العدسة – منصور عطية

توجه جديد تسعى من خلاله دولة الإمارات إلى توسيع نفوذها في اليمن، على حساب الشرعية التي شاركت في التحالف العربي تحت قيادة السعودية من أجل إعادتها.

لملمة بقايا القوت الموالية للرئيس الراحل علي عبدالله صالح، كانت أحدث تجليات الدور المشبوه الذي تلعبه أبو ظبي على طريق إحكام قبضتها على مجريات الأمور، خاصة في الجنوب، بعد تجربتها في دعم الانفصاليين وتشكيل الميليشيات المسلحة.

تشكيلات عسكرية جديدة

تقارير إعلامية نقلت عن مصادر عسكرية قولها إن الإمارات تعمل حاليا على إعادة إنتاج قوات “صالح” عبر تجميع بقايا القوات العسكرية الموالية له، خاصة من وحدات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة التي تم تشكليها في عهده لحماية نظامه وعائلته.

المصادر لفتت إلى أن السعي الإماراتي بدأ منذ الأسابيع الأولى لمقتل “صالح” في سبتمبر الماضي، وكان منصبا على مدينة عدن الجنوبية التي تسيطر عليها الإمارات.

وأوضحت أن أولى الخطوات التي اتخذتها الإمارات في هذا الاتجاه هي ترتيب الخروج الآمن من صنعاء للعميد طارق محمد عبدالله صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل وقائد حرسه الخاص، واستضافته في عدن، وفتح أبواب معسكرات عدن وقاعدة العند في محافظة لحج له لإعادة تشكيل هذه القوات.

وتطمح أبو ظبي -وفق المصادر- إلى أن تلعب بتلك القوات دورا في شمال اليمن، كما استخدمت من قبل قوات الحزام الأمني وقوات النخبة الحضرمية والشبوانية في الجنوب.

ويواجه “طارق” في مهمته هذه صعوبات بالغة؛ أبرزها أن طبيعة تركيبة تلك القوات في عهد “صالح” كانت من المناطق الزيدية الأكثر موالاة حاليا لجماعة الحوثي، الأمر الذي دفعه بمساندة أبو ظبي، إلى إغراء العديد من القيادات العسكرية والسياسية من أتباع “صالح” بالأموال الطائلة للقبول بمهمة الانضمام إلى القوات الجديدة الموالية للإمارات.

وبينما تمكن طارق صالح من تشكيل 3 ألوية من بقايا الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والمجندين الجدد، قالت المصادر إنه يواجه عجزا في الحشد بعد تمكن جماعة الحوثي من استقطاب قوات كانت منضوية في إطار الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، لكن لم تشارك في الدفاع عن صالح وعائلته خلال المواجهات الأخيرة في العاصمة صنعاء.

سياسيا، تنشط أبو ظبي في تجميع قيادات وعناصر مؤثرة في حزب المؤتمر الشعبي العام من أجل إعادة تشكيل قيادة جديدة للحزب، يكون مواليا لها ولعائلة “صالح”.

ضد الشرعية

السعي الإماراتي الجديد، يأتي في سياق أدوار مشبوهة تمارسها أبو ظبي منذ مشاركتها في تحرير مدينة عدن العاصمة المؤقتة، والتي تتخذها حكومة أحمد بن دغر الشرعية مقرا لها.

ورغم أنها المسيطرة على الأرض في المدينة الجنوبية، إلا أنها واجهت قبل 3 أسابيع فقط اتهامات رسمية من الحكومة الشرعية، بالتورط في دعم الاحتجاجات المسلحة لانفصاليي الجنوب، والتي قادت لإحكام سيطرتهم على المدينة أواخر يناير الماضي.

ونقلت وكالة “رويترز” عن مصدر حكومي في القصر الرئاسي اليمني، اتهامه الإمارات بدعم الانفصاليين تأكيدا لتفوق نفوذها في الجنوب.

وشهدت عدن معارك لمدة 3 أيام، بين قوات الحماية الرئاسية التابعة للحكومة الشرعية، وقوات تابعة لـلمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، حيث أعلنت قوات المجلس السيطرة على كامل مدينة عدن الساحلية.

ونقلت الوكالة عن مسؤول كبير في صفوف من قوات المجلس الانتقالي الموالية للإمارات قوله إن من الواضح أن الرئيس عبدربه منصور هادي والسعودية يحاولان تقليص النفوذ الإماراتي في الجنوب.

الصراع الذي تنكره الإمارات علنا وتموله في الخفاء، تفجر بين ما يسمى المجلس الانتقالي وهادي، عقب قرار الأخير، في أبريل الماضي، إقالة الرئيس الحالي للمجلس ومحافظ عدن “عيدروس الزبيدي”.

كما اختتم هادي 2017 بسلسلة قرارات شملت تغييرات أمنية وإدارية وحكومية واسعة، لكن أكثر ما لفت الأنظار، الإطاحة بثلاثة من الموالين للإمارات من أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي، وهم: “ناصر الخبجي” من منصبه محافظًا للحج، و”فضل الجعدي” من الضالع، وإقصاء “عادل الحليمي” من وزارة النقل.

الدلالة الأبرز في تلك القرارات أن هؤلاء المستبعدين حل مكانهم شخصيات مناوئة للمجلس الانتقالي وللإمارات ودورها المشبوه في اليمن، وهم: اللواء ركن علي مقبل صالح، محافظًا للضالع إلى جانب مهامه قائدًا للواء 33 مدرع قائدًا لمحور الضالع، والعميد ركن أحمد عبدالله التركي، محافظًا للحج قائدًا للواء 17 مشاة، وصالح أحمد الجبواني وزيرًا للنقل.

الإخوان في الصورة

ولكي يكتمل مشهد المحاولات الإماراتية لإحكام السيطرة على اليمن، واتساقا مع إعادة تجميع السياسيين والقوات الموالية لـ”صالح”، يبرز حجم التنسيق المفاجئ لأبو ظبي مع حزب التجمع اليمني للإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين.

ففي ديسمبر الماضي، التقى قادة الحزب بوليي عهد السعودية وأبو ظبي محمد بن سلمان ومحمد بن زايد في العاصمة السعودية الرياض، ليكشف بعدها الأمين العام لحزب الإصلاح “عبدالوهاب الآنسي”، أنهما طلبا منه تشكيل تحالف مع حزب المؤتمر الشعبي ضد الحوثيين.

ووصف اللقاء الذي جمع قادة من حزبه بهما أنه “نقطة تحول”، مشيرًا إلى أنه “طُلب من حزب التجمع اليمني للإصلاح التواصل مع من تبقى من حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء لبحث رؤية عمل مشتركة ضد الحوثيين”.

حزب الإصلاح يمتلك قاعدة شعبية عريضة، ربما تكون عامل الحسم في ميدان المعارك مع الحوثيين، إن حملت السلاح بغطاء من قوات التحالف، وبهذا تسعى الإمارات لتقوية شوكة الإصلاح ودفعه للتحالف مع بقايا قوات “صالح” وحزبه، مشكلين تحالفا يعزز من نفوذ أبو ظبي في البلاد.

ولعل الوضع المزري لصنعاء الآن، شكل الحافز الأكبر للسعودية والإمارات على مثل هكذا تحالف، وهو ما ذهب إليه تقرير نشرته صحفية “نيويورك تايمز” الأمريكية.

التقرير قال إن جماعة الحوثي، التي تسيطر على صنعاء، شددت قبضتها على أهالي المدنية مؤخرا، فقطعت عنهم اتصالات الإنترنت، وحجبت مواقع التواصل الاجتماعي، وهي ترسل مسلحين لمهاجمة المنازل مستهدفة أي مشتبه في كونه من المعارضين، وقد احتجزت في هذا السياق مئات الأشخاص.