في كل مرة يظن فيها بن سلمان أنه تخلص من شبح خاشقجي… يعود الشبح ليطارده من جديد

قبل عام من اليوم، توجه جمال خاشقجي إلى القنصلية السعودية في إسطنبول للحصول على مستند يسمح له بالزواج من خطيبته التركية “خديجة جنكيز”، وهي الخطوة التي لم يتردد فيها رغم تحذير أقرب أصدقائه السعوديين له من الإقدام على تلك الخطة، وتجاهل كافة تلك التحذيرات وذهب إلى القنصلية ودخلها، إلا أنه لم يخرج منها، فبعد سبع دقائق من الدخول، فارق الحياة، ضحية لمجزرة من العصور الوسطى.

منذ ذلك الحين، لم يجب فريق الموت على سؤال “من الذي سيخلص محمد بن سلمان من “كاهن مزعج”؟”، وهو السؤال الذي كان يسأله هنري الثاني بعد مقتل رئيس الأساقفة “توماس بيكيت”.

وبعد مرور عام على الواقعة، يجد ولي العهد نفسه في مكان مختلف تماماً عن الذي كان يخطط له في بداية ولايته، حيث غير مقتل خاشقجي مسار حكم محمد بن سلمان.

 

جميع الجبهات تتراجع

التحالف السعودي الأمريكي بشأن النفط مقابل الأمن انتهى، وتعرض اثنان من أكبر محطات النفط في المملكة العربية السعودية للهجوم في ما وصفه مايك بومبيو- وزير الخارجية الأمريكي، بأنها “جريمة حرب” من قبل إيران، وغاب الرئيس الأمريكي عن المشهد تماماً.

حملة بن سلمان الوحشية في اليمن أصبحت في حالة يُرثى لها، خاصة بعد أن هجره حليفه الرئيسي، الإمارات، التي دخلت معها الحرب ولم يعترضا أي طريق يؤدي إلى تقسيم اليمن إلى قسمين ومغادرة الحوثيين في الشمال، ومع ذلك، وقبل بضعة أسابيع، شن الحوثيون هجومًا جماعيًا زعموا فيه أنهم أسروا 2000 جندي من جنود التحالف العربي، بينهم سعوديون.

من جهة أخرى، لطالما تعهد ولي العهد السعودي بضرب إيران في عقر دارها بسبب الصراع السعودي الإيراني الممتد منذ سنوات، ومع ذلك كشف الرئيس الإيراني حسن روحاني أنه تلقى رسالة من المملكة العربية السعودية، عبر وسيط – رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي.

لم يتم الإفصاح عن محتوى الخطاب، إلا أنه يمكن الاستنتاج ببساطة أنه لم يكن إعلان حرب.

والآن، وبعد مرور عام على مقتل خاشقجي، نجد أن جميع جبهات لي العهد تتراجع، ومع ذلك، لا يزال بن سلمان يبطش في البلاد بقبضة حديدية، وأبرز مثال على ذلك، محاكمة العالم الديني سلمان العودة على خلفية اتهامه بجرائم قد تؤدي إلى عقوبة الإعدام.

ولم يعد بن سلمان محبوباً من قبل الغرب كذي قبل، ولا عادت صورته التي حاول رسمها لنفسه هي المنتشرة عنه، كمحدث صاحب أموال كثيرة، والأمير الشاب المصلح صاحب الرؤى الإصلاحية الجديدة، وما عاد أحد يتحدث عن سيارات الأجرة، والروبوتات والمدن المتصاعدة في الصحراء.

ومن الجدير بالذكر، أن خاشقجي شخصياً كان له دور كبير في هذه الصورة، والصورة المغايرة، حيث دعم إصلاحات بن سلمان بشدة في البداية، مشدداً على أن المملكة يجب أن تتغير جذرياً، وفي المقابل، قام بانتقاد الطريقة التي تم بها تنفيذ هذه الإصلاحات.

 

 

نتائج عكسية

مقتل خاشقجي وتقطيعه من أكثر الأعمال وحشية التي تم تسجيلها في التاريخ، وهي نتائج غير متوقعة للجناة الجزارين، ولولي العهد شخصياً، الذي أشرف حراسه الشخصيون على العملية.

