سعى النظام المصري بكافة أذرعه الإعلامية والأمنية والسياسية لإبراز عدم حصول أي تأثير لتظاهرات جمعتي 20 و27 سبتمبر/ أيلول الماضي، التي طالبت بالإطاحة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونفيه حقيقة تلك الغضبة الشعبية، قبل أن تكشف القرارات التي جاءت في أعقاب تلك التظاهرات عن عمق الهزة التي سبّبتها لأركان النظام المصري. قرارات وتحركات عدة أقدم عليها النظام لتبريد الشارع وتهدئته، بعضها تم الإعلان عنه رسمياً، والبعض الآخر جاء في صورة تحركات غير معلنة لتأمين مفاصل الدولة، ومحاولة احتواء الغاضبين في عدد من الأجهزة السيادية لمنع اتساع تلك الغضبة الشعبية ضد السيسي. جاءت البداية من إعلان السيسي بنفسه، عبر حسابه على “تويتر”، في أعقاب تظاهرات 27 سبتمبر، عن إعادة النظر بشأن المستبعدين من منظومة الدعم والبطاقات التموينية وإشرافه بشكل شخصي على تلك الإجراءات، وهو التوجّه الذي ترجمه وزير التموين علي المصيلحي في قرار بإعادة 1.8 مليون مواطن تم استبعادهم وإلغاء البطاقات التموينية الخاصة بهم خلال 4 أيام فقط، بدعوى أنهم لم تكن تنطبق عليهم شروط الحصول على الدعم، وفقاً لتقارير مجحفة.
تبع ذلك قرار جاء على المستوى الأمني عبر توجيهات رئاسية بإطلاق سراح المعتقلين الذين ألقي القبض عليهم من الشوارع والمنازل خلال أسبوع التظاهرات، ممن لم يتم عرضهم على النيابات، مع تسريبات بإخلاء سبيل أعداد من المحبوسين احتياطياً على ذمة التحقيقات مع أول جلسة لنظر تجديد الحبس. في المقابل كان القرار الذي مثّل مفاجأة للشارع المصري ووصفه مراقبون بأنه كاشف لحجم الرعب الذي أصاب النظام جراء التظاهرات الأخيرة، بتخفيض لجنة تسعير المنتجات البترولية لأسعار البنزين والمازوت والغاز للسيارات والمنازل والمصانع، في وقت كان فيه الشارع المصري ينتظر زيادة جديدة قبل تلك التظاهرات في أول تطبيق لآلية التسعير الجديدة المتمثّلة في ربط الأسعار بالسوق العالمية. وأقرت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية في مصر، المعنية بمراجعة وتحديد أسعار المنتجات البترولية بشكل ربع سنوي، أمس الأول الخميس، خفض سعر بيع منتجات البنزين بأنواعه الثلاثة في السوق المحلية بـ25 قرشاً (0.015 دولار) لليتر، ليصبح 6.5 جنيهات مصرية (0.4 دولار) سعر ليتر بنزين 80، و7.75 جنيهات (0.48 دولار) لبنزين 92، 8.75 (0.54 دولار) لبنزين 95، وذلك اعتباراً من منتصف ليل الخميس.
“
النظام بات يضع رد فعل الشارع في حسبانه بعد ست سنوات من الإهمال “ |
وعلى الرغم من محدودية تخفيض الأسعار، وفقاً لهذا القرار، بنسبة تبلغ 3 في المائة تقريباً، فإن الرسالة الأهم كانت واضحة، وهي أن النظام بات يضع رد فعل الشارع المصري في حسبانه، بعد ست سنوات من الإهمال والتغييب، وأن التظاهرات، وإن لم يكن عدد المشاركين فيها هائلاً، أصبحت هاجساً مخيفاً لأعلى سلطة في البلاد. أما على المستوى الإعلامي والسياسي، فقد شهد الشارع المصري مظاهر جديدة عليه بعد اعتراف عدد من الإعلاميين المعروفين بالأذرع الإعلامية للأجهزة الأمنية التي يديرها بشكل مباشر العميد محمود السيسي، نجل الرئيس ووكيل جهاز المخابرات العامة، بوجود أخطاء بحق المواطن المصري خلال الفترة الماضية، وانخفاض سقف الحريات السياسية والإعلامية.
وجاء في مقدمة هؤلاء عمرو أديب، وأحمد موسى، الذي دأب في فترات سابقة على اتهام أي صاحب رؤية معارضة بـ”العمالة للخارج والانتماء لجماعة الإخوان” حتى لو كان من معسكر 30 يونيو/ حزيران 2013 الذي دعم الانقلاب العسكري الدموي في 3 يوليو/ تموز 2013.
