العدسة: محمد العربي

فيما يمثل خطوة ملتوية لتخفيض الجهاز الإداري للدولة المصرية، يستعد البرلمان لمناقشة قانون يقضي بعزل المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين من الجهاز الإداري، وهو القانون الذي يعتزم النائب محمد أبو حامد تقديمه خلال دورة البرلمان المقبلة، في ظل سعي الحكومة المصرية لتنفيذ مطالب صندوق النقد الدولي بتخفيض الجهاز الإداري للدولة من ستة ملايين موظف إلي مليونين فقط قبل يونيو 2019 موعد القسط النهائي من قرض صندوق النقد الذي حصلت عليه مصر عام 2016 بقيمة 12 مليار دولار.

وأكد محللون أن الحكومة المصرية تستغل جماعة الإخوان كشماعة لتنفيذ كثير من إجراءتها العقابية ضد الشعب المصري، خاصة وأن من يدافع عن الإخوان بات مصيره معلوما إما بالسجن أو الطرد.

حجج متعددة

الحكومة المصرية بدأت بالفعل اتخاذ عدد من الإجراءات للتخلص من أربعة ملايين موظف حكومي، ولكنها إجراءات لم تحقق حتى الآن الرقم المرجو، حيث توسعت الحكومة في تشديد الإجراءات العقابية ضد الموظفين بمنع الاجازات الطارئة، وإلغاء كثير من البنود المالية المتعلقة بالمكافآت والعلاوات الدورية، ولجأت مؤخرا لتوقيع اختبارات المخدرات على كل من يتعرض لمشكلة أو مخالفة إدارية باعتبار أن لوائح العمل تعطي الحق للدولة في فصل الموظف الذي يتعاطي المخدرات.

وضمن الإجراءات التي تعتزم الحكومة اتخاذها خلال الفترة المقبلة تخفيض أيام العمل أسبوعيا بمعدل ثلاثة ايام بدلا من خمسة، وهو الاقتراح الذي بدأ الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في توسيع المناقشات بشأن تطبيقه قبل نهاية العام الجاري، وراجت عن هذه المناقشات معلومات بأن الحكومة تعتزم تقليص عدد الأيام مقابل تخفيض الرواتب، مبررة ذلك بأن مقار الحكومة الجديدة بالعاصمة الإدارية لن تتسع لكل الأعداد الموجودة حاليا في الوزارات والمصالح والمؤسسات والهيئات الحكومية.

وتطرح الحكومة العديد من البدائل أمام الموظفين منها المعاش المبكر، ومنها الموافقة على نظام ايام العمل الجديدة مع تخفيض الرواتب، ومنح الموظفين فرصة للبحث عن عمل إضافي في أيام الاجازات، إلا أن الاقتراحات لم تلق قبولا حتى  الآن من قبل الموظفين الذين تم استطلاع أراءهم وكذلك أعضاء البرلمان الذين أكدوا ان هذه الخطوة سوف تضعهم في مشكلات عديدة مع ناخبيهم.

مشروع أبو حامد

ويري محللون سياسيون أن مشروع القانون الذي أعلن عنه النائب المثير للجدل محمد أبو حامد عضو ائتلاف دعم مصر، ليس جديدا، حيث سبق وأن طرحه قبل ثمانية أشهر ولكنه شهد اعتراضات سياسية وقانونية ودستورية عديدة باعتباره مخالفا للأسس الدستورية التي ساوت بين المواطنين في الحقوق والواجبات، كما أنه سيتم اتخاذه تكأة لتصفية حسابات شخصية بين الموظفين ومديريهم.

وطبقا لتصريحات صحفية لأبو حامد فإن مشروعه الجديد تم عرضه على المتخصصين وخبراء القانون، ومسئولى الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، وأنه حصل على توقيعات لـ 60 نائبا، بما يمكنه من تقديم المشروع خلال الانعقاد القادم للبرلمان.

وأشار أبو حامد إلى أن القانون سيكون له دور كبير فى تنقية الجهاز الإدارى من العناصر الفاسدة والمرتشية، التى تحاول دائمًا اختلاق الأزمات وتصدير الشائعات، كما أنه سيوفر الآلية القانونية لفصل كل من ينضم لجماعة الإخوان من الجهاز الإدارى أو من يتعاطف معها بأى وسيلة، مؤكدا أن القانون سوف يساعد على تنقية الجهاز الإدارى من الخلايا النائمة، حسب قوله.

وطبقا لمشروع ابو حامد فإن قانون الكيانات الإرهابية نص على العزل الكلي من الوظائف العامة والشأن عام، لكل من يتم إدراجه ضمن قوائم هذه الكيانات، كما أنه لا يحق للمدانين الترشح فى انتخابات المحليات أو النقابات أو تأسيس جمعية أهلية أو الحصول على عضوية مجلس إدارة إحدى الجمعيات أو النوادى أو الاتحادات الرياضية، وهي الإجراءات التي رآها أبو حامد جواز مرور للفصل الكامل من الوظفية الحكومية، حتى  لو لم ينص قانون الكيانات على ذلك.

