كشفت صحيفة البيان الإماراتية مؤخرًا أن شركة طيران الإمارات ستعلّق جميع رحلات الركاب من وإلى المملكة العربية السعودية حتى إشعار آخر. وحسب الصحيفة، فإن قرار التعليق دخل حيز التنفيذ اعتبارًا من يوم الأحد الرابع من يوليو/تموز 2021. كذلك أكدت الشركة أنه لن يتم قبول المسافرين الذين يصلون إلى السعودية كوجهة نهائية لهم في الخامس من يوليو/تموز 2021 أو بعده للسفر في نقطة انطلاقهم الأصلية.
ومن جانبها، ذكرت وكالة الأنباء السعودية أن السلطات في المملكة ستمنع السفر من وإلى الإمارات وإثيوبيا وفيتنام وأفغانستان بسبب مخاوف تتعلق بفيروس كورونا، موضحة أن الحظر سرى اعتبارًا من الرابع من يوليو/تموز، وسيُطبَّق على أي فرد كان بهذه الدول الأربع خلال 14 يوما قبل سفره.
وكما هو معلن فإن السبب في هذا الحظر بين الدولتين الخليجيتين الجارتين هو انتشار فيروس كورونا بشكل كبير. لكن يرى مراقبون أن جزءًا من هذا القرار له خلفية سياسية، تتعلق بالخلافات المتنامية بين أبو ظبي والرياض.
الخلاف النفطي يستعر بين الجارتين..
وما يؤكد أن قرار حظر السفر ليس متعلقًا بشكل كلي بتفشي الفيروس هو أنه تزامن مع خلافات سعودية-إماراتية تتعلق بالنفط طفت إلى السطح خلال الأيام الأخيرة. حيث رفضت الإمارات خطة يجري التفاوض حولها بين أعضاء تحالف “أوبك بلاس” حول تمديد استراتيجية خفض إنتاج النفط الحالية.
واقترحت الإمارات فصل تمديد اتفاق خفض الإنتاج بين الدول المصدّرة عن مسألة مناقشة مستويات الإنتاج نفسها، ما أدى إلى خروج اجتماع تحالف الدول المنتجة للنفط عن مساره الأسبوع الماضي والفشل في التوصل إلى اتفاق. وتقع نقطة الخلاف بين السعودية والإمارات في هذا الشأن في أن الإمارات ترغب في فتح نقاش حول زيادة في مستويات الإنتاج قبل الموافقة على تمديد الاتفاق إلى ما بعد نيسان/أبريل، تاريخ انتهاء الاتفاق الحالي، بينما تؤيّد السعودية وروسيا اللتان تقودان تحالف “أوبك بلاس” تمديد الاتفاق كما هو حتى كانون الأول/ديسمبر 2022.
تصريحات إماراتية شديدة اللهجة..
وما زاد الخلاف وضوحًا هو قوة الإمارات وتمسكها برأيها، حيث قال وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل المزروعي إنّ “مطلب الإمارات هو العدالة فقط بالاتفاقية الجديدة ما بعد نيسان/ابريل، وهذا حقنا السيادي أن نطلب المعاملة بالمثل مع باقي الدول”، مضيفًا: “مسألة دخولنا أو إجبارنا على الدخول في اتفاقية جديدة وربطها بزيادة الإنتاج، لا نراها طلبا منطقيًا حتى لو اتّفقت عليه كل الدول”.
وأكد أنه “لا يُعقل أن نقبل باستمرار الظلم والتضحية أكثر مما صبرنا وضحينا”. كما أن وكالة بلومبرغ كانت قد كشفت أن الإمارات طرحت فكرة مغادرة “أوبك بلاس” في أواخر عام 2020، من أجل ضخ المزيد من النفط والاستفادة من الاستثمارات الضخمة التي قامت بها لتوسيع الطاقة الإنتاجية.
كما أن وكالة رويترز كانت قد نقلت أن هناك شعورًا سعوديًت بالإحباط من الإمارات بسبب رفضها تخفيض إمدادات النفط؛ وهو ما أدى إلى تأجيل اجتماع المنظمة يومين للبت في استراتيجية “أوبك” وحلفائها “أوبك بلس”.
ونقلت الوكالة حينها عن مصادرها في المنظمة أن الإمارات خرجت هذا الأسبوع من تحت جناح النفوذ السعودي في “أوبك”، مشيرة إلى أنه بسبب هذا الإحباط عرض وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان التنحي عن منصب نائب رئيس لجنة المراقبة الوزارية المشتركة في “أوبك”.
سحب الشركات الإماراتية..
كما قرَّر محمد بن سلمان، وقف التعامل مع الشركات الأجنبية التي لا تنقل مقارها إلى السعودية حتى العام 2024. وكما هو واضح، فإن هذا القرار يستهدف الإمارات، ذلك أن أغلب الشركات الأجنبية التي تتعامل مع السعودية تتركز فيها. وقد أكدت وكالة “بلومبيرغ” هذا، قائلة إنه على مدار العامين الماضيين كانت هناك منافسة شديدة على المواهب بين أبوظبي والرياض، حيث قدَّمت الأخيرة سوقًا أكبر لجذب الشركات الأجنبية بالإمارات.
وعدت الصحيفة أن القرار السعودي “إشارة للشركات الموجودة حاليًا في الإمارات للانتقال إلى السعودية، وإلا فستُفوّت فرصًا تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات في أكبر أسواق مجلس التعاون الخليجي”. كما سبق هذا القرار السعودي، إعلان 24 شركة متعددة الجنسيات نقل مقارها الإقليمية إلى المملكة، خلال مؤتمر “دافوس” الصحراء الاستثماري.
وما يزيد الخلاف تأكيدًا، حتى لو حاولت الأنظمة كتمانه، هو إعلان المملكة في فبراير 2020 تأسيس المدينة الإعلامية كمشروع عملاق ليضم جميع القنوات التابعة لها، وتستعد عقب الانتهاء منه لنقل قنواتها الموجودة في دبي إلى الأراضي السعودية.
مواقف متباينة من المصالحة الخليجية..
وبعد أكثر من ثلاث سنوات من قطع العلاقات بين قطر من جهة، والإمارات والبحرين ومصر والسعودية من جهة أخرى، انتهت الأزمة الخليجية بشكل رسمي خلال قمة العلا أوائل العام الجاري، لكن الاتفاق الرسمي على إنهاء القطيعة بدا وكأنه يخفي خلافًا بين السعودية والإمارات حول التعامل مع قطر.
وقد ظهر هذا الخلاف على ألسنة المقربين من النظامين في البلدين، فقد كتب حينها مستشار ولي عهد أبوظبي السابق عبد الخالق عبد الله: إن “قطار المصالحة لن يتحرك مليمترًا واحدًا بدون علم وبدون موافقة وبدون مباركة الإمارات المسبقة”. وفي المقابل، رد عليه تركي الحمد الأكاديمي المحسوب على الديوان الملكي السعودي، قائلًا: “لو قلت إنه لا مصالحة إلا باتفاق الدول الأربع لكان الأمر مقبولًا ومنطقيًا، أما أن تجعل الإمارات هي سيدة القرار بلا منازع، فهذا أمر ينفيه واقع الحال”.
لذلك يمكن القول إن هناك خلافات مصلحية جوهرية بين النظام السعودي ونظيره الإماراتي. ورغم محاولة الطرفين إخفاء هذه الخلافات، إلا أنه إشارات ودلائل الخلاف أكثر من أن تُخفى. لكن السؤال هنا هو: إلى أي مدى ممكن أن تذهب هذه الخلافات؟
اضف تعليقا