أثبتت دراسة أمريكية أن التعرض لتجربة محزنة يؤثر فعليًا على القلب وأن وصف الشخص المجروح بأنه يشعر بألم في قلبه ليس تعبيرًا مجازيًا، ولكنه تعبير صادق لحدوث تغيرات مرضية في القلب ولكن بمقدور الشخص علاجها.

وأوضحت الدراسة أنَّ الأزمات العاطفية تؤثر سلبًا على صحة القلب وأن جملة “انكسار القلب” هي جملة واقعية تنطبق على واقع مؤقت، ويقول أحد الخبراء ويدعى يورجن: “عندما يشكو شخصا بأن قلبه يؤلمه بسبب فقدان عزيز فإن وصفه لحالته صحيح بالمعنى الحرفي لشكواه”

حتى إن الاطباء أطلقوا على هذا النوع من الإصابة “متلازمة القلب المكسور” (Broken-Heart-Syndrom)، إلا أنَّ هذا الأمر قد تكون المرأة هي أكثر عرضة له وخاصة هؤلاء اللاتي قد تخطين سن الشباب.

وهذا ما أثبتته دراسة أخرى قام بها باحثون في جامعة بيتسبرج في بنسلفانيا (University of Pittsburgh) حيث جاءت نتائجها لتؤكد أن تعرض المرأة لثلاث احداث مأساوية متتالية كافيا لأن تصاب بأمراض خطيرة في القلب ولعل النساء اللاتى وصلن لسن اليأس يكن أكثر استعدادًا من غيرهن للاصابة بالمرض.

وذكرت الدراسة التي عرضت في المؤتمر السنوي لانقطاع الطمث في الولايات المتحدة الأمريكية، أن هذه الفئة من النساء تحديدًا تتأثر الوظائف البطانية (Endothelial function) لديهن سلبيًا عند تعرضهن لأحداث محزنة وتأثر هذه الوظائف التي مهمتها هي التقليل أو الإسراع بالتعرض لأمراض القلب من شأنه إحداث خلل بهذا الأداء، حيث تقوم الوظائف البطانية بمجموعة من المهام التى تساعد في مرور الدم عبر الأوعية الدموية بسهولة، وهذا يعنى أن انخفاض مستوى أدائها يقوي من احتمالات الإصابة بارتفاع ضغط الدم إضافة إلى أمراض القلب.

وغالبا ما تتشابه أعراض “انكسار القلب” مع أعراض الأزمات القلبية، ولكنه ليس بخطورته حيث تهاجم المراة التي كانت قد تعرضت لحادث اليم بعض الأعراض المقلقة مثل ضيق بالتنفس وآلام بالصدر وشعور بالغثيان وهو ما يدعو البعض للاعتقاد بأنهن قد أصبن بأزمة قلبية في بادئ الأمر، حتى الاطباء أنفسهم قد يقعون في فخ هذا الاعتقاد الخاطئ مبدئيًا.

وفسر ذلك د. مايكل بيكر، طبيب القلب بالمستشفى الجامعي بمدينة آخن غرب ألمانيا، عندما أوضح أنَّ الفحوصات الأولية التي يظهرها مخطط القلب الكهربائي (ECG) تتشابه إلى حد كبير ما لم تكن هى نفسها النتائج التى تظهر عند الإصابة بالأزمات القلبية.

وربما يسرع الطبيب في معالجة الأمر بتركيب قسطرة للسيدة المصابة بناء على التشخيص الخاطئ، ولكنه سريعا ما يكتشف هذا الفخ الذي وقع فيه وأن هذه الأعراض ليست أعراض الأزمة القلبية، حيث يتدفق الدم في الشرايين التاجية بصورة طبيعية، وليس هناك أي أثر لأي انسداد أو حتى انغلاق في القلب، إلا أن ما حدث هو أن هناك جزءًا من القلب لم يعد يتحرك.

وقد ذهب راينر شوبمان، كبير أطباء مستشفى الدكتور بيكر مونيزيه بالقرب من مدينة زوست غرب ألمانيا أن السيدات اللاتى قد يتعرضن لهذه الأزمات هن ما تجاوزن الـ 60 ، ويذكر شوبمان أنه يشخص تلك الحالات منذ أكثر من 10 سنوات و90 % من تلك الحالات كن من المسنات.

ولكن يبقى أن الأبحاث التي أجريت في هذا المجال ما زالت قاصرة، ولا زالت المعلومات المتوفرة عن متلازمة القلب المكسور حديثة إلى حد كبير.

وتجدر الإشارة إلى أنه تمّ الانتباه إلى تلك الحالات لأول مرة عام 1991 بعد وقوع زلزال كبير في اليابان، غير أنه لم يتم نشر أي تقارير علمية بخصوصه سواء كان ذلك في أوروبا وأمريكا إلا بعد بداية الألفية الجديدة.

وعلق د.بيكر على توقيت التشخيص بقوله :” لم يكن لهذا المرض تعريف أصلاً قبل العام 2006″.

وقد ذكر الأطباء أن هذه الأحداث التى تؤثر على السيدات لا تقتصر على نوع دون غيره من الحزن فقد تنطوى على أكثر الأمور ألمًا مثل موت أحد الأبناء إلى أهون الأمور ألما وهي الكوارث الطبيعية، وكذلك حوادث السيارات، أو التعرض لعنف جسدي.

