“والله لن نقوم بأي ضرر بمياه مصر”، هكذا ردد رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد”، القسم على الهواء، أمام الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي”، الذي أقسم هو الآخر: “والله والله لن نضر بكم أبدا”.
بعد أكثر من عام من حدوث واقعة القسم، أعلنت الحكومة المصرية، فشل المفاوضات الجارية بشأن سد النهضة، متهمة أديس أبابا بالتعنت، وهو ما فتح الباب أمام تساؤلات عديدة عن الخيارات المتاحة أمام القاهرة، للتعامل مع الأزمة التي تهدد حصتها التاريخية من مياه النيل.
حتى الآن، لم يتجاوز رد فعل الإعلام المصري، حدود إلقاء التهمة على نظام الرئيس الراحل “محمد مرسي”، الذي أطيح به في انقلاب عسكري منتصف عام 2013، بأنه لم يوقع أي وثيقة تتعلق بالسد، وذلك في محاولة لتبرئة “السيسي” الذي أعطى قوة لموقف أديس أبابا عندما وقع مع قادة إثيوبيا والسودان اتفاق إعلان المبادئ في مارس/آذار 2015.
الخيار الدبلوماسي
يبدو أن الخارجية المصرية، ما زالت تتمسك بالحل الدبلوماسي، عبر الدعوة إلى تدخل وسيط دولي مثل الولايات المتحدة؛ لرعاية المفاوضات بين الجانبين، والوصول إلى حلول ترضي الطرفين.
وكان المتحدث باسم الرئاسة المصرية، السفير “بسام راضي”، أعرب عن ترحيب بلاده بالبيان الصادر عن البيت الأبيض حول مفاوضات سد النهضة، مشيرة إلى أنها تتطلع لدور أمريكي فعال في هذه القضية.
وأثنى “راضي” على مطالبة الولايات المتحدة، الأطراف الثلاثة بـ”إبداء حسن النية للتوصل إلى اتفاق يحافظ على الحق في التنمية الاقتصادية والرخاء وفي الوقت ذاته يحترم بموجبه كل طرف حقوق الطرف الآخر في مياه النيل”.
لكن وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي “سلشي بقل”، أعلن رفض بلاده الوساطة الدولية، متسائلا:”لماذا نحتاج إلى شركاء جدد؟ هل تريدون تمديد المفاوضات إلى أجل غير مسمى؟”.
ولم يتضح بعد حجم الدور الأمريكي الذي يمكن أن تلعبه واشنطن لحلحلة الأزمة، وطبيعة الضغوط التي ستمارسها على أديس أبابا لدعم الموقف المصري، فضلا عن أن البيان الأمريكي لم تتبعه خطوات جدية على هذا المسار.
وتنصّ المادة العاشرة من اتفاق المبادئ، على أن “تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا، وإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/رئيس الحكومة”.
التحكيم الدولي
ويطرح خيار تدويل الأزمة، نفسه، كأحد السبل أمام القاهرة؛ للتصعيد دوليا ضد أديس أبابا، من خلال التقدم بشكوى لمجلس الأمن الدولي، وحال قبولها دون اعتراض الدول دائمة العضوية، سيتم تحويل القضية إلى محكمة العدل الدولية للبت فيها، ثم تصدر المحكمة حكمها وترسله إلى مجلس الأمن، كي ينفذه باعتباره الذراع التنفيذية للأمم المتحدة.
ووفق أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، “محمد حسين”، فإن مصر يجب عليها التنسيق أولا مع الاتحاد الأفريقي لتضمن دعم الدول الأعضاء، وكذلك التواصل مع الكويت العضو العربي الوحيد بمجلس الأمن.
كذلك من الضروري أن تتواصل مصر مع كل الدول صاحبة العضويات الدائمة بالمجلس، تفاديا لاستخدام حق النقض (الفيتو) على محاولة إحالة القضية لمحكمة العدل الدولية، حيث تستند القاهرة إلى نص القوانين الدولية التي تمنع بناء أي منشأة تؤدي لتأخير وصول المياه أو إنقاصها من دون موافقة دولة المصب.