شماعة الإخوان

ويمثل قانون أبو حامد المزعوم واحدا من إجراءات أخري استخدمت جماعة الإخوان المسلمين كشماعة لتصفيتها، مثل التنكيل بمعارضي السيسي كما حدث مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية الذي تم سجنه في فبراير الماضي بتهمة نشر أخبار كاذبة لصالح جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، ومؤخرا السفير السابق معصوم مرزوق والأستاذ بجامعة حلوان يحيي قزاز والخبير الاقتصادي رائد سلامة وآخرين تم اتهامهم بالترويج لأفكار جماعة الإخوان والعمل على إعادتها للمشهد السياسي مرة أخري.

وطبقا لخبراء علم الاجتماع السياسي فإن الإنقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي استطاع خلال السنوات الماضية شيطنة جماعة الإخوان المسلمين، وحملها مسئولية فشله السياسي والاقتصادي، مستغلا في ذلك آلته الإعلامية الضخمة وكثير من السياسيين المزايدين الذين كانوا يطمعون في الحصول على مكاسب من إزاحة الإخوان، وهي الشيطنة التي أصبحت شماعة لكل خطأ أو تقصير أو فساد يحدث في مصر، مثل حوادث القطارات أو تصادمات الطرق، أو الحرائق التي تشهدها المؤسسات والمصالح الحكومية، أو الفشل الأمني المتواصل، وارتفاع الدولار أمام الجنيه، وحتى  الخلافات الكروية بين رئيس نادي الزمالك مرتضي منصور وخصومه كان الإخوان طرفا فيها ليبرر مرتضي تصفيتهم دون مسائلة قانونية او انتقاد إعلامي، وهو ما كان مجال سخرية وانتقاد لكثير من الكتاب من بينهم رئيس تحرير الشروق عماد الدين حسين الذي حذر في أكثر من مقال له رئيس الإنقلاب من التوسع في استخدام شماعة الإخوان لتبرير الفشل الإداري.

والتهمة متعاطف

وكشفت مصادر إعلامية متعددة قبل أسابيع أن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بناء على أوامر أمنية بدأ في مراجعة ملفات 112 ألف موظف تقول الأجهزة الأمنية أنهم التحقوا بالجهاز الإداري للدولة في عهد الرئيس محمد مرسي وطالبت الأجهزة الأمنية بمراجعتها، وإنهاء خدمة من يثبت منهم انتماءه لجماعة الإخوان المسلمين.

ونقلت التقارير عن مسئولين بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة أن جهاز الأمن الوطني طالبهم بفحص الملفات لقناعته بأن هناك عدداً كبيراً من الموظفين المنتمين للإخوان أو المتعاطفين معها، متوغلون في الجهاز الإداري للدولة، وأن تقديرات الأجهزة الأمنية لأعداد هؤلاء يصل إلى 100 ألف موظف في مستويات إدارية مختلفة.

ويشير نفس المسئولين أن الجهاز كلف موظفين لديه بمراجعة ملفات القضايا السياسية بالمحاكم والنيابات لحصر أعداد الموظفين المعتقلين والصادر بحقهم أحكاما لانتمائهم للإخوان، وطبقا للإحصاء فإنهم توصلوا لوجود 5 آلاف موظف معتقل حاصلين على أحكام نهائية أو أحكام من الدرجة الأولى والثانية وخاصة بوزارات التربية والتعليم والأوقاف والتنمية المحلية والتعليم العالي.

ترهل قديم

ويحتل الجهاز الإداري المصري المركز الأول عالميا من حيث عدد الموظفين، والذي يصل عددهم لـ 6 ملايين موظف، تقول الحكومة أن أكثر من نصفهم يمثلون عبئا زائدا على الدولة ويحمِّلون الموازنة حوالي 126 مليار جنيه سنويا (7 مليارات دولار)، وأن 58 % منهم يعملون بالإدارات المحلية في نحو 323 وحدة إدارية في 27 محافظة، بينما يمثل عدد الموظفين في الوزارات والمصالح الحكومية 22%، أما العاملين في الهيئات العامة فيمثلون 16% من الجهاز الإداري.

وتشير الأرقام الرسمية أن 38% من العاملين بالجهاز الإداري تتراوح أعمارهم بين 50 عاما و60 عاما، وهناك 11 محافظة تزيد نسبة توظيف الإناث بها عن المتوسط العام وهو 51%، وتستهدف الحكومة أن يكون هناك موظف لكل 40 مواطنا بحلول عام 2030، بدلا من الوضع القائم وهو موظف لكل 13 مواطن.