدة هي التي نشرت الخبر في صفحتها الأولى مع ذكر أن مرسي كان رئيساً سابقاً.

على صعيد الإعلام المرئي، يبدو أن مذيعي الأخبار حصلوا أيضاً على نص موحد لقراءته عند تغطية الحدث، وهو ما أكده قيام إحدى المذيعات باختتام الخبر بقولها “تم الإرسال من جهاز سامسونغ”، وهو ما أثار ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي الثلاثاء 18 يونيو/حزيران الجاري، حيث انتشر مقطع الفيديو المُشار إليه، مع الإشارة إلى سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام ومدى تحكمها بها.

شريف منصور، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحفيين، علق على الواقعة قائلاً “لم يكن مفاجأ أن تتبع جميع وسائل الإعلام الحكومية الخط الذي ترسمه لها الحكومة، مثل هذا السلوك يتم اتباعه منذ سنوات قليلة، تحديداً منذ 2013”.

مضيفاً “على مدار الخمس سنوات الماضية ثبت لدينا أن الحكومة دائماً ما تطلق مصطلح “أخبار كاذبة” على أي انتقاد يوجه لها أو للجيش، وعلى قائمة طويلة من الموضوعات المحظور الخوض فيها”.

أما الجماعات والمنظمات الذين يدافعون عن حرية الصحافة أكدوا أن وضع الصحفيين في مصر قد ازداد سوءً بصورة تدريجية في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي استولى على السلطة بعد الانقلاب على القيادي بجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي.

“مراسلون بلا حدود” في تقريرها عن مصر قالت “منذ العام 2013 والسلطات المصرية تقوم بملاحقة الصحفيين المشتبه في دعمهم لجماعة الإخوان المسلمين، وفي المقابل قامت بتحويل جميع منافذ وسائل الإعلام إلى أبواق تشيد بالسيسي.

وأضافت في تقريرها “أصبح الانترنت الآن هو المكان الوحيد لتداول المعلومات بصورة مستقلة، ومع هذا، تم حظر أكثر من 500 موقع اليكتروني منذ صيف 2017، كما أنه يتم اعتقال الكثير من الأشخاص على خلفية ما يقومون بتداوله على شبكات التواصل الاجتماعي”.

تم تعيين عبد الفتاح السيسي -الجنرال السابق في الجيش المصري- وزيراً للدفاع عام 2012 من قبل محمد مرسي -رئيس الجمهورية آنذاك، والذي وصل إلى السلطة في أعقاب الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، إلا أن حكمه لم يدم طويلاً، بسبب عدم رضا قطاع كبير من الشعب عن أدائه، وهو ما استغله عبد الفتاح السيسي، حتى قاد انقلاباً عسكرياً ضد مرسي، واستولى على السلطة، ليرتكب بعدها انتهاكات عديدة أبرزها التورط في مجزرة الفض التي راح ضحيتها ما يقارب من 1000 شخصاً من أنصار جماعة الإخوان المسلمين الذين احتجوا على الانقلاب.

ومنذ ذلك الحين، والسيسي يحكم بقبضة حديدية، منصباً نفسه الحاكم المتحكم في كافة مقاليد الأمور، الوجه الآخر لمبارك، وقد وصفت منظمة العفو الدولية الحملة القمعية التي يقودها السيسي بأنها “لا مثيل لها في تاريخ مصر الحديث”.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا