العدسة – منذر العلي
في خضم الحديث عن حقيقة مقتل الأمير منصور بن مقرن نائب أمير منطقة عسير في تحطم مروحيته والشكوك التي ثارت حول تورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الأمر، انتشرت على نطاق واسع أنباء أخرى تفيد بمقتل الأمير عبد العزيز بن فهد أصغر أبناء الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز لدى محاولة اعتقاله، ضمن الحملة التي شملت 11 أميرًا وعشرات المسؤولين بتهم الفساد.
هذه الأنباء تزامنت مع أحاديث منتشرة عن هروب الأمير تركي بن محمد بن فهد، ابن أخي الأمير عبد العزيز، إلى إيران التي منحته حق اللجوء السياسي.
كما ألمح كثيرون إلى العلاقة بين مقتل “بن فهد” وبين إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته من العاصمة السعودية الرياض، باعتبارهما شريكين في عملاق المقاولات “سعودي أوجيه” المتوقفة عن العمل.
هل قُتل “بن فهد”؟
تقارير إعلامية غربية، نقلت عن عميل خاص سابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي يُدعى “علي حسن صوفان” قوله: إن “الأمير عبد العزيز بن فهد قُتل خلال محاولة من السلطات إلقاء القبض عليه”.
التقارير أفادت بأنه – وفي أثناء الاعتقال الذي كان ضمن ما اعتبر حملة تطهير السعوية من الفساد التي يقودها “بن سلمان” – دخلت قوة الحاسة المرافقة لابن فهد في معركة نارية مع القوة المسلحة التي أتت لاعتقاله، ما أسفر عن مصرعه بطلقات نارية خلال الاشتباكات، وفق ما نشره “صوفان”.
تلك الأنباء انتشرت كالنار في الهشيم بالعديد من الصحف والمواقع الغربية، مستندة إلى تصريح “صوفان”، حتى وصلت الأنباء لوسائل الإعلام العربية التي نقل بعضها نفيًا للخبر على لسان مصادر سعودية رسمية.
وبالبحث عن أية معلومات حول “صوفان” وجدنا أنه صاحب كتاب “تشريح الإرهاب.. من مقتل بن لادن إلى ظهور داعش” المنشور في 2017، وأنه لبناني الأصل التحق بمكتب التحقيقات الفيدرالي “FBI” عام 1997 وتركه في العام 2005.
وقالت تقارير إنه كان محققًا بارزًا في قضية تفجير المدمرة الأمريكية “كول”، وأشرف على عمليات مكافحة الإرهاب، والتحقيق في الأحداث المحيطة بهجمات 11 سبتمبر 2001، وكان من العناصر التي تعرفت على مختطفي الطائرات المستخدمة في تنفيذ الهجمات، وعلى المتهم بأنه العقل المدبر لها “خالد شيخ محمد”.
” عبد العزيز بن فهد “
ولعل هذه الأنباء التي نقلها الرجل، تتعزز بأنباء أخرى نقلها صحفي إسرائيلي يدعى “سيمون آران” المراسل السياسي براديو إسرائيل، والذي كشف أن السلطات الإيرانية، منحت حق اللجوء لأمير سعودي.
وغرّد “آران” عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعى “تويتر” ناقلًا عن “مصدر مطلع” قوله إن الأمير “تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز” – ابن أخي الأمير عبد العزيز بن فهد – وصل إلى طهران، وتم منحه اللجوء السياسي.
الربط المنطقي بين الخبرين يثير تساؤلات عدة تبقى إجاباتها طي الكتمان حتى الآن، في ظل تعتيم إعلامي لم تعلن معه السعودية رسميًّا حتى الآن عن حملة الاعتقالات أو شخصيات المقبوض عليهم والتهم الموجهة لهم.
فهل خشي “تركي” من مصير عمه “عبد العزيز” فلجأ إلى العدو الأول لبلاده، أم أن تلك الأنباء، سواء المتعلقة بالنقل أو اللجوء لا تستند إلى ظل من الحقيقة، ولا تخرج عن كونها مجرد شائعات.
ولا يمكن الحديث عن الواقعتين بمعزل عن واقعة أخرى لقي فيها الأمير منصور بن مقرن – نجل ولي العهد الأسبق مقرن بن عبد العزيز – مصرعه إثر تحطم مروحية كانت تقله ومسؤولين آخرين بالإمارة، وما أحدثته من جدل امتد إلى شكوك حول تورط “بن سلمان” في قتله.
” منصور بن مقرن “
خلافات سابقة بطلها “بن زايد”
ولطالما عُرف “بن فهد”، الذي ترك منظومة الحكم في 2014، وكانت آخر مناصبه الشرفية دائمًا وزير دولة وعضو مجلس وزراء، بأنه مثير للجدل بتغريدات عبر حسابه الرسمي تصطدم كثيرًا بتوجهات الدولة السعودية الجديدة منذ تولى الملك سلمان الحكم في يناير 2015، وصعد نجم ابنه “محمد” ولي العهد الحالي.
لكن أبرز تلك الخلافات مع الدولة، كان في أغسطس الماضي، عندما نشر الأمير عبد العزيز مجموعة تغريدات شديدة اللهجة بحق ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد لم تكن الأولى من نوعها لكنها كانت الأكثر قسوة.
التغريدات تضمنت انتقادات لاذعة لابن زايد، على خلفية هاشتاج (#شيخ_الفخر_محمد_بن_زايد) الذي دشنه إماراتيون بعد الفيلم الوثائقي الذي عرضته فضائية الجزيرة بعنوان “إمارات الخوف“، والذي سلط الضوء على الانتهاكات التي تمارَس بحق المعتقلين في الإمارات بأمر من محمد بن زايد، بحسب الفيلم.
مواقف “بن فهد” التي وصلت إلى حد توجيه السباب والشتائم بألفاظ نابية، وخصص لها أبيات شعرية من تأليفه عدها مراقبون تغريدًا خارج السرب السعودي الرسمي الذي يتناغم بشكل كبير مع الإمارات، لعدة اعتبارات؛ أبرزها قيادة البلدين لمعسكر دول حصار قطر.
هذه الخلافات وغيرها، ربما تكون أججت العداء بين أبناء العم، إلى درجة أمر فيها “بن سلمان” قواته باعتقال “بن فهد” مهما كانت مقاومته وقتله إن لزم الأمر.
ورغم عدم تواجده في منظومة الحكم، إلا أن “بن فهد” يتمتع بحضور قوي وفعال داخل المجتمع السعودي، خاصة على صعيد العمل الخيري والإنساني، بعد فترة من الاختفاء خارج البلاد، ثم عودة مختلفة تمامًا عن حياته السابقة التي كانت مرفهة للغاية.
” محمد بن زايد “
علاقة شائكة بالحريري
الحياة المرفهة لـ”القتيل المحتمل” تقودنا إلى بُعد آخر في القضية تحدثت عنه التقارير الغربية سالفة الذكر، وهي العلاقة التي تربط عملية القتل بإعلان “الحريري” استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية من قلب الرياض.
الرابط هنا يرجع إلى الشراكة التي تجمع ابن فهد والحريري في شركة المقاولات العملاقة “سعودي أوجيه” المتوقفة عن العمل بالسوق السعودية إثر أزمة مالية خانقة
وقالت التقارير: “إن موت الأمير عبد العزيز الغريب والمفاجئ الذي قيل إنه حدث أثناء محاولة القبض عليه يسلط الضوء على النظرية القائلة بأن استقالة الحريري كانت قسرية”، أي أن السعودية أجبرته على تقديم الاستقالة للضغط على حزب الله.
وتساءلت: “لذلك يجبر المرء على التفكير في السبب الذي يجعل النظام السعودي يتصرف في قضية الحريري في نفس يوم (التطهير الكبير)”.
“الجواب يكمن في استكشاف ما إذا كان تطهير الحريري أكثر أهمية وفائدة للاستهلاك المحلي من الاستهلاك الدولي، فالرسالة الموجهة إلى جميع السعوديين الأقوياء، هي أن أحدهم ليس أكبر من أن يقع على أيدي جماعة محمد بن سلمان”.
” سعد الحريري “
ولفتت التقارير إلى تصريح حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني، الذي اتهم فيه السعودية بإجبار الحريري على تقديم استقالته، قائلًا: “الاستقالة كانت قرارًا سعوديًّا أُملي على الرئيس سعد الحريري وأُجبر عليه، ولم تكن نيته ولا رغبته ولا إرادته ولا قراره”.
وتحدث نصر الله عن “قلق مشروع” على الحريري؛ لأنه قد يكون “تحت الإقامة الجبرية” في السعودية، وربط هذا الاحتمال بحملة الاعتقالات التي طالت أمراء ووزراء حاليين وسابقين ورجال أعمال بارزين، مشيرًا إلى أن الحريري وُضع قيد الإقامة الجبرية بسبب صلته بأحد من جرى اعتقالهم.
هنا يبرز اسم الأمير عبد العزيز بن فهد، الذي يُعتقد أنه الوحيد من الأمراء المعتقلين الذي تربطه علاقات تجارية ومالية بالحريري.
قلق نصر الله يتناغم مع مخاوف أعرب عنها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، قائلًا في تصريحات لصحيفة “الأخبار” اللبنانية القريبة من حزب الله: “أخشى أن يكون الحريري في الإقامة الجبرية”.
لكن قلق نصر الله ومخاوف السيسي يبدو أن حقيقة الأمر قد تبددهما، حيث انتقل الحريري من الرياض إلى الإمارات في زيارة سريعة، أعقبها بأخرى إلى البحرين، الثلاثاء.
اضف تعليقا