العدسة: محمد العربي

لم يكن حادث الهجوم على حافلات تقل مسيحيين مصريين كانوا في طريق عودتهم من دير الأنبا صموئيل بمحافظة المنيا بشمال الصعيد بعد ظهر الجمعة الماضية، هو الأول من نوعه، ويبدوا أيضا أنه لن يكن الأخير، بعد أن أعلن تنظيم الدولة الإسلاميةداعشمسئوليته عن الحادث الذي خلف وراءه سبعة قتلى وعشرات الجرحى.

ويعد هذا الحادث الثاني من نوعه بعد حادث مماثل على حافلات تقل الأقباط وقع في مايو 2017، أمام نفس الدير وأدى لمقتل 29 وإصابة 20 شخصا، في هجوم تبنته داعش أيضا.

إلا أن توقيت الحادث، ومكانه، وردود الأفعال التي صاحبته وخاصة من قبل النظام المصري، يطرح العديد من علامات الاستفهام، حول السبب الذي يقف وراءه، ولماذا الأقباط الآن، بل وفي كل وقت، ولماذا أعلنت داعش تبنيها للعملية دون أن تذكر أسباب أو تفاصيل، وهل الهدف من الحادث هو إحراج نظام السيسي، أم دعمه، وهل يمثل الحادث تطورا في استراتيجية داعش تجاه ما يحدث للتنظيم في سيناء.

تهديد سابق

في فبراير 2017 أعلن تنظيم داعش توعده للأقباط المصريين، معلنا مسئوليته عن تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة في ديسمبر 2016 ، وهدد داعش من خلال رسالة متلفزة المسيحيين داخل مصر، وقال أنهم أصبحوا في مرمي نيران الدواعش في كل مكان.

وقد اعتبر المتابعون أن هذا التهديد ليس موجها ضد الأقباط تحديدا، لأنه شمل أيضا النظام المصري وجماعة الإخوان المسلمين وشيخ الأزهر وحتى الرئيس محمد مرسي المعتقل منذ انقلاب يوليو 2013 لم يسلم من التهديد والوعيد، بل وصفه الدواعش في رسالتهم المتلفزة بالطاغوت، مثله مثل باقي المسئولين في مصر، سواء الذين جاءوا بالانقلاب أو الذين سجنوا نتيجته.

وطبقا للمحللين فإن الأقباط وحدهم هم الذين دفعوا الثمن من خلال عدة تفجيرات وعمليات تنوعت بعدد من المحافظات ضد كنائسهم تارة، وضد حافلاتهم تارة أخرى، وكما ترى الكاتبة المثيرة للجدل فاطمة ناعوت في مقال احتفى به الأقباط وقتها، فإن المسيحيين بمصر يدفعون ثمن وقوفهم ضد الرئيس محمد مرسي والإخوان المسلمين، عندما نزلوا للميادين ودعموا السيسي ضد الإخوان.

واعتبرت ناعوت التي تهاجم دائما التيارات الإسلامية سواء المناهضة للانقلاب أو الداعمة له، اعتبرت أن الأقباط هم الذين يدفعون الشطر الأكبر من فاتورة إسقاط الإخوان.

ورغم أن ناعوت التي كتبت سلسلة من المقالات الداعمة للأقباط ضد ما وصفته بالإرهاب الإسلامي، إلا أن الخبراء يعتبرون أنها وضعت يدها على الجرح الأساسي الذي نتج عن الانقلاب الذي قام به عبد الفتاح السيسي، وهو وضع الأقباط في مواجهة مستمرة مع تنظيم داعش، الذي يرى في دمائهم المسالة المزيد من الرسائل للداخل والخارج.

ما هي الرسالة؟!

وطبقا لما ذهب إليه عدد من الباحثين المهتمين بالحركات الإسلامية، فإن تنظيم داعش يعتبر الأقباط مادة جيدة يستطيع أن يرسل من خلالها رسائل عديدة لجهات متعددة، ومن هذه الرسائل أن الأقباط سوف يظلون في مرمى نيرانهم طالما دعموا السيسي وسياساته، خاصة بعد أن تفرق من حوله كل القوى التي شاركته في انقلاب 2013، بينما ظلت الكنيسة القبطية على موقفها الداعم له بالخارج والداخل.

وهناك رسالة أخرى اعتبرها المراقبون موجهة لنظام السيسي نفسه، وهي أنه كلما ضاق الخناق على التنظيم في سيناء فإنه يستطيع أن يفتح جبهات بأماكن أخرى، وأن الهدف أمامهم سهلا وهو “الأقباط”، أما الرسالة الثالثة فهي موجهة للمجتمع الدولي بأن الأمور مازالت غير مستقرة في الداخل المصري على خلاف ما يردده السيسي.

