محمد جواد ظريف: الأزمة الإيرانية- فجوة غير قابلة للكسر
في مؤتمر ميونيخ الأمني، انتقد وزير الخارجية الإيراني بشدة ممارسات الولايات المتحدة واقترح إجراء محادثات مع جيرانه العرب، وهو الاقتراح الذي رفضته السعودية ما لم تغير إيران سياساتها.
تكمن قوة مؤتمر ميونيخ الأمني في أنه يجمع العالم بأسره تحت سقف واحد لمدة 48 ساعة، حيث يتم مناقشة جميع أزمات العالم، والتي كان أبرزها هذه المرة الصراع الدائر في الخليج العربي بين إيران والدول العربية، والذي تصاعد بشكل خطير منذ بداية العام الجاري.
في كلمته الافتتاحية، أعرب الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير عن أسفه إزاء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية أبرمتها مع إيران، وهو انسحاب من جانب واحد، بالإضافة إلى فضلاً الانتهاكات الأخرى التي ارتكبتها واشنطن من خلال قواعدها العسكرية.
العلاقات الأمريكية الإيرانية متشابكة ومعقدة، على سبيل المثال، رفض وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ما جاء في خطاب شتاينماير ليتضمن خطابه ]بومبيو[ كلمة “إيران” سبع مرات في خطابه، وهو تغيير غير مفهوم بعض، حيث كان يصفها وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبير بأنها “دولة مارقة”.
لا انحياز لأي طرف
رئيس المؤتمر فولفغانغ إيشينجر أعلن في بداية القمة ان مؤتمر ميونيخ الأمني لا ينحاز إلى أي طرف، وعليه، مُنحت إيران أيضًا منصة لعرض وجهة نظرها في بداية المؤتمر، الذي افتتحه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، واختتمه نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود.
من ناحية أخرى كان لوزراء خارجية تركيا وقطر والكويت وسلطنة عمان فرصة للتحدث أيضاً، وكذلك فعل السناتور الأمريكي، ومعارض ترامب- كريستوفر ميرفي.
على جانب آخر، القاعة الملكية الفخمة في بايريشر هوف، كان تعج بالمندوبين عن كل دولة مشاركة، وعلى عكس ما اعتقد البعض أنها كانت فرصة جيدة للتقارب بين وجهات النظر، فإن هذا لم يحدث.
في حديثه لدويتش فيله، قدم علي فايز، مدير برامج إيران في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، تحليلاً واقعياً لما يحدث حيث قال: “الفجوة بين الأطراف في الخليج تزداد ولا يوجد مؤشرات لأن تتقلص”، وأضاف،. “بالنسبة للمستقبل القريب، فالواضح أن هذه الفجوة غير قابلة للكسر”.
لا يوجد تأثير
منذ بداية المؤتمر، وظريف يتخذ موقفاً مناهضاً للولايات المتحدة، حيث هاجم واشنطن بشدة في بداية حديثه، وقال إن دونالد ترامب تلقى نصيحة سيئة في قراراته ضد إيران، في إشارة إلى المستشار الأمني السابق للرئيس الأمريكي، جون بولتون، حيث قال “الرئيس ترامب مقتنع بأننا على وشك الانهيار، لذا فهو لا يريد التحدث إلى نظام منهار … إنه مخطئ … إنه ينتظر أن تنهار إيران منذ انسحابه من الاتفاق النووي”.
ورداً على سؤال حول مقتل الجنرال قاسم سليماني بعد هجوم أمريكي بطائرة بدون طيار أوائل شهر يناير المنصرم في العراق، أعلن ظريف عدم نية إيران في الانتقام، وقال إن بلاده ليس لديها مصلحة في تصعيد الصراع مع الولايات المتحدة، لكنه لم يستبعد الرد العراقي الذي يظن أنه سيكون انتقاماً لتلك الضربة التي كانت على أرضه، وأضاف إن إيران لا تستطيع التدخل وإقناع العراقيين بعدم الرد.
