العدسة – إبراهيم سمعان

سلط الكاتب “ديفيد هيرست” الضوء على ترشح سامي عنان، رئيس أركان الجيش المصري السابق، نفسه لانتخابات الرئاسية، وتناول الكاتب تداعيات مصير هذا الترشح في ظل الدور الذي قال “هيرست” إن الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي يلعبه لخدمة السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة.
وخلص الكاتب خلال مقاله بموقع “ميدل إيست” إلى أن الطريقة الوحيدة لمصر للتعافي من دوامة الموت التي تمر بها حاليا، هو استعادة قيادتها وسيادتها.

وإلى نص التقرير

يمكنك أن تتخيل المكالمات الهاتفية، بعدما برز منافس ثالث من العيار الثقيل في الانتخابات المصرية للرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو رئيس هيئة الأركان السابق سامي عنان، والذي أعلن ترشحه للانتخابات.
فالمخابرات العسكرية الموالية للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، تعمل ساعات إضافية، لتلقين الدُّمى (الإعلاميين) التي تسيطر عليها بوسائل الإعلام.
المخابرات: “لقد جعلنا هذا بسيطا حتي تتمكن من الفهم”.
الاعلامي: “نعم سيدي”.
المخابرات:”عنان. السن . الزهايمر، فهمت.. عنان يكرر الكلام لأنه ينسى ما يقوله.. الرئيس يتحدث بطلاقة.. عنان يجلس على كرسي متحرك.. الرئيس يركب حصانًا أبيض مثل القذافي، لا أنسى القذافي مثل بوتين”.
المخابرات: “تذكر بوتين عاري الصدر على حصان، الشباب مقابل الشيخوخة.. هل فهمت؟”.
الإعلامي: “نعم سيدي”.

رجل ميت يمشي

عنان هو المنافس الثالث الذي حددته في مقال سابق، منذ أكثر من عام، عندما كتبت “السيسي رجل ميت يمشي على الارض”، وقارنته بالنبي سليمان عليه السلام، الذي مات ولم يلاحظ أحد في البداية أنه قد فارق الحياة؛ لأنه مات واقفًا متكئًا على عصاه.
كانت المخلوقات الوحيدة التي علمت بموت سليمان هي “الأَرَضَة” التي ذهبت تأكل منسأته.
ومنذ ذلك الحين، والأَرَضَة تأكل سلطة السيسي، وأصبحت على وشك الوصول إلى كرسي العرش .
أحمد شفيق، رئيس الوزراء المصري السابق، الذي أعلن عدوله عن الترشح للانتخابات القادمة، بعد أن علم أنه ستلطخ سمعته بأشرطة جنسية، واتهامات بالفساد له ولابنته.
فى المنفي الاختياري في الإمارات، جمع “شفيق” قائمة طويلة من الداعمين المحتملين، في مقدمتهم الدولة العميقة: جنرالات من المجلس الأعلي للقوات المسلحة، و”شرا..ط” المخابرات العامة، كما وصفهم النقيب أشرف الخولي، خلال تسريب توجيهاته للإعلامي عزمي مجاهد، عن الاتجاه الذي سوف يأخذه في تناوله الإعلامي.
كما أن الدعم الذي حظي به “شفيق” من قبل النخبة الحاكمة التي كانت تلتف حول عائلة الرئيس السابق حسني مبارك، لم يكن مفاجئا، حيث يرجع الفضل في مسيرة “شفيق” المهنية لمبارك.
لكن الزيارات التي قدمت لـ”شفيق” من سلمان الأنصاري- مؤسس ورئيس لجنة شؤون العلاقات “السعودية – الأمريكية”، ومقرها واشنطن، والذراع اليمنى لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وممثل الكنيسة القبطية- كانت مثيرة للاهتمام .
كما داعب “شفيق” كلا من المعارضة الإسلامية والعلمانية، ومعسكري جماعة الإخوان المسلمين، الجناح الإصلاحي والحرس القديم، اللذين توقفا عن الحديث لبعضهما، لكنهما تحدثا مع “شفيق” بكل سهولة.
وواجه السيسي تهديدا آخر من الداخل، وهو صهره الجنرال محمود حجازي، رئيس أركان القوات المسلحة، الذي تمت الإطاحة به عندما خرج بطائرته من واشنطن، بعدما يبدو أنه قدم نفسه كرئيس منتظر.
ولم يتضح إذا ما كان “حجازي” يتحدث عن الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، أو إذا ما كان يعتزم اتخاذ طريق يكون أكثر مباشرة.

فشل الاقتصاد

عنان، وشفيق، وحجازي كلهم من المطلعين على دواخل الأمور، ولن يذرف أحدهم الدموع على الرئيس السابق محمد مرسي، ولا عن وجود 50 ألف سجين سياسي، فهذه القضايا لا تعنيهم كثيرا، فحكم السيسي السيئ (الفوضوي) من وجهة نظرهم، يهدد شيئا أكبر من الحركة السياسية، وهو يعرض الدولة نفسها للمخاطر، ويجعل الأمور تزداد سوءا.
فسوء الإدارة الاقتصادية يحتل قائمة الشكاوى، على الأقل فيما يتعلق بمؤيديه السعوديين والإماراتيين.
ووفقا لأرقام البنك المركزي، فقد ساهمت السعودية والإمارات والكويت بـ12 مليار دولار، في شكل مساعدات؛منها 6.2 مليارا في شكل استثمارات مباشرة لمصر، منذ عام 2013، من المتوقع أن تكون الأرقام الحقيقة أكبر من الرقم السابق.
وأفشى تلك الحقيقة دون قصد، حاكم دبي ورئيس وزراء الإمارات، محمد بن راشد، عندما قال: إن الإمارات وحدها، أعطت مصر 14 مليار دولار خلال عامين، ويتوافق ذلك مع أرقام أخري تم معرفتها عبر سلسلمة من المحادثات المسربة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وومدير مكتبه أثناء توليه وزارة الدفاع، اللواء عباس كامل، حيث يبلغ ما تم تقديمه 50 مليار دولار، على هيئة إعانات ومساعدات.
وبعد شهر واحد من نشر التسريبات، في فبراير 2015، تعهدت دول الخليج بتقديم مساعدات أخرى بقيمة 15.2 مليار دولار، ولو أضفت ذلك إلى مبلغ 6 مليارات دولار، الذي تلقته مصر من قرض صندوق النقد الدولي الذي مدته 3 سنوات، فإنه يرتفع الإجمالي إلى 70 مليار دولار في خمس سنوات، وفي التسريبات نفسها سخر السيسي من المتبرعين الخليجيين قائلا: “عندهم فلوس زي الرز”.
وأدى قرار السيسي بتعويم الجنية المصري، في نوفمبر من العام الماضي، وهو القرار الذي أملاه صندوق النقد الدولي على القاهرة، إلى وصول الاحتياطيات الأجنبية من 19 مليار دولار إلى 36.7 مليار دولار، بنهاية أكتوبر، لكن الثمن لذلك كان تجاوز التخضم نسبة 30 %.
ونقلت صحيفة “فايننشيال تايمز” عن رجل الأعمال المصري إبراهيم سودان (صانع الجبن) قوله: ” لقد قمنا بزيادة الأسعار في المتوسط بنسبة 15%، لأن القوة الشرائية للمستهلكين لا يمكن أن تتحمل أكثر من ذلك، في حين كان ينبغي أن تكون الزياة حوالي 30%.
قناة السويس الجديدة التي افتتحت قبل عامين بتكلفة 8 مليارات دولار، تكافح للحفاظ على الإيرادات السنوية، ولا مجال هنا لمضاعفتها، وهو الوعد الذي قدم في ذلك الوقت.

عدم الاستقرار

واضطر السيسي لاستخدام مزيد من القوة لإبقاء شعبه تحت السيطرة، في الوقت الذي جذبت فيه إيران إدانة دولية لقمع المظاهرات التي خرجت ضد النظام خلال الفترة الماضية، قتل النظام في مصر العديد من المعارضين، دون أن يهمس أحد بالاحتجاج، وكانت أكبر عملية قتل جماعي في ذاكرة مصر الحديثة.
وبينما يستخدم السيسي المزيد من القوة يتعرض الجيش والشرطة لهجومات مستمرة، وقد سجل مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية (شبه رسمي) 1.165 هجوما بين عامي 2014 و2016، والتي يمكن ترجمتها إلى عملية واحدة يوميا خلال 3 سنوات.
وكتب عمر عاشور، مدير برنامج الدراسات العليا في سياسة الشرق الأوسط في جامعة إكستر البريطانية: إن معدل الفتك (الإماتة) في الهجمات -على الأرجح- أسوأ قليلا من البيانات المسجلة، وفى ظل النظام الحالي، ارتكب أسوأ هجومين في تاريخ مصر الحديث، وهو إسقاط الطائرة الروسية (224 ضحية) وهجوم مسجد الروضة (305 ضحية على الأقل)، والأخير هو أسوأ بخمس من أسوء هجوم وقع في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وأوقع 57 ضحية في مجزة الأقصر عام 1997، و19 مرة لأسوء هجوم حدث خلال مدة الرئيس مرسي 16 قتيلا، هجوم رفح قبالة معبر كارم أبو سالم 2012.
إقلميا، وعلى الرغم من خمس سنوات من التدخل العسكري السري والعلني، لم تتمكن مصر من تأمين ليبيا باستخدام الجنرال خليفة حفتر، وتتصاعد العداوة الدبلوماسية مع “السودان” الجارة الجنوبية بسبب الخلاف الحدودي والمياة، وفى الشرق فإن الهجمات المسلحة أقوى من أي وقت مضى.
كل ذلك يمكن أن يجعل ترشيح “شفيق” أو “عنان” جذابا لمؤيدي مصر في الخليج، وسيبقون سيطرتهم على الرئاسة، وسيبقي الجيش تحت سيطرة مصر .
بجانب أنه سيكون هناك مسار سياسي يأخذ خطوة إلى الأمام، إذا تم البدء في الإفراج عن المحتجزين السياسيين، والكثير من الموهوبين المنفيين في الخارج يمكن أن يبدؤا في العودة، فاستبدال السيسي لن يكون ثوريا، فالعديد من الوجهات ستكون بالعودة خطوة للوراء إلى أيام “مبارك”.
ولكن إذا كانت هناك علامة على تدهور الأمور تحت حكم السيسي، حتى ولو كانت بالعودة إلى الاستبدادي البراجماتي لمبارك، فإن الخطوة سوف تبدو وكأنها تَقَدُّمٌ، فلماذا لم يحدث هذا بعد؟.

تليين الرأي العام العربي

السيسي المستبد، لا يزال يلعب دورا لإسرائيل وأمريكا والسعودية، لا يمكن لشفيق أو عنان أو أي بديل له من الجيش – ربما لا يكون قريبا من الرأي العام المصري- أن يؤديه، وذلك لتخفيف رأي الشارع العربي لصالح تسليم القدس الشرقية إلى إسرائيل.
وإذا كانت هذه السياسة تواجه عقبة رئيسية، فإن هذه العقبة ليست موجودة في نخب الدول العربية الحديثة بل موجودة في الشارع العربي .
وهذا الأمر كان جوهر تعليمات وتوجيهات بين جهة أمنية ومقدم برنامج تليفزيوني، سربت تفاصيلها صحيفة “نيويورك تايمز”، وهو أيضا موضوع ومحل تناول من أصوات تظهر على الشاشات، مثل يوسف زيدان، الروائي والباحث المصري .
ويقول “زيدان”: إن “المسجد الموجود في مدينة القدس، ليس هو المسجد الأقصى، وأن القدس ليس مكانًا مقدسًا”.
وأعربت السفارة الإسرائيلية في القاهرة عن شكرها لـ”زيدان” على تصريحاته، لكن ما قاله “زيدان” وبث على شاشات تليفزيون مصري لم يكن من قبيل الصدفة، فـ”زيدان” مثل غيره، يقوم بالتكلم بما يمليه عليه أسياده.
إذن، لن ينفع أي من هذا، والسبيل الوحيد لاستعادة مصر من دوامة الموت التي تعيشها حاليا، هو استعادة قيادتها وسيادتها واقتصادها وبرلمانها، وفى نهاية المطاف “ديمقراطيتها”. فالمسار الحالي إلى ضغف نهائي، وفى نهاية المطاف تفكك للدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم.
وقال السيسي ذات مرة: ” إحنا مش في دولة حقيقة.. دي أشباه دولة”. وهذا يمكن أن يكون نبوءة أخرى محققة لذاتها.