العدسة – معتز أشرف:

تصريحات دولية جديدة برزت محمَّلة بعبارات النقد الحاد في الفترة الأخيرة ضد النظام المصري، خاصة منذ الدورة السابعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وصولًا إلى اتصال مايكل بنس، نائب الرئيس الأمريكي عقب اعتقالات في صفوف الليبراليين واليساريين في مصر، ثم بيان الاتحاد الأوروبي.

البعض يتحدث عن أنها لحفظ ماء الوجه، والبعض يتحدث عن أنها بداية ضغوط، فيما يراها السيسي تدخلًا سافرًا في شئونه، نرصد الضربات المتتالية ونستشرف مآلات الأمور في ظل الأوضاع الراهنة.

إحراج جنيف

مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة وجَّه ضربات متتالية لنظام عبد الفتاح السيسي تضمنت  8 بلاغات أممية عن حالة المعنيين بالدفاع عن حقوق الإنسان، و11 نداءً عاجلًا من مقرري الخواص و3 بيانات من خبراء الأمم المتحدة، وتصدر انتهاكات المناقشة العامة للمجلس في هذه الدورة وخطاب المفوض السامي لمجلس حقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين.

وكانت مصر في صدراه خطاب المفوض السامي لحقوق الإنسان في 9 مارس 2018 عندما ألقى المفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن رعد بن الحسين، خطاب شامل أمام الدورة السابعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان أعرب فيه عن قلقه “إزاء مناخ الترهيب المنتشر في مصر وإسكات الإعلام المستقل، وحجب أكثر من 400 موقع إعلامي وموقع للمنظمات غير الحكومية، والاستهداف المستمر للمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين ونشطاء المجتمع المدني وأنصار جماعة الإخوان المسلمين، فضلًا عن أنباء التعذيب في المعتقلات.

وتضمن التقرير السنوي للمقرر الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان الصادر في 5 مارس 2018 وضع مصر في المرتبة الثانية من الانتهاكات بعدد  8 بلاغات بشأن ما حدث ضد المدافعين عن حقوق الإنسان ومنهم:  عزة سليمان، وجمال عيد والدكتور أحمد عماشة والدكتورة حنان بدرالدين عبد الحافظ عثمان، وإبراهيم عبد المنعم متولي حجازي..

وفي 27 فبراير  2018 تصدرت مصر والسعودية والبحرين الترتيب في عدد النداءات العاجلة التي أصدرها مقررو الخواص بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في الفترة الزمنية: من نهاية يونيو 2017 إلى نهاية ديسمبر 2017، وجاءت مصر في المرتبة الأولى بعدد 11 نداء عاجلًا، ومن أبرز النداءات التي وجَّهها  المقررين الخواص بالأمم المتحدة نداءً عاجلًا بشأن الانتهاكات الواسعة التي تعرضت علا يوسف القرضاوي وزوجها حسام الدين خلف، كما أصدر فريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي في  جنيف 6 فبراير 2018 بيانًا أكّد فيه أن مصر لا تحترم قواعد المحاكمات العادلة.. وأنَّ احتجاز الصحفي بالجزيرة محمود حسين دليل واضح علي ذلك، وقال: إن هناك حملة حكومية واسعة ضد وسائل الاعلام المستقلة والمدونين والصحفيين وأصحاب الرأي المعارض..

كما تحدث المتحدث باسم المفوض السامي لحقوق الإنسان في جنيف 5 يناير 2018 علي أنه “لا ينبغي أن تستخدم عقوبات الإعدام كوسيلة لمكافحة الإرهاب، وفي 14 مارس أصدر خبراء الأمم المتحدة بيانًا يدين ملاحقة الصحفيين ويطالبون بإطلاق سراح المصور محمود شوكان.

صفعات “الأوروبي”

الاتحاد الأوروبي سدَّد صفعات متتالية للنظام المصري كذلك منذ مطلع العام حتي تاريخه، أبرزها  حينما أعرب الاتحاد الأوروبي في بيان الأربعاء، عن قلقه من الاعتقالات الأخيرة التي طالت نشطاء سياسيين وحقوقيين في مصر،  مشيرًا إلى أن «ازدياد وتيرة اعتقال النشطاء السياسيين والمدونين والحقوقيين (في مصر) خلال الأسابيع الأخيرة هو تطور مثير للقلق»، مؤكدًا أنه «يمكن تحقيق الاستقرار الدائم والأمان عبر الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما يتفق مع الدستور المصري والالتزامات الدولية».

وفي نفس السياق كان البرلمان الأوروبي طالب السلطات المصرية في فبراير الماضي بوقف عمليات الإعدام في البلاد بحق متهمين، موجهًا إدانة حازمة للقاهرة بسبب إصدارها أحكام بتطبيق الإعدامات، وقال البرلمان الأوروبي، في قرار وصف بأنّه شديد اللهجة إنّ هناك ما لا يقل عن 2116 شخصًا حكم بالإعدام منذ يناير من العام 2014، فيما تمّ تنفيذ 81 حكمًا منها، مشيرًا إلى أنّ هذا النوع من العقوبة لم يتم استخدامه في فترة رئاستي محمد مرسي وعدلي منصور، داعيًا السلطات إلى ضمان الأمن النفسي والجسدي لجميع المعتقلين والإنهاء الفوري لاستخدام “التعذيب”، مشددًا علي أن مصر تشهد تراجعًا حادًا في حقوق الإنسان، وفي مارس الماضي، صدر بيان الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الأوروبية تحت البند الرابع لجدول أعمال مجلس حقوق الإنسان يتهم مصر بالتوسع في عمليات الإخفاء القسري، والاحتجاز التعسفي والتوسع في الإعدامات وملاحقة نشطاء حقوق الإنسان.

اتصال “بنس”

البيت الأبيض في إحراج جديد للنظام المصري أصدر بيانًا قال فيه: إن نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، عبّر فيه قلق واشنطن حيال استمرار توقيف النشطاء السلميين في مصر بالتزامن مع الإفراج عن أكثر من 300 سجين من بينهم المواطن الأمريكي أحمد عطيوي، فيما تجاهل المتحدث الرئاسي المصري الإشارة لذلك القلق، موضحًا في بيان الرئاسة المصرية أن الاتصال كان للتأكيد على «الشراكة الاستراتيجية» بين البلدين.

يتوزاى هذا الاتجاه رغم العلاقات الجيدة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي مع قرار واشنطن في أواخر عام 2017 بحرمان مصر من مساعدات قيمتها 95.7 مليون دولار وتأجيل صرف 195 مليون دولار أخرى عقب مناقشات ساخنة في الكونجرس الأمريكي طالبت بضرورة إعادة تقييم المساعدات إلى مصر لتخدم مصالح الولايات المتحدة والشعب المصري، لا الجيش فحسب، وذلك بأن تكون مشروطة بوقف القتل خارج إطار القانون، والتعذيب، والاختفاء القسري، والانتهاكات الخطيرة الأخرى لحقوق الإنسان.

وفي فبراير 2018 قالت هيثر نورت، الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية آنذاك، في مؤتمر صحفي عن الملف الحقوقي بمصر: إن وزير الخارجية (آنذاك) ريكس تيلرسون خلال لقاءاته بنظيره المصري (سامح شكري) وبالرئيس السيسي تطرق إلى ملف حقوق الإنسان وقضايا الاعتقالات، وقانون الجمعيات الأهلية (أصدرته مصر قبل عام) الذي نشعر نحوه بقلق شديد، وفي يناير 2018 أبرزت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية تفاصيل اللقاء الذي جمع بين السيسي وبنس بالقاهرة آنذاك، والذي تحدث فيه الأخير عن “ملف حقوق الإنسان والأمريكيين المُعتقلين في مصر، وتحديدًا: أحمد عطيوي ومصطفى قاسم (دون تفاصيل أكثر)”.

توازنات ومصالح!

الأفق الحالي لمستقبل الضغوط غير واضح بشكل كبير، إلا أنَّ مراقبين كثيرين يتحدثون عن استمرار التوازن الدقيق بين مصالح الاتحاد الأوروبي والويلايات المتحدة الأمريكية وترضية الأطراف الغاضبة من انتهاكات حقوق الإنسان، وبحسب مراقبين متخصصين في الشأن الأمريكي فإنّ الضغوط الأمريكية على مصر تأتي في سياق ترضية بعض الأصوات بمجلس الشيوخ ممن يهتمون بقضايا الحرية والديمقراطية، وهي عودة لنمط تقليدي في العلاقات بين القاهرة وواشنطن سواء كان من يحكم البيت الأبيض جمهوريًا أو ديمقراطيًا، ويتمثل في الضغط على مصر بشأن ملف حقوق الإنسان والحريات بهدف الحصول على تنازلات من النظام المصري في قضايا إقليمية هامة كفلسطين خاصة، والمنطقة مقبلة على إعلان أمريكي لتفاصيل صفقة القرن المعنية بتقديم حل للقضية الفلسطينية”.

وفي دراسةٍ شاملة جديدة أجريت للبرلمان الأوروبي بعنوان “مصر مستقرة من أجل منطقة مستقرة: التحدِّيات والآفاق الاجتماعية والاقتصادية”، أكدت أن أوروبا تهتم بتعزيز الأمن والاستقرار في مصر التي تواجه العديد من التحدّيات الاجتماعية والاقتصادية، ناهيك عن الإرهاب في سيناء، والتي تتجلّى جميعها للعيان في سياق سلطوي متفاقِم.

وأبرزت الدراسة القمع السياسي، والاعتقالات الأخيرة التي طالت عددًا من المرشَّحين الرئاسيين والشخصيات المعارِضة، مؤكدة أنَّ السياسة المصرية قد شهدت عودة للسلطوية، الأمر الذي وصفته مجلة ذي إيكونومست بأنَّه “أسوأ من نظام مبارك”، إلا أنها وصفت العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي بأنها تشهد مرحلة “التوازن الدقيق”.

في المقابل هناك رأي يستند إلى معلومات قد تبدو مهمة في هذا الإطار، حيث كشف د.ابراهيم منير نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين كشف في أبريل الماضي أن “نظام السيسي يتعرض لضغوط داخلية وخارجية لن يقوى كثيرًا على تحملها خلال الفترة المقبلة”.