مع بدء الترتيب لعقد القمتين العربية والخليجية الطارئتين في مكة المكرمة، جاءت الدعوة التي وجهها العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، لأمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لتفتح صفحة جديدة في تطورات الأزمة الخليجية.

هذه الصفحة دوّن فيها اعتراف رسمي من جانب دول الحصار، الذي نفّذته الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة على الدوحة، بأن الأخيرة لا تدعم الإرهاب، وبأن كافة الحجج التي صاغتها سقطت بالكامل وفشلت في إقناع العالم وشعوبها بها.

كما سبق أن شاركت قطر بجميع المناورات العسكرية الخليجية والإقليمية، وذلك في الوقت الذي تواصل فيه وسائل الإعلام التابعة لدول الحصار حرباً إعلامية ضدها.

وسبق أيضاً أن وُجهت لأمير دولة قطر دعوة من الملك سلمان لحضور القمة الخليجية بالسعودية، في ديسمبر الماضي، لكن تشكل الدعوة الجديدة أهمية خاصة؛ في وقت تشهد فيه منطقة الخليج أزمة بين واشنطن وطهران، بعدما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية إرسال معدات عسكرية إلى الشرق الأوسط.

وتقول واشنطن إن هناك معلومات استخبارية بشأن استعدادات محتملة من قبل طهران لتنفيذ هجمات ضد القوات أو المصالح الأمريكية.

انتهاكات فاشلة

انتهاكات صارخة طالت قطر ورموزها منذ بدء الحصار، في 5 يونيو 2017، من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر؛ بدعوى دعم الدوحة للإرهاب، وهو ما تنفيه الأخيرة وتؤكد أن غاية هذه الدول التأثير في قرارها السيادي.

وحاولت دول الحصار من خلال هذه الشروط تقويض السياسة القطرية وجعلها تابعة للسعودية والإمارات، لكن الإصرار القطري أفشل مساعيها.

أبرز هذه الانتهاكات هي التخطيط لغزو قطر، والذي كشف عنه النقاب أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، في سبتمبر 2017، خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وقال حينها: “الحمد لله أوقفنا الخيار العسكري”.

وعلى مدار فترة الحصار الذي لم يحترم الإنسان وطال الحيوان أيضاً، اتُّخذ العديد من الإجراءات ضد قطر وشعبها، والتي بدأت بطرد المعتمرين القطريين من فنادقهم فور إعلان الحصار، وإغلاق المنفذ البري سلوى، وقطع المواد الغذائية والأدوية.

كما حُرم الطلبة القطريون من إكمال دراستهم، ورفضت جامعاتهم في دول الحصار التعاون معهم، بالإضافة إلى حرمان مستثمرين قطريين من أملاكهم.

كما تم استخدام خطباء وعلماء دين للتحريض ضد قطر، وتم تسييس الحج والعمرة، وتسخير خطب الجمعة بشكل مكثف لتشويه قطر ورسم صورة قاتمة عنها.

وحاولت دول الحصار خلق انقسام داخل المجتمع القطري، ودعمت ونظمت الندوات التحريضية ضد قطر في أوروبا والولايات المتحدة.

كما أخرجت مظاهرات مدفوعة الأجر في العواصم الغربية، وحاولت الضغط على الدول الفقيرة لحشد أكبر عدد من الدول المناهضة لقطر في بداية الحصار.

وسُمح لمواطني دول الحصار باستخدام وسائل التواصل للتحريض على القتل ضد مواطني قطر، خاصة خلال فترة الحج والعمرة.

وأُنتجت أغانٍ وشيلات شعبية تبث الكراهية ضد شعب قطر، بالإضافة إلى أعمال درامية تهاجم الدوحة بُثت في شهر رمضان المبارك ولم تراعِ حرمة الشهر الفضيل.

وكان ممَّا تم إنتاجه وبثه حلقات خاصة وجهت للأطفال، كما تم التطاول على الرموز، والتطرق للأعراض من خلال نشر صور مُفبركة وتناولها في برامج ساخرة، واستدعاء الشعراء لإلقاء قصائد وإبراز مواقفهم ضد قطر.

لكن كافة هذه الانتهاكات والضغوطات “الفاشية” فشلت؛ بدليل أن الدعوة تؤكد أنه لا يمكن الاستغناء عن قطر، خاصة أنها لاعب إقليمي ووسيط ماهر أثبت نفسه في عدد من القضايا الدولية؛ من أمثلتها التوصل إلى السلام في السودان، والمحادثات بين أمريكا وحركة طالبان.

إقرار بالفشل

ومنذ فرض الحصار سعت الدول المحاصرة لقطر إلى فرض الوصاية عليها والتدخل في شؤونها السيادية عبر سيل من المزاعم والادعاءات، التي أكدت الدوحة أنها مرفوضة شكلاً ومضموناً بفرض شروط مجحفة.

تضمنت شروطها لحل الأزمة إغلاق وسائل إعلامية؛ منها قناة “الجزيرة”، بالإضافة إلى المطالبة بإغلاق القاعدة العسكرية التركية.

وجاء في مقدمة المطالب الجماعية للدول المقاطعة: “إعلان قطر رسمياً خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإغلاق الملحقيات، ومغادرة العناصر التابعة والمرتبطة بالحرس الثوري الإيراني من الأراضي القطرية، والاقتصار على التعاون التجاري مع إيران، بما لا يخل بالعقوبات المفروضة دولياً وأمريكياً عليها، وبما لا يخل بأمن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وقطع أي تعاون عسكري أو استخباري مع إيران”، بحسب ادّعاءاتها.

اللافت في الأمر أن هذه التهم والمطالب الموجهة لقطر تنسفها الدعوة الموجهة من قبل الملك سلمان لحضور قمة خليجية وعربية وإسلامية طارئة في مكة المكرمة، بسبب التهديدات الإيرانية والتصعيد المتواصل من قبل جماعة الحوثيين بقصف أهداف داخل الأراضي السعودية والإماراتية.

يذكر أن زعماء الدول الخليجية الثلاث التي حاصرت قطر امتنعوا عن حضور قمة الكويت، واكتفت السعودية والإمارات والبحرين بإرسال ممثلين بمناصب وزارية.

وفي القمة الخليجية الـ39 التي استضافتها السعودية، في ديسمبر 2018، غاب أمير قطر، وترأس وزير الدولة للشؤون الخارجية، سلطان المريخي، وفد بلاده.