في عام 2019، كشفت وثائق وشهادات جديدة عن تفاصيل خديعة إماراتية وقعت ضحيتها مئات السودانيين الذين جرى استغلالهم وتحويلهم إلى مرتزقة يعملون في صفوف قوات خليفة حفتر في ليبيا. 

ليخرج فيلما وثائقيا يلقى الضوء على كيف خُدع هؤلاء الشباب، حيث تم استدراجهم من خلال وعود بوظائف مغرية في الإمارات، لكنهم وجدوا أنفسهم في نهاية المطاف في خضم حرب أهلية ليبية.

الإمارات تستثمر في الفقر

بدأت القصة في عام 2019، حينما قامت شركة إماراتية تُدعى “بلاك شيلد” بتوظيف مئات الشباب السودانيين، حيث وُعدوا بوظائف كحراس أمن في منشآت إماراتية، بما في ذلك ناطحات السحاب والمراكز التجارية في أبوظبي.

وبالنظر إلى حالة الفقر والحاجة الملحة للمال في السودان، قبل هؤلاء الشباب العرض دون تردد، تم التعاقد معهم برواتب بلغت حوالي 500 دولار شهرياً، وكان الهدف الظاهري هو العمل داخل الإمارات.

لكن عند وصول أول دفعة إلى الإمارات في سبتمبر 2019، بدأت الأمور تأخذ منحى مختلفاً تماماً، سُحبت منهم جوازات سفرهم وهواتفهم المحمولة، وتم نقلهم إلى مواقع مجهولة في البداية، ليكتشفوا بعد فترة أنهم يتلقون تدريبات عسكرية متقدمة تشمل استخدام الأسلحة والعمليات القتالية.

كانت الخدعة في البداية مُتقنة، حيث أن العقد الذي أبرمته “بلاك شيلد” مع هؤلاء الشباب كان يشير إلى أنهم سيعملون داخل الإمارات فقط. لكن في الواقع، تم إرسالهم لاحقاً إلى ليبيا للقتال كمرتزقة في صفوف قوات خليفة حفتر، التي كانت تحاول السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس في تلك الفترة. 

رحلة الخديعة والكشف عن الحقيقة

بعد فترة من وصول السودانيين إلى الإمارات، تم نقلهم إلى قاعدة عسكرية ليبية تابعة لقوات حفتر، دون علمهم المسبق. كان الاكتشاف الصادم حينما رأوا أن قوارير المياه في القاعدة مكتوب عليها “صُنعت في بنغازي”، حينها تأكدوا أنهم في ليبيا وليس الإمارات.

وجد هؤلاء الشباب أنفسهم في معسكرات ليبية، تحت ظروف قاسية وخطرة، وكانوا يُدرَّبون على القتال والمشاركة في الهجمات العسكرية ضد طرابلس. تم إغراؤهم بوعود مالية ضخمة تصل إلى 4000 دولار شهرياً إذا شاركوا في القتال، بالإضافة إلى وعود بالحصول على الجنسية الليبية.

ولكن عندما رفض بعضهم هذه العروض وقرروا الانسحاب، بدأت المعاملة السيئة، حيث تعرضوا للضرب والإهانة من قبل قوات حفتر، وهو ما أكده متحدثون من إجمالي الضحايا عن تفاصيل تلك التجربة المؤلمة.

العودة من الموت

بعدما أدرك هؤلاء السودانيون أنهم وقعوا ضحية خديعة مُحكمة، بدأوا في محاولة العودة إلى بلادهم. في عام 2020، وبعد احتجاجات أمام السفارة الإماراتية في الخرطوم وأمام مقر وزارة الخارجية السودانية، تمكنت بعض المجموعات من العودة إلى السودان. 

كما شهدت تلك الفترة تصاعداً في التوتر بين العمال السودانيين وحكومة الإمارات، خاصة بعدما تسربت تفاصيل القضية إلى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. بدأت الاحتجاجات في الخرطوم تتزايد، مطالبة الحكومة السودانية بالتدخل لحماية حقوق مواطنيها الذين تعرضوا للخداع.

رغم الضغوط الشعبية الكبيرة، لم تستجب الحكومة السودانية بشكل كافٍ، وفقاً للضحايا، الذين أكدوا أن الجهات الرسمية في السودان قامت بعرقلة القضية. أشار بعض الضحايا إلى أن قوات “الدعم السريع” السودانية كانت عائقاً أمام تقدم الملف القانوني ضد “بلاك شيلد” والشركات المتورطة في هذه الجريمة. كما أشاروا إلى ضغوط وتهديدات تعرضوا لها من قبل جهات أمنية إماراتية وسودانية على حد سواء.

وحتى اليوم، لم يحصل الضحايا السودانيون على أي تعويض أو اعتذار رسمي من الحكومة الإماراتية، على الرغم من الوعود التي قدمتها شركة “بلاك شيلد” بتسوية حقوقهم. 

لكن القضية أصبحت قضية رأي عام بعد أن اكتسبت زخماً كبيراً في وسائل الإعلام، ولا تزال معلقة، في ظل عدم وجود تحرك دولي أو قانوني جاد لمحاسبة المتورطين.

فيما يُطالب الضحايا الحكومة السودانية بالتحرك ضد الإمارات للحصول على تعويضات عادلة وإنصافهم، معربين عن أملهم في أن تتحقق العدالة في يوم من الأيام. لكن مع مرور الوقت وتراجع الاهتمام الإعلامي بالقضية، يخشى العديد منهم أن تذهب مطالبهم أدراج الرياح.

تشير التقارير الإعلامية إلى أن “بلاك شيلد” قد تكون مجرد واجهة لعمليات أكبر تستهدف تجنيد المرتزقة من دول مثل السودان، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول دور الإمارات في النزاعات الإقليمية وتورطها في تجنيد مرتزقة لخدمة أجنداتها العسكرية والسياسية في المنطقة.

هذه القضية تُعد جريمة اتجار بالبشر مكتملة الأركان، كما وصفها الضحايا، الذين لا يزالون يسعون لتحقيق العدالة رغم كل العقبات والتحديات التي واجهوها.

اقرأ أيضًا : سلاح الجنسية الإماراتية.. بين ترهيب المعارضين وترغيب رجال الأعمال الأثرياء