ويرجح أيضًا أن تظهر أعراض هذه المتلازمة التى تشبه الأزمة القلبية بسبب إفراز هرمونات التوتر التي تبدأ في النشاط ويفرزها الجسم عندما يتعرض المرء لموقف يشعر فيه بالإثارة أو لحدث مفاجئ..والغريب أنه ليس شرطًا أن يكون هذا الحدث سيئ أو سلبي فقد أوضح د.بيكر أن المفاجئة باحتفال مثلا يكون كافيا لإحداث هذا أو انتشار مرض عام كذلك.

أما الدكتور شوبمان فيضيف أن حدثًا سعيدًا مفاجئًا يصيب الإنسان بالإثارة كالفوز مثلًا بجائزة اليانصيب فهو كافٍ لأن يصيب بمتلازمة القلب المكسور…ولكن هذا أيضا من النادر حدوثه فمعظم المريضات عانين تلك الأعراض تعرضهن لأحداث مؤلمة على اختلاف درجاتها فقد يبدأ الأمر من التعرض لحادث أو حتى التعرض للكوارث الطبيعية إلى أقصى درجات الألم بوفاة أحد المقربين إلى القلب.

وقد يحدث أن تفرز الغدد فوق الكلوية قدرًا عاليًا من هرمونات التوتر وربما يحدث “انفجار هرموني” حيث تندفع هرمونات الأدرينالين والدوبامين في الدم بنسب تفوق النسب المعتادة بمضعافاتها لدى الشخص الصحيح بدنيا.. وهو ما يؤدّي إلى اختلال عمل القلب الذي لا يتحمل كل هذا القدر من الهرمونات المتدفقة في دفعة واحدة، فلا يجد أمامه سوى حيلة واحدة وهي أن يوقف جزء منه عن أداء عمله، وهذا ما يفسّر تعرض السيدات اللاتى وصلن لسن اليأس تحديدًا لهذا المرض حيث تنخفض نسبة إفراز هرمون الأستروجين بأجسامهن بشكل تدريجي ومستمر وهذا الهرمون جزء من مهامه هو أن يساعد في حماية القلب.

وقد سعت العديد من الدراسات السابقة لحل هذه المعضلة ومنها ما تم قبل عدة سنوات عندما قامت جامعة كولونيا غرب ألمانيا والتي تعاونت في دراسة أجرتها مع علماء صيدلة وعلماء متخصصين في علم الأحياء الجزيئي عن تأثير هرمون الأستروجين، لولا أن فشل البحث بعد عدم إثبات أي من الفرضيات المطروحة.

وقد كشفت دراسة أخرى أجريت على عينة من النساء وصل عددهن إلى 272 امرأة بعد سؤالهن عن عدد الأحداث التى أشعرتهن بالحزن التي مرّت بها كل منهن طوال حياتها، أن الاهتمام بالمرأة بل محاولة الاستماع ومعرفة تفاصيل حالتها النفسية هو أمر ضروري وحتمي إذا أردنا معرفة نسبة احتمالات إصابتها بأمراض القلب في أي وقت سواء كان ذلك على المستوى القريب أو على الوقت البعيد.

وتحول الأمر إلى نداء من الأطباء لحماية المرأة من التعرض للإصابة بأمراض القلب تلك التى تعد أحد أهم الأسباب المؤدية للوفاة حول العالم، وتعد تلك الدراسة من أوائل الدراسات التي ربطت بين صحة القلب وما تتعرض له المرأة من أحداث مأساوية.

وكانت 8.76 حالة وفاة قد سجلت حول العالم حتى عام 2015 بسبب المراض القلب والتى غالبا ما تتسبب في ارتفاع الكوليسترول والسمنة وارتفاع ضغط الدم، وعلى الرغم من أن تلك العوارض هى من التأثيرات الشهيرة التي تنتج عن إصابة القلب إلا أن دراسات أخرى أظهرت العديد من التأثيرات الإضافية التي ربما قد تبدو غريبة ولا علاقة بينها وبين القلب ولكن هو ما أثبتته الدراسات ومن ذلك شيب الرأس، ودهون الخصر، حيث جاءت النتائج لتؤكد أنهما قد يزيدان من فرص الإصابة بأمراض القلب.

ولكن يبقى أن السيدات اللاتي يتعرضن للإصابة بمتلازمة القلب المكسور غالبًا ما تكون إصابتهن سهلة ويمكن أن تتعافى منها بعد تجاوزها مرحلة الألم النفسي حتى إن معدلات الوفاة للمصابات بهذه المتلازمة لا تتخطى 3 % تقريبًا، فالقلب يرجع تدريجيًا إلى أداء عمله بكافة أجزائه وبكفاءته المعتادة بعد مرور فترة زمنية بشكل تلقائى.

ويقول د.شوبمان: “هذه التغيرات التي تحدث لمريضات متلازمة القلب المكسور تختفي تمامًا وسريعًا في فترة لا تتجاوز الأسابيع وبشكل تام ودائم تقريبًا، ولكن على سبيل الاطمئنان تظلّ المريضة في بادئ الأمر بغرفة العناية المركزة، حتى تبقى تحت الملاحظة استعداد لاحتمالات حدوث مضاعفات كاضطرابات نظام القلب، ولكنهن في غالب الأمر يخرجن من غرفة العناية المركزة بعد أيام قليلة، وتسيطر عليهن مشاعر الراحة والسعادة لأنهن خرجن من مأزق صحى خطير لعدم إصابتهن بأزمة قلبية.