العدسة – منصور عطية

من جديد، تطفو على السطح أحد مساوئ حكام دولة الإمارات، لتضاف إلى سلسلة من الثقوب التي يحاول أبناء زايد وحلفاؤهم إخفاءها والترويج لصورة مثالية ناصعة البياض تضع بلادهم في مكانة ربما لا تستحقها.

دبي كانت عنوان الفضيحة الجديدة التي كشفتها قناة أمريكية، بشأن تورط الإمارة المثيرة للجدل في عمليات غسيل لأموال عصابات المخدرات والجماعات الإرهابية، لكن الحقيقة أن تلك الفضيحة ليست إلا مجرد حلقة من حلقات عدة، وضعت دبي في مكانة مرموقة بين أبرز وجهات غسيل الأموال عالميا.

دبي تدعم القاعدة!

وكشفت قناة “ABC” الأمريكية عن الدور الذي تقوم به حكومة دبي، بتمويلها شركة دولية تقوم بعمليات غسيل الأموال على نطاق عالمي واسع واستنزفت مئات الملايين من أستراليا.

وقالت، في تقرير لها، إن شركة “وول ستريت للصرافة”، وهي واحدة من أكبر شركات تحويل الأموال في الشرق الأوسط، ومكتبها الرئيسي في دبي، تعد مركزا رئيسيا لغسيل أموال عصابات المخدرات والجماعات الإرهابية.

وأشار “ديفيد ستيوارت” المفوض المساعد لوكالة “فرانس برس”، إلى أن 4 عمليات تقوم بها الشركة التي يديرها الباكستاني “ألطاف خناني” المسجون حاليا في ولاية فلوريدا الأمريكية، أجرت عمليات نقل أموال دولية؛ من خلال تبادل العملات.

وتقوم شبكة “الخناني”، بحسب “ستيوارت”، بغسل ما بين 14 إلى 16 مليار دولار سنويا لمنظمات إجرامية في أنحاء العالم.

وفي أستراليا، كان يغسل أموال المخدرات لعصابات لون وولفز وكومانشيرو بيكي، فضلا عن شخصيات المافيا اللبنانية التي تعيش في غرب سيدني، كما كان ينقل المال نيابة عن الكارتيلات المكسيكية الكوكايين وجماعات الإرهاب، بما في ذلك “القاعدة”، ومنظمة إرهابية إجرامية يديرها “داود إبراهيم” ومقرها في الهند، بحسب التقرير.

ومنذ عام 2008، كان “خناني” يدير الشبكة من شركة “الزرعوني” للصرافة في دبي، وبعد أن تم ضبطه في بنما سبتمبر 2015، من قبل إدارة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أسرته وشركائه، وأغلقت السلطات في دبي شركة “الزرعوني”.

وقالت صحيفة “فورد كورنر” الأسترالية إن حجما كبيرا من الأموال التي كان “خناني” يتحرك بها في جميع أنحاء العالم، يجري تشغيلها من خلال شركة “وول ستريت للصرافة” التي تدار من دبي.

بكل لغات العالم

الحديث عن علاقة إمارة دبي بعمليات غسيل الأموال ليس وليد هذا الحادث، لكنه يبدو ثريا إلى حد كبير ويضم بين دفتيه العديد من الوقائع والاتهامات التي طالت الإمارة على مدار السنوات الماضية.

ففي نوفمبر الماضي، كشف النائب البريطاني اللورد “بيتر هين” أن دبي استُخدمت كوسيط لنقل أموال مشبوهة لعائلة ثرية مقربة من رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما.

وفى خطابه الذي بثه التليفزيون على الهواء مباشرة، قال إنه سلم “دليلا دامغا” إلى وزارة الخزانة البريطانية، وهو عبارة عن وثائق تكشف تفاصيل الأموال التي غسلتها عائلة “جوبتا” من جنوب إفريقيا، عبر المملكة المتحدة إلى هونج كونج ودبي.

وتظهر المعلومات تحويلات غير مشروعة للأموال، من جنوب إفريقيا، حولتها عائلة جوبتا على مدى الأعوام القليلة الماضية، من حساباتها في جنوب إفريقيا إلى حسابات في دبي وهونج كونج.

وفي الشهر نفسه، كشفت تحقيقات استقصائية، ضلوع 13 شركة إماراتية في أكبر فضيحة لغسيل الأموال الروسية، والتي عرفت إعلاميًّا باسم “المغسلة الروسية”.

فمنذ 2014، ينشر مشروع التحقيقات في الجريمة المنظمة والفساد OCCRP سلسلة تحقيقات بالتعاون مع صحيفة “نوفا جازيتا” الروسية، لكشف أكبر عملية غسل أموال في التاريخ بحجم 21 مليار دولار لمنفعة شخصيات وشركات روسية.

وأشار التقرير الأخير الصادر عن الخارجية الأمريكية في مارس 2017، إلى تصنيف الإمارات العربية المتحدة من بين “البلدان الرئيسية في مجال غسل الأموال”، وشرح التقرير أن هذا التصنيف يطال أي بلد “مؤسساته المالية تنخرط في معاملات نقدية تنطوي على مبالغ كبيرة من العائدات المتأتية من الاتجار الدولي بالمخدرات”، لتصبح البلد الخليجي الوحيد الذي دخل ضمن هذا التصنيف.

وأضاف التقرير: “يرتبط جزء من نشاط غسل الأموال في دولة الإمارات العربية المتحدة على الأرجح، بعائدات غير قانونية من المخدرات المنتجة في جنوب غرب آسيا، ونقاط الضعف الأخرى لغسل الأموال في دولة الإمارات تشمل القطاع العقاري، وإساءة استخدام تجارة الذهب والماس الدولية”.

في نوفمبر 2016، حذر خبراء من أن الإمارات تواجه خطر إدراجها في القائمة السوداء للملاذات الضريبية، وسط مخاوف متزايدة حول استخدامها كقناة لتدفقات مالية غير قانونية، ونقلت تقارير إعلامية عن مسؤول في منظمة التعاون والتنمية إنه على الإمارات أن توقع على معاهدة لتيسير تبادل المعلومات عن المتهربين من الضرائب، لأنها باتت “مصدر قلق”.

ويقول خبراء إن دبي ازدهرت في السنوات الأخيرة كملاذ ضريبي كبير، إذ يتم تسجيل الآلاف من الشركات في المناطق الحرة هناك، والاستفادة من الإعفاءات الضريبية الكبيرة، والتراخي في قواعد الإقامة؛ ما يجعل من السهل عليها التهرب من التدقيق المالي الدولي.

وتحت عنوان “الجانب المظلم من دبي”، نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية في 2010، تقريرًا عن عمليات غسيل الأموال في دبي، ويشرح التقرير أن “ريش كومار جين”، وهو المليونير الهندي الذي يشتبه في كونه أحد أكبر غاسلي الأموال في العالم، قُبض عليه في مدينة دلهي الهندية بعد دفعه كفالة في دبي، التي كانت مقر معظم إمبراطوريته الواسعة، واتهم بنقل مئات الملايين من الدولارات لتجار المخدرات.

وكشفت برقية صادرة من السفارة الأمريكية في العاصمة الأفغانية كابول عام 2009، سربها موقع ويكيليكس، ونشرتها العديد من المواقع ووسائل الإعلام العربية، تورط مساعدين للرئيس الأفغاني حينها “حامد كرزاي” ومسؤولين كبار من الحكومة الأفغانية في عمليات تهريب أموال من مطار كابول إلى إمارة دبي.

وبحسب البرقية المؤرخة في 2009، فإن 190 مليون دولار هُرّبت من كابول إلى دبي، مضيفة أنه يُعتقد أن المبالغ المهربة أكبر بكثير مما هو معلن، وتشير الوثائق أن رئيس بنك كابول “شير خان فرنود” يمتلك 39 عقارًا في جزيرة النخلة بالجميرة في دبي، حيث تم نهب أكثر من 900 مليون دولار من الأموال المغسولة خلال انهيار البنك.

وفي 2016، كشف موقع “ذا كليفر”، قال إن الجنرال توكور يوسف بوراتاي، رئيس أركان الجيش النيجيري، كان يجري بعض المشتريات المثيرة للاهتمام داخل إمارة دبي باستخدام زوجتيه كواجهة.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 200 مليار دولار من المكاسب غير المشروعة من نيجيريا قد استثمرت بمبيعات العقارات في دبي.

