خلال السنوات الماضية، اشتهرت الإمارات بأنها مرتع للفاسدين حول العالم، حيث يلجأ إليها كل من يريد غسل أمواله التي حصل عليها عبر طرق غير شرعية. وقد نشرت صحف عالمية تقارير متعددة حول الدور المشبوه الذي تلعبه قيادة الإمارات في حماية الفاسدين من رجال الأعمال والسياسيين حول العالم.

واشتهار دبي بكونها الوجهة المثالية للمجرمين والعصابات لغسل أموالهم وإخفاء جرائمهم لم يكن وليد البارحة، بل هي سمعة تكونت على مدار سنوات وهذه السمعة السيئة تتنامى. وعلى الرغم من ذلك، تفرض دبي قيودًا شديدة على أي محاولة لفضح أي من تلك الجرائم والانتهاكات، وتعرض من يحاول النبش في هذه الملفات لمصير قاس.

في واقعة تعود إلى عام 2012، فضح مدقق حسابات EY أمجد ريحان تعاملات الدولة مع شركة كالوتي والتي كانت بمليارات الدولارات من خلال استيراد الذهب المطلي بالفضة من المغرب، وكذلك تهريب الذهب من البلدان التي تعتبر عالية المخاطر، مثل السودان وإيران.

تم إقالة ريحان بسبب عرضه “ثياب الشركة المتسخة”، وهو القرار الذي علق عليه بول داولينج، محامي لي داي الذي يمثل ريحان، قائلًا: “دبي بيئة يحتمل أن يكون فيها تحدي السلطات محفوفًا بالمخاطر، وبيئة صعبة حقًا لفضح الأخطاء، وللرقابة المستقلة”.

 

الروس يخفون ثرواتهم في دبي 

وفي خضم الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، قالت مصادر مالية وقانونية لوكالة رويترز الإخبارية إن الأثرياء الروس يحاولون تحويل بعض ثرواتهم من أوروبا إلى دبي لحماية الأصول من موجة تشديد تشهدها العقوبات الغربية على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.

وقالت الوكالة إنه لطالما كانت دبي -المركز المالي والتجاري في الخليج- نقطة جذب للأثرياء حول العالم، كما أن رفض الإمارات الانحياز سواء للحلفاء الغربيين أو لموسكو في الأزمة الأوكرانية أوعز للروس أن أموالهم ستكون في أمان بها.

وأضافت أن الإمارات، التي عمقت علاقاتها مع روسيا على مر السنين، لم تتوافق مع العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا ولم يصدر مصرفها المركزي حتى الآن إرشادات بشأن العقوبات الغربية، مؤكدة أنه في كثير من الحالات، يسعى الأثرياء الروس إلى تحويل الأموال الموجودة الآن في سويسرا أو لندن إلى دبي – بعد فرض عقوبات على أفراد ومؤسسات كبيرة روسية بعد شن الحرب. 

 

أموال بمئات الملايين من الدولارات

وأكدت رويترز أنها علمت عن هذه التحركات الروسية نحو الإمارات من مصرفي بارز في بنك سويسري كبير ومحام مقيم في دبي مطلع على الأمر. وقد تطابقت المعلومات التي أدلى بها كلا المصدرين.

وقال المحامي المقيم في دبي إن شركته تلقت استفسارات من كيانات روسية حول السرعة التي يمكنها من خلالها نقل “أموال كبيرة للغاية” بمئات الملايين من الدولارات إلى الدولة الخليجية. بينما أضاف خبير في إدارة الاستثمارات أن “الإمارات العربية المتحدة وسيلة مناسبة (بالنسبة لرجال الأعمال الروس) حيث إنها على بعد ساعات قليلة بالطائرة، ولا يوجد بها هيئة تنظيمية متواطئة بالكامل مع الهيئات التنظيمية الغربية”.

وشددت رويترز على أن مكتب دبي الإعلامي ووزارة الخارجية الإماراتية والبنك المركزي رفضا الرد على الفور على استفسار حول حجم الأموال الروسية المتدفقة إلى دبي في الوقت الحالي. وقال المصرفي بالبنك الخاص إن العملاء الروس ممن لهم حسابات في بنوك خاصة يفتحون في بعض الحالات حسابات بفروع بنوكهم في الإمارات. وأضاف أن آخرين يفتحون حسابات ببنوك محلية. وقال مصدر مالي آخر، إن الروس الذين يواجهون اقتصادًا متداعيًا في الداخل يتطلعون أيضًا لضخ أموالهم في استثمارات من بينها العقارات والصناديق التي لا تكشف أي معلومات عن الملكية.

 

معاقبة البنوك الإماراتية

وقالت المصادر لرويترز إن قرار الإمارات الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدين الغزو، إلى جانب احتفاظ صناديق الثروة السيادية الخليجية باستثماراتها في روسيا، كانا بمثابة طمأنة للأثرياء الروس.

وتنتهج بعض البنوك الكبرى في الإمارات نهجًا حذرًا. فقد سبق أن تعرضت بنوك في الدولة لعقوبات في الماضي لعدم الالتزام بالعقوبات المفروضة على دول منها إيران والسودان. كما أنه في الأسبوع الماضي وضعت مجموعة العمل المالي (فاتف)، التي تتولى مراقبة الجرائم المالية على المستوى العالمي، الإمارات على “قائمة رمادية” للولايات القضائية الخاضعة لمراقبة أشد. 

وقال المحامي الذي تحدث للوكالة إنه “ربما كان عليها (الإمارات) أن تتوخي قدرًا من الحذر أكبر من المعتاد لوضعها على القائمة الرمادية. فآخر شيء تريده الآن هو أن تستخدم أوروبا ذلك سببًا آخر لإبقائها على تلك القائمة”.

وكعادة المؤسسات الإماراتية في عدم الشفافية، فإن المكتب الإعلامي لحكومة دبي ووزارة الخارجية الإماراتية لم يردا على استفسارات فيما يتعلق بالإرشادات الموجهة للبنوك والأعمال حول كيفية الالتزام بالعقوبات السارية على روسيا أو ما هي البروتوكولات المعمول بها إذا طلبت دول أخرى التحفظ على أي استثمارات خاضعة للعقوبات إذا كان لها وجود في الإمارات. 

 

عواقب سياسية في الطريق

وبعيدًا عن أن الخطوة الإماراتية الأخيرة ستتسبب في زيادة التأكيد على أن قادة الإمارات قد قرروا فتح باب البلاد واسعًا لكل فاسد ومتهرب، إلا أن الخطوة ذاتها سوف تشهد ردات فعل سياسية غربية على الأرجح.

فكما هو مشاهد، فإن العالم الغربي -وعلى رأسه أمريكا- بدأ في اتخاذ إجراءات هدفها عزل روسيا بشكل كامل عن النظام المالي الدولي، وحظر التعامل مع المؤسسات الروسية المختلفة. وحيث إن استمرار تعامل الإمارات مع روسيا سوف يسمح للأخيرة  بالتهرب من العقوبات الغربية، فإن ذلك بدوره سوف يغضب الغرب، الذي قد يتخذ خطوات تصعيدية نحو حكام الإمارات.