على النهج نفسه سار البرلمان المشكّل بعناية فائقة من قِبل جهاز المخابرات العامة، والذي اختار نجل السيسي أيضاً النسبة العظمى من نوابه، فبعد نحو أربع سنوات من تشكيله كان خلالها أداة في يد الرئيس ودائرته لتمرير كافة القرارات التي فجرت الغضب الشعبي، مثل التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وإثقال كاهل المواطنين بالضرائب المختلفة، فإذا به يهاجم الحكومة خلال أول جلسة له في دور الانعقاد الخامس، ومؤكداً استدعاء كافة الوزراء واستجوابهم بشأن التقصير في حق المواطن وتأكيده بأنه سيكون صوتاً حقيقياً للمواطنين.
ويصف برلماني من المحسوبين على ما يسمى مجموعة 25/30، هذه الخطوة، بأنها “مفاجئة”، وفي الوقت ذاته يعتبرها التفافاً على من يجب أن توجه إليهم الاتهامات بالأساس، “وأعني بهم”، حسب كلامه، “أصحاب القرار الحقيقيين في الدائرة العليا للحكم في مصر”.
وبخلاف تلك القرارات المعلنة، كانت مصادر رفيعة المستوى قد كشفت لـ”العربي الجديد”، عن حزمة تحركات يقودها نجل الرئيس لترويض أجهزة الدولة السيادية والأجهزة الأمنية، كان من بينها قرار بمنع سفر نحو 60 من قيادات جهاز المخابرات العامة كانوا قد أحيلوا للتقاعد أخيراً، إلى حين الانتهاء من مراجعة ملفاتهم في محاولة للوصول إلى عناصر داخل أجهزة سيادية كانت من بين الواقفين خلف تلك الموجة الأخيرة. وبالإضافة إلى ذلك، كشفت المصادر عن قرارات أخرى على صعيد وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني ضمن هذا الإطار، وكذلك داخل المؤسسة العسكرية.
في مقابل ذلك، علّقت مصادر سياسية على تحركات النظام لإخماد ثورة الغضب الشعبي ضده قائلة لـ”العربي الجديد”، إنه “لم يعد هناك شك لكل صاحب عين أن هذه التظاهرات حركت المياه الراكدة والعفنة في بحر النظام السياسي المصري”، مضيفة أن هناك حالة من اليأس دبت في نفوس بعض المعارضين، في أعقاب جمعة 27 سبتمبر التي فرض فيها النظام حصاراً على العاصمة القاهرة والميادين الكبرى بالمحافظات، في حين حشد موظفي الجهاز الإداري للدولة جبراً في ميدان المنصة بضاحية مدينة نصر، لتأييد السيسي بعدما حوّل محيط ميدان التحرير إلى ثكنة عسكرية لمنع وصول المحتجين إليه”، مستدركة أن “القرارات التي صدرت أخيراً تدعو هؤلاء الذين تسرب اليأس إليهم للفخر والتفاؤل بما قاموا به من إنجاز دفع هذا النظام للرعب والارتباك، في الوقت الذي كان يصدّر صورة للداخل والخارج بمدى استقراره وإحكامه للقبضة الحديدية، هذا بخلاف كسر حاجز الخوف لدى قطاعات واسعة من المواطنين”.
وقال قيادي حزبي كان ضمن المشاركين في تظاهرات 30 يونيو ضد الرئيس الراحل محمد مرسي، وكان لفترة مقرباً من النظام الحالي، إن “حجم ما وصلنا من معلومات من داخل النظام حول حالة الارتباك الحالية يوضح كيف كان لتظاهرات سبتمبر أثر كبير في إحداث هزة عنيفة للنظام الحالي بعد 6 سنوات من السياسات الفاسدة على كافة الأصعدة وإغلاق المجال العام والعصف بالحريات وسيطرة السياسات التي أدت إلى إفقار ثلث الشعب المصري”.
وتابع القيادي الحزبي الذي تحدث لـ”العربي الجديد”، أن “هذه الموجة الثورية، أو الغضبة الشعبية تشبه إلى حد كبير ثورة الجياع عام 1977 ضد (الرئيس الراحل أنور) السادات والتي لم يعد بعدها كما كان من قبل، وكذلك تشبه الغضبة ضد (حسني) مبارك والتي أسقطت صوره وأحرقتها في المحلة وكانت بمثابة بدء العد التنازلي لسقوطه الذي حدث في ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، لذلك أطمئن كل من شارك في هذا الحراك أو من كان آملاً في سقوط هذا النظام الفاسد بأن النهاية قد اقتربت للغاية، وخير دليل على ذلك قرارات النظام نفسه”.
اضف تعليقا