وأكد ظريف في حواره أنه يرفض إجراء أي محادثات مع الولايات المتحدة طالما لم يتم رفع العقوبات، قائلاً إن حملة “الضغط الأقصى” التي تمارسها الإدارة الأمريكية ضد إيران تسببت في أضرار اقتصادية شديدة للبلاد، وتابع “الأمر لا يتعلق بفتح محادثات مع الولايات المتحدة، إنه يتعلق بجلب الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات الموجودة بالفعل”.
لا يوجد توافق
اقترح ظريف إجراء محادثات حول بنية أمنية مشتركة في الشرق الأوسط، وكذلك اتخاذ تدابير من شأنها بناء جداراً من الثقة بين إيران والسعودية في الخليج العربي.
وأضاف ظريف إن إيران لا تريد إثارة المشاكل في المنطقة، مؤكداً أن الأمن يجب أن يأتي من الداخل، وأشار كذلك إلى أن الولايات المتحدة لم تقدم الحماية اللازمة لدول الخليج، لافتاً أنه أبلغ المملكة العربية السعودية أنه من الخطأ الاعتقاد بأنها بشرائها أسلحة من الولايات المتحدة فإنها بذلك تشتري منها الأمن.
من ناحيته، رفض وزير الخارجية السعودي مبادرات ومقترحات نظيره الإيراني، جواد ظريف، حيث قال إن بلاده كانت دائمًا منفتحة للحوار الحقيقي، لكن يجب أن يكون هناك إجماع حول سبب عدم الاستقرار في المنطقة قبل إجراء المناقشات، مشيراً ان إيران هي السبب في هذا، وهو الرأي الذي تتبناه الولايات المتحدة أيضاً.
هذا الرأي ترفضه إيران تماماً، حيث علق فايز -من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، على ذلك قائلاً “التحليل الذي يضع كل اللوم على كل شيء في المنطقة على حزب واحد أو طرف واحد هو تحليل غير متوازن، لا يحقق شيئاً سوى زيادة التوتر”.
السناتور ميرفي، وهو ديمقراطي من كونيتيكت، اتفقت وجهة نظره مع وجهة نظر فايز، وقال إن اتخاذ الولايات المتحدة الجانب السعودي ضد الإيراني وعدم الوقوف على الحياد كان خطأ كبيراً، وأن التراجع عن هذه الرؤية كان في مصلحة الولايات المتحدة.
ماذا عن الحوار؟
تواصل الولايات المتحدة اتباع سياسة “الضغط الأقصى” ضد إيران بذات القوة التي تمارسها بها حلفائها العرب، لكن في ظل هذه الظروف، لا يمكن أن يكون هناك حوار جاد بين إيران وجيرانها العرب في الخليج، وهو ما علق عليه فايز قائلاً “كلما كانت إيران أكثر عزلة، مع تزايد تهديدها بالعقوبات، كلما زاد خطر إمكانية ردها على تلك الضغوطات، وعليه فإن خطر نشوب صراع غير مقصود سيكون في ازدياد أيضاً”.
قامت كل من تركيا وقطر وعمان، والتي لديها مصلحة قوية في انهاء هذه السياسة، بمحاولات متعددة للوساطة بين أطراف النزاع في المؤتمر، ومع ذلك، لا يملك أي من تلك الدول القوة لإثناء الولايات المتحدة عن مواصلة سياستها لفرض عقوبات صارمة.
ختاماً، هناك بصيص أمل بسيط على الرغم من الجمود العام، في مكان ما في قاعات وممرات بايريشر هوف، على الأقل قد يصل بعض ممثلي الوفدين الإيراني والأمريكي إلى التحدث مع بعضهم البعض بعبارات أقل عدوانية، وهذا، على الأقل، هو ما يأمله رئيس المؤتمر فولفغانغ إيشينجر، لأنه وقبل كل شيء “هذا هو ما يهدف إليه المؤتمر في الأساس”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا