إبراهيم سمعان

طريقة وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد كسر كل التقاليد التي اتبعها ملوك السعودية السابقين، ففي الماضي كانت القرارات دائما تتم بالتوافق، وبشكل جماعي، في المجلس الاستشاري “هيئة البيعة” التي تتكون من أبناء وأحفاد المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود.

لكن بخرق هذا التقليد وبتجاهل جميع الأمراء الكبار في اتخاذ القرارات، جعل محمد بن سلمان المملكة السعودية ديكتاتورية الرجل الواحد، الذي لم يعد يأخذ بنصيحة أحد.

وبحسب صحيفة ” atlantico” الفرنسية في البداية قام بطرد أمراء من فروع أخرى من العائلة المالكة أمثال – عشيرة السديري – وخاصة التابعين للملك السابق عبد الله، الأخ غير الشقيق للملك سلمان، إلى حد القبض على ابنه الأكبر، متعب بن عبد الله، رئيس الحرس الوطني، خلال حملة “مكافحة الفساد” الشهيرة التي جرت في 4 نوفمبر 2017، مما أجبره على دفع مليار دولار مقابل إطلاق سراحه.

لم يكن محمد بن سلمان متساهلا مع أي من أفراد عشيرته، ولا سيما ابن عمه، محمد بن نايف، الذي كان وليا للعهد في بداية عهد الملك سلمان، إذ تمكن تدريجيا من الاطاحة به أيضا، ومن ذلك اليوم أصبح محمد بن سلمان بلا داعم بين الأمراء الكبار، بما في ذلك فرعه الخاص.

داخل المملكة، جميع الأمراء الذين استبعدوا عمدا من التشاور في القرارات الهامة على المستويين السياسي والاقتصادي يمكن أن يفرحوا برؤية محمد بن سلمان، يعيش وسط هذه الكارثة والضغوط الدولية.

كذلك العلماء الذين اعتقلهم ولي العهد ربما سيشاركون الأمراء هذا الشعور، خاصة بعد أن تسبب في إضعاف التحالف الذي نشأ بين هيئة كبار العلماء والسلطة من قبل جده ابن سعود.

أما على الصعيد الخارجي، من الواضح أن أول بلد يستفيد من الوضع الراهن لمحمد بن سلمان هو إيران، ففي مواجهة هذه الأزمة السعودية، من الواضح أن استراتيجية أمريكا إضفاء الشيطانية على طهران أصبحت في المؤخرة.

يقوم الإيرانيون بتحليل الأحداث على النحو التالي: تركيا تسير بشكل سيء، واقتصادها في ورطة، وأردوغان يغرق أكثر فأكثر في ممارسة السلطة الدكتاتورية، ويفشل في حل المسألة الكردية ويصبح متورطا في سوريا.

أما المملكة السعودية تكافح مع هبوط أسعار النفط، والآن مع هذه الأزمة السياسية والدولية الخطيرة التي لم تشهدها الرياض منذ تورط البلد في هجمات 11 سبتمبر ، أصبح هذا السياق مفيد بشكل خاص لإيران.

غيّرت قضية خاشقجي نظرة العالم إلى الحرب السعودية في اليمن أيضا، إذ تميز الصراع حتى الآن بعدم اكتراث دولي واسع النطاق ، على الرغم من المعاناة التي يسببها للسكان المدنيين ناهيك عن مقتل عشرات الآلاف وأزمة إنسانية غير مسبوقة.

أطلق محمد بن سلمان على العملية اسم “عاصفة الحزم” في عام 2015، عندما كان وزيرًا للدفاع، لكن العنصر “الحازم” الوحيد الذي تولد عنها هو مجاعة شعب بأكمله.

واليوم، وبسبب هذه الأزمة السياسية، تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف حساس ، حيث قامت بتسليح وتقديم الخدمات اللوجستية لحليفها السعودي، فيما يطالب المزيد من البرلمانيين الأمريكيين بوقف مبيعات الأسلحة للسعودية.

وأخيراً ، فإن الدول التي لا تدعم ولي العهد السعودي في دول مجلس التعاون الخليجي، أي عمان وقطر والكويت، هي أيضاً مستفيدة من هذا الوضع.

داخل المملكة، لم يعد الأمير قادراً على التصرف للإفلات من العقاب لأنه فقد مصداقيته، فكل ما يطرحه يتحول إلى مأساة: الاكتتاب العام لأرامكو، والحرب في اليمن، والأزمة مع قطر، واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني، فعلى الرغم من وجهه المبتسم، لم تثمر أي مبادرة من المبادرات التي أطلقها، فرجال الدين أو أمراء العائلة المالكة، كلهم يبحثون عن حل للإطاحة به.

كان الجميع، في مواجهة انتهاكات السعودية صامتين، على أمل الاستفادة من سخاء هذا البلد، لا سيما من حيث الاستثمارات، وبسبب موقعه في قطاع النفط، وبالتالي، لم يدعم أحد كندا في أزمتها الدبلوماسية مع الرياض في أغسطس الماضي.

وقبل بضعة أشهر، كانت هناك بالفعل أزمة مماثلة مع ألمانيا، بعد أن انتقد وزيرها السياسة السعودية في لبنان، حيث ظلت أوروبا صامتة، ولكن كسر الصمت اليوم وسيتم الحكم على السعودية من خلال معايير جديدة .

 

كما أن الشعور بالإفلات من العقاب الذي سمح لمحمد بن سلمان بالتصرف كما يشاء ، محليا ودوليا، انهار، وحتى الإدارة الأمريكية باتت في مأزق، لأنه في  كلا الجانبين الجمهوري والديمقراطي، تتزايد الأصوات المطالبة بإنهاء الحرب في اليمن وفرض عقوبات ضد السعودية، وأخيرا لجنة تحقيق مستقلة بشأن مقتل خاشقجي.