وفي نهاية 2016، أدرجت الولايات المتحدة في القائمة السوداء 4 أشخاص وشركاتهم في باكستان والإمارات، لارتباطهم بمنظمة متهمة بغسل الأموال لمهربي المخدرات وجماعات الجريمة الصينية والكولومبية والمكسيكية، وكان من بين هؤلاء “عبيد” نجل الباكستاني “خناني”.

وتشير الأرقام التي تم نشرها على موقع خلية معالجة الاستعلام المالية في الجزائر، إلى ارتفاع عدد حالات الاشتباه بتبييض الأموال منذ بداية سنة 2015، حتى الآن، إلى 716 تصريحًا مبلغًا عنه من طرف البنوك، ونقل عن مصادر من إدارة الجمارك، أن هناك بعض الدول ما زالت تمثل الوجهة المفضلة لمبيضي وغاسلي الأموال في الجزائر، وفي مقدمتها إمارة دبي.

وأشار تقرير ديوان المحاسبة الليبي نُشر في أبريل الماضي، أن المبالغ المهربة عبر الاعتمادات المستندية برسم التحصيل وصلت قيمتها إلى 570 مليون دولار حتى نهاية شهر العام الماضي، وتطال 81 شركة محلية من خلال 3711 تحويلاً، وشملت عمليات التهريب أربع دول، من بينها دبي.

فضيحة الأموال الإيرانية

ولطالما كان غسيل الأموال سياسة إيرانية تتبعها طهران للإفلات من العقوبات الاقتصادية الدولية والأمريكية المفروضة عليها، وألقى تقرير نشره موقع شبكة بلومبرج الأمريكية في ديسمبر الماضي، الضوء على التعاملات الخفية والطرق التي استخدمتها إيران للالتفاف على العقوبات وهي الطرق التي كشف عنها الإيراني التركي “رضا ضراب”، الشاهد الرئيسي في القضية التي تولى التحقيق فيها مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي).

ففي 2011، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها لا يمكنها استبعاد نية عسكرية في البرنامج النووي الإيراني الذي كانت تنتهجه طهران وتعلن أنه للاستخدامات السلمية للطاقة النووية.

قاد ذلك الولايات المتحدة، إلى جانب الأمم المتحدة، إلى فرض عقوبات أقسى عام 2012 لعزل البنوك الإيرانية عن النظام المالي العالمي، وحظر وصولها إلى عوائد مبيعات النفط والغاز.

دخل الاقتصاد الإيراني في فترة ركود، وارتفع التضخم بشدة متجاوزًا 10%، ورغم استمرار إيران في بيع النفط، إلا أن المتحصلات بدأت تتراكم في بنوك لا تستطيع الوصول إليها، وبحلول عام 2012، كان لدى إيران مليارات الدولارات واليوروات في بنوك في تركيا والصين والهند وإيطاليا واليابان.

ومع تشديد العقوبات، شهد “ضراب” بأنه علم بأن البنك المركزي الإيراني وشركة النفط الوطنية يبحثان عن طرق للوصول إلى أموالهم.

وحسب المدعين، صمم “ضراب” بدءًا من عام 2012، مخططًا لنقل الأموال الإيرانية في تركيا إلى حسابات شركته هناك ثم تصديرها على هيئة ذهب إلى دبي.

من هناك، كانت تُوجه إلى النظام المالي العالمي وتُستخدم في تسديد مدفوعات لهيئات تحددها إيران، أحيانًا من خلال بنوك في نيويورك.

تقرير الخارجية الأمريكية سالف الذكر، قال إن العديد من الطبقة التجارية الإيرانية التقليدية لها صلات بمركز الحوالة الإقليمي في دبي، ويقيم ما يقدر بـ 400 ألف إيراني في الإمارات العربية المتحدة، مع ما يصل إلى 50 ألف شركة تملكها إيران.

ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام، استثمر الإيرانيون مليارات الدولارات في رأس المال بدولة الإمارات العربية المتحدة، وخاصة بالعقارات في دبي.