عاد الحديث مؤخرًا حول العلاقات السعودية مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعد ظهور رئيس الحركة في الخارج، خالد مشعل، على شاشة قناة العربية السعودية، في مقابلة تلفزيونية خاصة، في 4 يوليو/تموز الجاري. وخلال اللقاء، دعا مشعل المملكة للعودة بعلاقاتها مع الحركة كما كانت في السابق، مشيدًا بدور الرياض التاريخي في دعم الفلسطينيين، كما دعا المملكة لاستضافة قيادة “حماس” على أراضيها.

وبالطبع، كان جزء معتبر من اللقاء حول العلاقات الخارجية لحركة حماس، وسأل المذيع مشعل عن علاقة حماس بإيران، بل ونقل مطالبات بقطع العلاقات مع إيران. وكان رد مشعل واضحًا في هذا الأمر، حيث قال إن “حركته لن تقطع أي علاقات تخدم مصالح الشعب الفلسطيني. لكنه أكد في الوقت ذاته على رفض “حماس” لأي عدوان ضد أي دولة عربية وإسلامية، في إشارة إلى هجمات الحوثيين على السعودية.

كما صرح مشعل أن حماس لم ولن تكون جزءًا من محور بعينه في المنطقة، لأنها حركة مقاومة تحتاج إلى دعم الجميع، مشيرًا إلى أن حركته كانت منفتحة منذ انطلاقتها على جميع البلدان. وأضاف أن شكر إيران على دعم “حماس” بالأسلحة لا يعني أن الحركة توافق على سياساتها الإقليمية أو الدولية.

 

ترتيبات لقاء مشعل

وبالطبع، فإن مشعل أو أي قيادة من حركة حماس لم تكن لتظهر على القناة السعودية “العربية”، دون موافقة أو ربما رغبة لدى القيادة السعودية. وهذا ما كان بالفعل، حيث كشف موقع “المونيتور” من مصادر في حركة “حماس” وقناة “العربية” أن القناة التلفزيونية تواصلت مع “مشعل” لترتيب مقابلة في أواخر يونيو/حزيران، وأن الأخير تشاور مع “إسماعيل هنية” قائد “حماس” في هذه المسألة.

ووفق المصدر، فإن مشعل أوصل لمسؤولي القناة رغبته في التحدث بحرية دون أي قيود بغض النظر عن الموضوع، ورغبته في بث المقابلة بشكل مباشر، وفيما وافقت القناة التلفزيونية على طلبه الأول، رفضت طلبه الثاني لأسباب فنية. وتأتي المقابلة بعد توقف دام أكثر من 10 سنوات، الأمر الذي كان مفاجأة بالنسبة لكثيرين. 

 

خيانة القضية الأولى للأمة

فبعد صعود ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى منصبه الحالي، واعتباره حاكمًا فعليًا للمملكة، بدأت سياسات السعودية في التغير شيئًا فشيئًا تجاه القضايا الكبرى للأمة العربية والإسلامية، وعلى رأس ذلك قضية فلسطين. حيث تسجن السعودية فلسطينيين، بينهم ممثل حركة حماس في المملكة محمد الخضري ونجله هاني منذ أبريل/نيسان 2019. وأعلنت حماس في بيانات سابقة، أن السعودية تحتجز نحو 60 فلسطينيًا من أعضائها ومناصريها.

كما أن الحديث عن التطبيع أخذ في التزايد، من ذلك تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير، فيصل بن فرحان، أنه “لا يعرف ما إن كانت هناك صفقة تطبيع وشيكة بين بلاده وإسرائيل”، مضيفًا أن تطبيع مكانة “إسرائيل” داخل منطقة الشرق الأوسط سيحقق فوائد هائلة للمنطقة كلها، وأنه سيكون مفيدًا للغاية اقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا، وفق زعمه.

هذا بالإضافة إلى أن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، عندما زار السعودية في أول زيارة خارجية له، وصف حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) بأنها منظمة إرهابية، بحضور عاهل السعودية سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده، وبعض الحكام العرب. وعندما طرح ترامب خطة لتصفية القضية الفلسطينية تحت مسمى “صفقة القرن”، جاء تعليق الخارجية السعودية عليها كالتالي: “ندعم كافة الجهود لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية ونقدر جهود إدارة الرئيس ترامب لتطوير خطة سلام بين الجانبين”.

 

فتح صفحة جديدة في العلاقات مع حماس!

لذلك، فإن ظهور مشعل على قناة العربية في هذا التوقيت، يفتح الباب مجددًا أمام السؤال حول تحسن مرتقب في علاقات السعودية مع حركة حماس. وقد صرح وزير الصحة الفلسطيني السابق وعضو مكتب العلاقات الدولية لحركة “حماس”، باسم نعيم، أن “ظهور مشعل على تلفزيون العربية هو نقطة تحول مهمة في علاقات الحركة مع السعودية، والتي شابتها التوترات وسوء الفهم نتيجة للتطورات الإقليمية المتعددة التي لا علاقة لحماس بها”. 

وأضاف المسؤول الحمساوي أن الحركة تسعى إلى تسهيل المصالحات الإقليمية، مشيرًا إلى أن هذه المقابلة قد تقدم فرصة لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين “حماس” والسعودية. ومن جانبه، قال الكاتب السياسي الفلسطيني “أحمد الحيلة” إن : “ظهور مشعل في العربية هو تأكيد من حماس بأن الأضرار التي لحقت علاقاتها مع الرياض مؤقتة فقط، على أمل أن يعودوا كما كانوا”.

كما قال المحلل السياسي، القريب من حركة حماس، تعليقًا على لقاء مشعل على العربية: “موقف حماس من سياسة قناة العربية تجاه الحركة لم يمنع مشعل من الظهور على القناة السعودية لإلقاء الضوء على العلاقات الإقليمية للحركة، خاصة مع إيران وتركيا اللتان ليستا على وفاق مع السعودية”.

 

الحركة تتجاوز عن أخطاء النظام السعودي

كذلك، فإن الحركة نفسها مرنة في هذا الإطار، حيث إن مجرد موافقة مشعل على الظهور على شاشة قناة العربية، رغم تغطيتها المسيئة للعدوان الإسرائيلي الأخير على غزة يدلل على أن الحركة منفتحة لتطوير العلاقات، وقد صرح مشعل بهذا صراحة أثناء اللقاء. 

علاوة على هذا، لم تعلق الحركة على حذف قناة العربية مقطعًا دعا فيه “مشعل” السعودية إلى الإفراج عن عشرات الفلسطينيين الذين احتجزوا في المملكة منذ أبريل/نيسان 2019. وربما في هذا دليل على أنها لا ترغب في الصدام حاليًا في مرحلة قد تشهد تحركات إيجابية من السعودية.

وفي الوقت ذاته، تجدر الإشارة إلى أن لا يزال من السابق لأوانه الحديث عن انفراج في العلاقات بين الطرفين، لكن المقابلة كسرت بعض الجليد بين الجانبين، الأمر الذي قد يُبنى عليه تحركات أخرى في المستقبل.