رأي آخر

وفي تحليل له يبحث الباحث المنشق عن الإخوان أحمد بان عن أسباب استهداف داعش للأقباط، مؤكدا أن هذا السؤال يتردد كلما تكرّر حادث يستهدف الأقباط في مصر سواء في تجمعاتهم أو كنائسهم أو أعيادهم، ويقدم “بان” عدة أسباب، معظمها يسير في اتجاهات عكس بعضها، إلا أنه اعترف أن فترة تولي الرئيس محمد مرسي للحكم، كانت الأقل اضطهادا للأقباط، مشيرا إلى أن داعش بعد سقوط دولتهم في سوريا والعراق، فإنهم يبحثون عن إنتاج الفوضى في مصر منذ عام 2016.

مكاسب السيسي

وفي مقابل الأراء السابقة فإن هناك من يرى أن السيسي هو أكثر المستفيدين من هذه الحوادث وكأن داعش تلعب لصالحه في كل حادث، ويرى أصحاب هذا الرأي أنه بالتفتيش عن المستفيد من العمليات ضد الأقباط، فإن نظام السيسي هو الأكثر استفادة، فهو من جانب يؤكد للمجتمع الدولي بأنه يواجه حربا شرسة ضد الإرهاب والجماعات الإسلامية المسلحة، كما أنه يبرر كذلك للمجتمع الدولي خطواته الإجرامية ضد حقوق الإنسان، ويتخذ من مثل هذه العمليات مبررات واضحة لمزيد من الكبت والتضييق والحبس والقتل خارج إطار القانون من خلال التوسع في عمليات التصفية الجسدية التي أصبحت أحد أبرز مميزات نظام السيسي الدموي.

ويضيف أصحاب هذا الرأي أنه يبدو أن هناك من يلعب في عقل داعش لصالح السيسي، وإلا كان من باب أولى أن تتجه علميات داعش نحو رجال الشرطة وليس الأقباط، ولكن لأن الأقباط دمهم غالي لدى المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة، فإن العمليات دائما موجهة ضدهم، ما يؤكد أن الحرب ليست ضد نظام السيسي وإنما معه.

واستدل الطرح السابق أيضا بما أحدثه وجود داعش في سيناء، وأنهم بتصرفاتهم التي لم تخدم القضية الفلسطينية أو حتى القضية المصرية، دعموا خطة السيسي لتصفية سيناء تمهيدا لإدخالها ضمن صفقة القرن، التي لم يعد يخفى على أحد أن عملية سيناء 2018، لم تكن موجهة ضد تنظيم ولاية سيناء التابع لداعش وإنما كانت موجهة لأهل سيناء من أجل دفعهم لترك أرضهم وديارهم فيما يعرف بالمنطقة العازلة التي تحمي إسرائيل.

الضرب تحت الحزام

إلا أن أخطر ما نتج عن العملية الأخيرة وصب في مصلحة السيسي، كان في عودة الأصوات العلمانية المطالبة بتجديد الخطاب الديني والتي شنت هجوما خلال الساعات الماضية على الأزهر الشريف وشيخه، واعتبرته مسئولا عن العملية لرفض تنفيذ ما ينادي به المجتمع العلماني بتجديد الخطاب الديني.

وقد شارك في هذه القراءة الصحفي المصري حمدي عبد الرحيم، الذي طرح تساؤلا قال فيه: هل شيخ الأزهر هو القاتل. مؤكدا أن السؤال السابق ترجمه تعليق الفنان حلمي التوني، على حادث المنيا والذي قال فيه:” بعد الحادث البشع.. هل سيظلون مترددين و خائفين من مواجه ” الطيب ” وجماعته الواقفين في طريق المواجهة الحقيقية والتعامل مع الجذور الفكرية والعقائدية لهذه الجرائم .. أم سنبقى نتعامل فقط بالسلاح وكانها مباراة في المصارعة!!”.

ووجه عبد الرحيم عدة تساؤلات للتوني مشيرا إلى أنه في عقيدة المسيحيين خان يهوذا سيدنا المسيح ، وقدمه للصلب فهل كان يهوذا الخائن من أتباع الطيب أو من تلاميذ ابن تيمة ؟. وهل هناك أزهر وطيب في أمريكا ، حيث يفتح قاتل النار على تلاميذ المدارس؟

وأضاف متسائلا: متى قال الطيب أو الأزهر إن القتل حلال ؟. لماذا يصيبكم الحول فتتركون الجناة القتلة المجرمين ثم تصبون غضبكم على الأبرياء . متى يعلن الجميع احترام فجيعة الوطن فلا يتطرف ويزيد الطين بلة . كلنا تحت مرمى نيران الإرهاب وإن كان دم ضحايا دير المنيا لم يجف بعد ، فمثله دم ضحايا مسجد الروضة . قفوا مع الوطن الذي ينزف دمًا وحزنًا ولا تصبوا الزيت على النار.