جربت المملكة العربية السعودية كل ما في وسعها لمحو هذه الجريمة من سجلها، حيث دعوا رئيس المخابرات التركية إلى الرياض، مدعين أن الأمر برمته يمكن التعامل معه “في فترة ما بعد الظهر”، وهو العرض الذي تم رفضه، كما عرضوا رشوة على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورفض هو الآخر، وأخيراِ دمروا الأدلة الجنائية، إلا أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أرفقت مع سجلاتها الخاصة فيما يتعلق بالواقعة، بعد التسجيلات الهاتفية، وخلصت إلى أن محمد بن سلمان أمر باغتيال خاشقجي.

قيام ولي العهد السعودي بإصدار أوامره لاغتيال خاشقجي ربما كان لإسكات كافة الأصوات المعارضة، وغير المعارضة.

لقد كان خاشقجي جزءً من المؤسسة من جهة، ومن جهة أخرى، كان ولي العهد السعودي المعجب بمحاولات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قام بتسميم المعارضين الروس في إنجلترا، يريد أن يؤكد على نفس النقطة: لا يوجد سعودي بعيد عن يد النظام.

كان لمقتل خاشقجي نتائج عكسية، غير التي خطط لها المنفذون، ومنذ اليوم الأول لمقتله في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يصبح محمد بن سلمان قادراً على الزحف من تحت ظل خاشقجي، أو ربما شبحه، وتفاقمت الأزمة بعد أن انقلبت مديرة وكالة الاستخبارات المركزية، جينا هاسبل، وواشنطن العاصمة ضد بن سلمان بشكل قاطع.

قام بن سلمان من حينها بتشكيل لجنة للطوارئ كانت مهمتها التعامل مع تداعيات القتل، وتوصلوا إلى سلسلة من الأفكار الغريبة، أحدها كان يتعلق بقمة كامب ديفيد على غرار “تغيير اللعبة” بين ولي العهد ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومع ذلك لم يحقق أي نتيجة، كما حاول مغازلة الصين باعتبارها قوة موازنة للولايات المتحدة، إلا أن هذا لم يفلح أيضاً، وفي كل مرة يظن فيها بن سلمان أنه تخلص من شبح خاشقجي، يعود الشبح ليطارده من جديد.

وعلى الرغم من ذلك، لم يتغير شيء داخل المملكة، المعارضون والمنافسون التجاريون ما زالوا يعانون من ظروف مروعة داخل السجون السعودية، القمع قاسي كما كان من قبل، محمد بن سلمان نفسه لم يتعلم شيئًا من فشل سياسته القمعية.

 

بارقة أمل

اغتيال خاشقجي أعطى دور للمعارض السعودي – بدون قصد – حياة جديدة، وفاته خلفت تأثيراً لا يزال مستمرا حتى يومنا هذا، كما ولدت أملا جديدا للعالم العربي بأن بعض الجرائم لن تمر دون عقاب.

رسالة خاشقجي إلى العالم العربي كانت رسالة أمل، وعلى الرغم من أن حياته انتهت كصحفي سعودي قُتل بسبب معارضته، فكان هذا بداية تبشر بأنه الوضع الراهن في المملكة العربية السعودية محكوم عليه بالانهيار ولا يمكن أن يستمر أبداً.

لقد كان خاشقجي على حق، وكان بارقة أمل تداعب الشعوب العربي بعد أن استقر التشاؤم في وجدانها بعد سحق الربيع العربي في مصر في يوليو/تموز 2013.

اضطر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حرفيًا إلى إغلاق مدنه الرئيسية لمنع المصريين من الخروج إلى الشوارع في نهاية الأسبوع الماضي بعد أن طالب جماهير عديدة من الشعب برحيله، حدث ذلك بعد مرور ست سنوات من الصمت والقمع، حيث ظهر للمحتجين صوتًا جديدًا يمكن من خلاله تشكيل تغيير سياسي فعلي، وسبقهم في ذلك السودان والجزائر.

 

مد التاريخ

إن مجرى التاريخ يتحول مرة أخرى وأن حكامه المطلقين والديكتاتوريين العسكريين يقفون في الجانب المظلم.

خاشقجي لم يكن ثوريا، ولا قائداً، وكان رجل متواضع وبسيط، ولم يتخيل أبداً أن موته كان سيكون بهذا التأثير العميق على الشعوب العربية المختلفة.

خاشقجي لن يتلاشى، بل إن صورة الرجل الذي قام بحملة من أجل قدر ضئيل من حرية التعبير في بلده سوف تنمو مع الوقت، كان لقصة خاشقجي الأخيرة – قصة الصحفي القتيل – قوة صحفية لا مثيل لها في أي مقال كتبه في أي عمود صحفي.

بالقضاء على خاشقجي، قضى بن سلمان على نفسه.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا