العدسة – معتز أشرف

خلال عقود لم يشهد الصحفيون المصريون، وفق ما تقول تقارير حقوقية متواترة، ما شهدوه من قمع وملاحقات ممنهجة، وتجريم للصحافة، وكراهية من السلطات الحاكمة، مثلما يفعل الديكتاتور عبدالفتاح السيسي، الذي وصفته تقارير عديدة بأنه عدو صريح للصحافة في مصر، وهو ما نرصده مع أجواء الاحتفاء بيوم الصحافة العالمي الذي طرق أبواب مصر هذا العام، في ظل أجواء قمع غير مسبوقة تتصدرها دموع ساخنة على خد صاحبة الجلالة.

 مداد يجف

في تقرير موثق من “التنسيقية المصرية للحقوق والحريات” بعنوان “صاحبة الجلالة.. مداد حُرٌّ يَجِفّ“، والذي تناول الحديث عن حرية الصحافة والصحفيين بمناسبة اليوم العالمي للصحافة، أكد أنه لم تعد صاحبة الجلالة تحتفظ بمكانتها المعهودة في المجتمع المصري، فقد تحولت من ملكة متوّجة إلى متهمة صاحبة صحيفة جنائية لا تخلو من العديد من الأحكام، وأصبحت مهنة الصحافة، منذ 3 يوليو 2013، مهنة البحث عن المتاعب حقًّا وأصبح القلم الذي يكتب رأيًا مخالفًا، والكاميرا التي ترصد الحقائق هما الأحراز التي تعتمدها المباحث الجنائية والنيابة لتقديم الصحفي إلى المحاكمة، والتهمة نشر أخبار كاذبة، وبالرغم من أن كل القوانين والمواثيق الدولية قد أقرّت بحرية الصحافة والصحفيين، إلا أن السلطات المصرية تصر على ضرب تلك القوانين بعرض الحائط وتستمر في انتهاك حقوق الصحفيين بحبسهم، ولا تكتفي بذلك، وإنما يتعرضون في داخل محبسهم للعديد من الانتهاكات والمحاكمات التي وصلت إلى المحاكمات العسكرية ضدهم، وإهدار لكافة الحقوق القانونية المقررة لمعتقلي الصحافة والإعلام، بما يتنافى مع كل المواثيق الدولية التي وقّعت عليها الدولة المصرية ويتم إغلاق كل منفذ من منافذ الرأي المخالف، سواء كان صحيفة ورقية أو إلكترونية، أو مواقع إخبارية، بما يمنع أي وجود لأية أراء أو أصوات مخالفة، ولا يتبقى للمواطنين سوى صوت واحد، وهو صوت السلطة الحاكمة، التي دأبت على تكميم المنابر الإعلامية، مشددًا على أنه بداية عام 2018 ازدادت حدة القمع ضد الصحفيين، وخاصة في شهر مارس تحديدًا، في الفترة التي صاحبت الانتخابات الرئاسية، حيث وصلت معاناة الصحفيين للقمة بما يعطي مؤشرًا بأن الصحافة وحرية الرأي ستواجه العديد من الصعاب في هذا العام أيضًا، وفق التقرير الذي رصد كذلك الانتهاكات التي حدثت في الفترة من يناير 2018 إلى أبريل 2018.

 جريمة كبرى

ووفق “المرصد العربي لحرية الإعلام“، ومقره لندن، فقد أصبحت مهنة الصحافة في مصر جريمة في نظر السلطات الحاكمة منذ الثالث من يوليو 2013، ورغم أن الدستور المصري المعمول به حاليًا وفر العديد من الضمانات لحريتها واستقلالها وحماية أبنائها، ومنع غلق الصحف أو حبس الصحفيين، إلا أن هذه النصوص الدستورية لا وجود لها على أرض الواقع الذي يزداد سوءا يومًا بعد يوم، ويدفع الكثير من الصحفيين للتفكير مليًّا في ترك المهنة إيثارًا للسلامة وحماية لأنفسهم.

المرصد أكد في بيان بمناسبة اليوم العالمي للصحافة وصل(العدسة)، أن “مصر باتت معتقلًا كبيرًا للصحفيين، لا قانون فيها يحترم، ولا استقلال فيها للقضاء، وتغولت قيود النشر، وقرارات وقف البرامج وحجب المواقع الإلكترونية ( أكثر من 500 موقع)، وإغلاق مقار بعضها بمزاعم واهية غير قانونية، وعقاب الصحفيين على آرائهم، وبات استخدام الدوائر القضائية الاستثنائية أداة دائمة للقمع والتنكيل بالصحفيين، وباتت السجون وأقسام الشرطة، والمقرات السرية للاحتجاز بجهاز الأمن الوطني مقارّ للترهيب والتخويف والإخفاء القسري، والإهمال الطبي، والقتل البطيء في كثير من الأحيان كما حدث لبعض الصحفيين فعلا”.

عدد المحبوسين- بحسب توثيق المرصد- 92 صحفيًّا وإعلاميًّا ومراسلًا صحفيًّا، سواء ممن يعملون في مؤسسات صحفية معروفة، أو من المتعاونين مع بعض وسائل الإعلام بطريقة غير نظامية، والذي أشار إلى أنه تلقى -على مدار الشهور الماضية- العديد من الشكاوى من بعض هؤلاء السجناء عن تردي أوضاعهم الطبية، وحاجتهم لعلاجات وفحوصات طبية متخصصة رفضت إدارة السجون القيام بها، كما وصلت العديد من الشكاوى عن حرمان أسرهم من الزيارات القانونية التي تقررها لوائح السجون، وشكت العديد من الأسر أنها لم تتمكن من زيارة عائلها منذ أكثر من عام، مؤكدًا أنه بالإضافة إلى ترسانة القوانين المكبلة لحرية الصحافة والمخالفة للدستور المصري، فقد تلقى الصحفيون والإعلاميون المصريون تحذيرات مباشرة من رأس السلطة، في مارس الماضي، بعدم السماح بـ “الإساءة للجيش والشرطة”، معتبرًا أن ذلك ليس “حرية رأي”، وإنما يوازي “الخيانة العظمى”، وكان أول من دفع ثمن ذلك إعلامي بارز يعمل بالتليفزيون الرسمي للدولة، ثم توالت الضربات بعد ذلك، خاصة على خلفية تغطية الانتخابات الرئاسية التي جرت منذ منتصف مارس الماضي، ووصلت إلى حد اقتحام مقر أحد المواقع الصحفية وحبس رئيس تحريره، وكذا تحويل 9 من صحيفة أخرى يتقدمهم رئيس التحرير ( قبل إقالته) لنيابة أمن الدولة في تهمة نشر، ولم يسلم المراسلون الأجانب في مصر من الملاحقات الأمنية والقانونية أيضًا، كما أن الصحافة المصرية واجهت المزيد من القمع خلال الشهور الماضية، وصلت إلى حد حبس عدد من رؤساء التحرير والصحفيين أو التحقيق معهم في تهم تتعلق بالنشر الصحفي، الذي جرم الدستور المصري الحبس بسببها، كما أدرجت السلطات المصرية قبل يومين 24 إعلاميًّا على قوائم الإرهاب، بسبب آرائهم السياسية وممارساتهم المهنية، وأصبحت مصر بشكل عام معتقلًا كبيرًا للصحفيين والإعلاميين.

وبحسب المرصد، فإن الملاحقات التي تتم للصحفيين في مصر، والتي وثقهتها المنظمة كما تقول في الفترات السابقة مناهضة السلطات المصرية لكل معايير هذا الإعلان العالمي، حيث تفقد مصر البيئة القانونية التمكينية لحرية الصحافة، ولا توجد بها أية ضمانات قانونية لذلك فضلًا عن إفلات مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين من العقاب، كما حدث مع قتلة بعض الصحفيين والمصورين، وآخرهم الصحفية ميادة أشرف، وهو ما دفع المرصد إلى مطالبة الأمم المتحدة وكل هيئاتها المعنية بحرية الصحافة (اليونسكو- مجلس حقوق الإنسان الدولي- المقرر الخاص لحرية التعبير- لجنة مكافحة التعذيب)، بتشكيل لجنة أممية خاصة للتحقيق فيما يتعرض له الصحفيون المصريون من قمع وملاحقة، وللتحقيق في ظروف حبس الصحفيين.

القائمة السوداء

منظمة “مراسلون بلا حدود”، التي يحظر النظام المصري موقعها الإلكتروني في مصر، أكدت في تقاريرها الحديثة أن الصحافة في مصر باتت في القائمة السوداء، حيث حالة غير مسبوقة من التراجع في حرية الصحافة في مصر واستقلالها، بالإضافة إلى التعدي على المشتغلين بالمهنة أثناء تأدية عملهم، والتي تجاوزت منعهم من تغطية الفعاليات الميدانية وعدم وصولهم إليها في ظل قبضة أمنية مشددة إلى القبض العشوائي عليهم، وحبسهم في ظل أوضاع قانونية استثنائية، تصل فيها مدد الحبس “الاحتياطي”، على ذمة القضية، إلى بضع سنوات بدون محاكمة مشيرة إلى أنه منذ تولي “السيسي” الحكم، وهو لا يكف -في أحاديثه الموجهة للإعلام وخطاباته- عن بث شكوى مستمرة وعدم رضا من الإعلام، وبث انطباعاته السلبية عن الدور الذي يلعبه بعيدًا عن مساندته الدولة ومحالفتها، وذكرت المنظمة أن مصر تعد من أكبر السجون في العالم، بالنسبة للصحفيين، بعد الصين وإريتريا وإيران، وفي تقرير عام 2018 ، الذي صدر قبل أيام، قالت المنظمة في مصر والسعودية والبحرين، أصبحت مكافحة الإرهاب “الورقة الرابحة” للسلطات في إطار ترسانة قمعية مسلَّطة على رقاب الصحفيين، إذ تُشكل الذريعة المثالية لاستهداف وسائل الإعلام والأصوات المستقلة.

وفي السياق ذاته، لفتت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الانتباه في تقريرها مطلع هذا العام، إلى حالة الصحفي هشام جعفر، الذي أمضى أكثر من سنتين في الحبس الاحتياطي، وهي أقصى مدة مسموح بها بموجب القانون المصري، بناء على اتهامات بتلقي تمويل أجنبي لمؤسسته، “مدى ميديا”، فضلًا عن حرمانه من الرعاية الطبية الملائمة لمرض في البروستاتا، وحالة إسماعيل الإسكندراني – الصحفي الذي يغطي أحداث سيناء ـ منتقدة منع الإعلام عن سيناء، وفرض تعتيم إعلامي شبه مطلق، وهو ما اعتبرته منظمة العفو الدولية في تقرير خاص بالإسكندراني حربًا على الصحافة المستقلة في مصر .