العدسة – معتز أشرف
كما فشلت في الأمن فشلت في الميديا، إنها وزارة الداخلية المصرية، التي أنتجت فيلمًا قصيرًا حاز على جدل واسع، وبات دليل إدانة جديدًا ضد نظام الديكتاتور المنتهية ولايته عبدالفتاح السيسي، حيث ضمت الداخلية -بطريقة الدابة التي تقتل صاحبها- صحفيين وحقوقيين بارزين في الفيديو، واعتبرت أعمالهم أعمالا إرهابية، رغم أن الآليات الأممية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، رصدت انتهاكات مماثلة، ولكن من حسن قدر أصحابها أنهم بجنيف، حيث الحصانة، وليس بالقاهرة، حيث القمع والتلفيق!.
سقوط جديد!
وتناولت المواقع والصحف المحسوبة علي وزارة الداخلية الفيديو المصور، بعناوين متقاربة ونفس المضمون المختلق، ولكن عقدة كانت حاضرة، حيث زعم الفيلم، كما قالت بعض المواقع، أنه كشف رحلة «المال القطري» إلى سيناء، وقالت الوزارة في الخبر المنشور بنفس الصياغة تقريبا في وسائل الإعلام، إنه ” تضمن “تفاصيل عن العمليات التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين، سواء الإرهابية أو عمليات التحريض على الدولة، والتسفيه من المشروعات التنموية، وعمل الجماعة في الخفاء لخلق أزمات اقتصادية لسحب العملات الأجنبية من الداخل، وكذا عن التحرك الخارجي لعناصر جماعة الإخوان المسلمين لاتهام مصر بانتهاك حقوق الإنسان، والوقوف وراء عمليات الاختفاء القسري للشباب المصري”، لتكون أعمال المعارضة والتوثيق الحقوقي والصحافة من الجرائم في سابقة جديدة.
وزعم الفيلم أنه “رصد الأموال التي تتدفق من قبل القيادات الإرهابية في قطر على الإرهابيين في مصر”، دون أن يقدم دليلا على ذلك سوى صورة للحقوقي البارز عزت غنيم، مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، وقد ظهر عليه الإعياء وآثار للتعذيب والإرهاق، وصورة الصحفي معتز ودنان، الذي قال قارئ التقرير إن تهمته نشر حوار صحفي مع المتهم المستشار هشام جنينة على حد تعبيره، وكذلك صورة المصور الصحفي أحمد السخاوي، الذي تحدث في الفيديو تحت الإكراه، عن معلومات عن عمله الصحفي، ورغم ذلك وصفت وسائل الإعلام المحسوبة على وزارة الداخلية الفيلم بأنه “استعرض جهود الأجهزة الأمنية في إجهاض المخططات التي تستهدف النيل من استقرار الوطن، ومواجهة الشرطةِ المصرية لقوى التطرفِ ودعـاة الشر، وقالت: “اعترف المتهمون بالمخططات للإضرار بالأمن القومي وقوى الشر”!.
خيوط واهية!
وفي المقابل، قالت “التنسيقية المصرية للحقوق والحريات“، التي ظهر مديرها التنفيذي في الفيديو في بيان مساء الجمعة: “إن خيوط العنكبوت واهية، وخيوط الحقوقيين متصلة بضوابط حقوقية واضحة تجعلها خيوطًا شدادًا لا تقبل بوهن التزييف أو البهتان، ولا تقبل بأي إرهاب”، معربة عن قلقها البالغ من الفيديو الذي بثته وزارة الداخلية المصرية تحت عنوان “خيوط العنكبوت”، وضمّت لمواده صورة للمدير التنفيذي للتنسيقية المصرية؛ الحقوقي “عزت غنيم”، وقد بدا عليه الإعياء، ما أثار مخاوفها على صحته، وما حدث له قبيل ظهوره في نيابة أمن الدولة العليا في قضية لا صلة له بها، معتبرة أية اعترافات إنما جاءت تحت الإكراه والتعذيب.
وفي السياق ذاته، أضافت التنسيقية أنها كانت تتمنى من وزارة الداخلية أن تمارس عملها في مواجهة العنف والإرهاب دون التورط في تشويه المدافعين عن حقوق الإنسان، خاصة أن كافة الانتهاكات التي ترصدها التنسيقية موثقة، ولها صدى دولي ردت مصر عليها رسميا، في نداءات عاجلة وجهها خبراء الأمم المتحدة والفرق المعنية بالانتهاكات، ومنها ما جاء عن الانتهاكات الخاصة بالإخفاء القسري، والتي نرى أن الأفضل منعها وليس منع توثيقها، مؤكدة أنها ليست في صراع مع الدولة المصرية، ومن أهدافها العليا التي تتجسد في ممارساتها الحقوقية المحترفة الملتزمة بضوابط دقيقة؛ الحفاظ على الوطن، والابتعاد عن الأزمة السياسية وعدم التورط في مناكفاتها، بجانب وقوفها قلبا وقالبا في مواجهة العنف والإرهاب؛ كونها تعتقد أن حقوق الإنسان ضمانة للقضاء عليهما، فيما دعت من يهمه الأمر إلى إيلاء الاعتبار لمقومات العمل الحقوقي ومفاهيمه، وعدم الدخول في مواجهات لا تحتاجها مصر مع الحقوقيين، في ظل إصرارهم على المصداقية وحب الوطن وسيادة القانون.