وتستند القاهرة -التي تخشى من تأثير السد على حصتها من مياه النيل البالغة 55 مليار متر مكعب تمثل 95% من احتياجاتها المائية- إلى حقوق تاريخية تتمثل في اتفاقيتي 1929 و1959، في حين ترفض إثيوبيا الاعتراف بالاتفاقيات السابقة التي تمنح مصر الحق في رفض بناء السدود إذا كان يؤثر على حصتها المائية.
الحل العسكري
الخبير الاستراتيجي اللواء “جمال مظلوم”، يرى أن خيارات القاهرة تنحصر على الأصعدة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية في ظل أوضاع دولية وإقليمية تمنع اللجوء لخيار الحرب بأي حال.
ويستبعد “مظلوم” الخيار العسكري لحل الأزمة، مطالبا بالتعاون مع دول تمتلك نفوذا اقتصاديا بأديس أبابا كالرياض وأبوظبي، في محاولة حلحلة موقف إثيوبيا المتعنت، بحسب “الجزيرة”.
وتأخذ القاهرة في الاعتبار، لجوء أديس أبابا لحماية السد بمنظومة صاروخية متطورة، إسرائيلية الصنع، ما يعني أن التحرك العسكري بات مغامرة محفوفة بالمخاطر، وأن اللجوء إليه لم يعد مناسبا بعد اكتمال نحو 70% من أعمال السد.
كذلك فإن الأوراق المطروحة سابقا، والتي كانت تتمثل في إريتريا وجبهة تحرير الأورومو، فقد سقطت بعد نجاح رئيس الوزراء الإثيوبي “أبي أحمد”، في تحييد الطرفين بالمصالحة معهما.
ويعقد من قدرة مصر على التحرك عسكريا، رئاستها للاتحاد الأفريقي في دورته الحالية، وتعهدها مرارا بأنها لن تضر بمصالح الشعب الإثيوبي، فضلا عن مخاوف جدية من التورط في حرب لا أمد لها، قد تستغلها تنظيمات مسلحة في سيناء، شمال شرقي البلاد، لضرب العمق المصري.
ويؤكد ذلك البيان الصادر عن “السيسي”، قبل أيام، قائلا فيه: “أؤكد أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية في مياه النيل، ومستمرة في اتخاذ ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسي وفى إطار محددات القانون الدولي لحماية هذه الحقوق”.
الصرف الصحي
الخيار المتاح، والذي يبدو أن الحكومة المصرية بدأت الترويج له، هو الرضا بالأمر الواقع، وتبني خطة طموحة لزيادة معدل تدوير مياه الصرف الصحي، وتحلية مياه البحر، والبحث عن المياه الجوفية؛ لتعويض النقص المتوقع في حصة مصر من مياه النيل.
والأربعاء الماضي، أعلن رئيس الوزراء المصري”مصطفى مدبولي” أن القاهرة بدأت تنفيذ مشروعات على الأرض لوضع استراتيجية للمياه في مصر 2037، تضع خطة المياه في البلاد لمدة 20 عاما، وتصل تكلفة الاستراتيجية 900 مليار جنيه.
وأضاف “مدبولي” أن تلك الاستراتيجية تقوم على معالجة وتحلية مياه الصرف الصحي والزراعي، فضلا عن خطة للتوسع في تحلية مياه البحر.
وفي يناير/ كانون الثاني 2018، مهد “السيسي” لتلك الخطوة، بالإعلان أن الدولة تعكف حالياً على إنشاء أكبر محطة لمعالجة مياه الصرف والتحلية بتكلفة تتعدى 3.4 مليار دولار.
إذن فأوراق الضغط المصرية محدودة، وبعضها لم يعد متاحا بسبب ظروف إقليمية ودولية، وبالتالي فإن لغة الأمر الواقع تفرض نفسها على القاهرة، التي بدأت فعليا السعي نحو بدائل عاجلة لتعويض النقص في حصة مصر المائية السنوية، بموازاة خطة إعلامية لإلقاء التبعة تارة على “الإخوان”، وتارة على “إسرائيل”، وتارة على المواطن المصري باتهامه أنه الأكثر استهلاكا للمياه حول العالم.
اضف تعليقا