الإخفاء القسري
وبزر في الفيلم قصة “زبيدة” بطلة الإخفاء القسري الأخيرة، والتي بدأ الحديث عنها بعد بث قناة الـ “بي بي سي” تقريرًا أعدته من مصر، عن حبس وتعذيب وإخفاء معارضي الرئيس المصري المنتهية ولايته عبدالفتاح السيسي، وأكدت سيدة مصرية خلال التقرير أن ابنتها، وتدعى زبيدة يونس، تعرضت للحبس والتعذيب والإخفاء القسري على يد قوات الأمن المصري، فيما ظهرت زبيدة خلال حوار تليفزيوني أجرته على قناة “On Tv” المصرية، مع الإعلامي المقرب من السيسي عمرو أديب، بعد تقرير الـ”بي بي سي” بعدة أيام، حيث نفت مزاعم والدتها بأنها مقبوض عليها، وقالت إنها لم تر والدتها منذ حوالي عام، بسبب خلافات عائلية بين الاثنين، كما أضافت أنها متزوجة وتعيش مع زوجها دون علم والدتها، فيما أصرت والدة زبيدة على أقوالها، حيث قالت في حوار تليفزيوني لقناة “مكملين” إن حديث ابنتها لقناة “On Tv” هو حديث “هزلي، وما قلته للـ”بي بي سي” هو الحقيقة… ابنتي تعرضت للتعذيب حتى تنفي القبض عليها”، لتخرج “بي بي سي” بعد تعرضها للهجوم بانتقاد النظام المصري وتجديد ثقتها في تقرير مراسليها.
وتعد جريمة الإخفاء القسري أحد أكبر الانتهاكات التي تحاصر السيسي خارجيا وداخليا، وهو ما رصده المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وآخرون في تقارير باتت متواترة، فضلا عن خبراء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وأشار في تقرير حديث إلى «حالات يتعرض فيها نشطاء يتعاونون مع الأمم المتحدة أو منظمات حقوق الإنسان، تعرضوا لعمليات خطف واعتقال واحتجاز من دون أي اتصال مع العالم الخارجي، فضلاً عن الإخفاء القسري والتهديد وحتى التعذيب، إضافة إلى تشويه السمعة، والتسريح من العمل، وعرقلة حرية التنقل، وتقليص التراخيص الرسمية لجمعيات حقوق الإنسان»، والتي وصفها المرصد بأنها “لا تمثل نهجاً فرديا بقدر ما هي رد مقصود ومدروس بدقة من قِبَل أنظمة المنطقة، تجاه كل من يحاول إعلاء الصوت في وجه سياساتها”، كذلك اعتبرت منظمة «كوميتي فور جستس»، وهي منظمة حقوقية مقرها جنييف، أن قمع وترهيب المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر بحجة محاربة الإرهاب أمر لم ينطل على المجتمع الدولي، وأنه يجب على الحكومة المصرية أن تتوقف عن إلصاق الاتهامات الكاذبة للمدافعين عن حقوق الإنسان والإفراج الفوري عن المقبوض عليهم، وإيقاف القرارات التعسفية بحقهم، خاصة أن تلك الأنشطة شملت توثيق حالات الاختفاء القسري من أجل التواصل مع الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري.
تجريم الصحافة!
الانتهاك الأبرز في الفيلم، كان في تجريم الصحافة في مصر، وإظهار صحفيين يدليان بشهادات تحت الإكراه، تدور مضامينها في عملهما الصحفي، لكن حاولت وزارة الداخلية المصرية تشويهما بإدخالهما تحت إطار تهم الإرهاب، وهو ما رصدته كثير من المنظمات والمراقبين في مواجهة الانتهاكات المستمرة ضد الصحفيين والإعلاميين في مصر، وسلطت شبكة “آي بي سي نيوز” الأمريكية الضوء مؤخرا على ما وصفته بعمليات القمع الممنهجة التي يمارسها النظام برئاسة عبدالفتاح السيسي بحق الصحفيين ووسائل الإعلام التي تقدم تقارير تنتقد النظام أو الحكومة، مشيرة إلى أن مصير المنتقدين أصبح هو الاتهام بارتكاب خيانة عظمى.
وفي أحدث التقارير كشف المرصد العربي لحرية الإعلام، أنه للشهر الثاني من العام 2018، تتصاعد وتيرة الانتهاكات والإجراءات القمعية لحرية الصحافة والإعلام في مصر، تصدرتها حملة مشتركة من قبل وزارة الداخلية والنيابة العامة والهيئة العامة للاستعلامات ضد وسائل الإعلام والصحافة والصحفيين والإعلاميين، على خلفية بث قناة” بي بي سي” البريطانية تقريرًا حول الاختفاء القسري في مصر، بالتزامن مع القبض التعسفي على 5 صحفيين وإعلاميين جدد، لأسباب تتصل بعملهم المهني، وأعلن وقوع 29 انتهاكًا، وفق ما أمكن رصده في شهر فبراير 2018، وقد تنوعت الانتهاكات بين اعتقال وحبس وإخفاء قسري وإهمال طبي وتحقيق ووقف برامج وقيود على النشر، تصدرتها انتهاكات الحبس بـ” 8 انتهاكات ” والسجون ب 8 انتهاكات، وحل في المرتبة الثانية المحاكمات المعيبة (5 انتهاكات)، وقيود النشر (5 انتهاكات)، ثم الانتهاكات النقابية “3 انتهاكات”.
اضف تعليقا