نشرت صحيفة الديلي بيست الأمريكية تقريراً مطولاً عن علاقة محمد بن سلمان بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكيف استغل بن سلمان تلك العلاقة ليحصل على كامل الدعم من الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب نفسه، الذي تحول بشكل أو بآخر إلى دمية في يد ولي العهد السعودي، تحديداً منذ زيارة ترامب الأولى للسعودية، وهي زيارة ترامب الأولى خارجياً أيضاً، والتي كان المفترض أن تظهره وكأنه زعيم مستقل أعاد كتابة كتاب قواعد الدبلوماسية الأمريكية، إلا أنه انتهى به المطاف وأصبح وكأنه “كلب” السعودية الوفي.
تمت الزيارة بعد مرور أربعة أشهر فقط من ولايته، أي في مايو/أيار 2017، حين وجد ترامب نفسه جالساً بشكل محرج في مجلس الرياض، وهو غرفة الاجتماعات التقليدية المزينة بالذهب والمخمل حيث تعقد ملوك الخليج العربي جلساتهم واجتماعاتهم، يحيط به 40 من قادة الدول العربية والإسلامية، من أفغانستان إلى اليمن، والذين لم يتعرف على الكثير منهم، حيث تعرف فقط على الرئيسين التركي والمصري، فيما وجد صعوبة كبيرة في التعرف على البقية وبالأخص رئيس أفغانستان، فقذ سأل عن هويته وتبين أنه أشرف غني، وهو السؤال الذي أزعج مساعدي البيض الأبيض حيث أن الرجل مدعوم من الولايات المتحدة.
ونقلاً لبعض أجواء الزيارة، قالت الصحيفة “جاء الخدم لملء أكواب البورسلين الخاصة بمعظم الحاضرين بالقهوة التقليدية برائحة الهيل، على الرغم من أن السيد ترامب حصل على مشروبه المفضل، دايت كوك، الذي سُكب له من إبريق شاي عربي.”
عادةً ما تهدف الزيارة الخارجية الأولى لرئيس الولايات المتحدة إلى إعادة تأكيد العلاقات الوثيقة مع حليف قديم، ذهب باراك أوباما وبيل كلينتون إلى كندا، فيما سافر جورج دبليو بوش إلى المكسيك، أما ترامب ومستشاره ستيف بانون وصهره غاريد كوشنر فقد أرادوا أن تكون زيارة الرئيس الجديد الأولى تظهر مدى اختلاف إدارة البيت الأبيض عن سابقيها، خاصة مع تدهور العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة في عهد أوباما، الذي انتقد سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان وأبرم اتفاقًا نوويًا مع إيران دون موافقة المملكة أو جارتها -الأصغر مساحة- الإمارات العربية المتحدة.
في ظل إدارة ترامب، تغيرت الأمور بشكل مفاجئ: عكست الولايات المتحدة مسارها تجاه إيران وتعهدت بالقضاء على التطرف الإسلامي دون هوادة بمساعدة حلفاء من الشرق الأوسط، وأعادت السعودية إلى الملعب من جديد، كما راهن مستشارو ترامب على أنه يمكنهم الحصول على دعم إقليمي لإبرام اتفاق سلام في إسرائيل.
مع مرور الوقت، تبين للخبراء والمحللين أن المنتصر الحقيقي في رحلة ترامب، لم يكن ترامب نفسه، بل كان محمد بن سلمان، نجل الملك، الشاب البالغ من العمر 31 عامًا، صاحب رؤية تحويل المملكة النائمة إلى مملكة شديدة الحيوية بصورة لم نشهدها منذ جيل.
مخططو البيت الأبيض لم يفهموا مسبقا مغزى الاجتماع مع قادة الدول ذات الغالبية المسلمة، بل ونصح البعض بعدم القيام بذلك، إلا أن كوشنر برر الزيارة للفريق قائلاً: “السعوديون يريدون القيام بذلك”، أي أن الزيارة كانت بطلب شخصي من بن سلمان، الذي ركز في الاجتماع على التأكيد على عودة المملكة حليفاً قوياً للولايات المتحدة من جديد.
بعد شهور فقط من العمل، اكتشف الأمير الجديد ما يجب فعله بالضبط لجذب انتباه السيد ترامب: الصفقات الكبيرة، والثناء الجريء، ومعاملته كـ “ملك زائر” في كافة الزيارات والاجتماعات، في إشارة لحفاوة الاستقبال والترحيب والهدايا وغيرها من المظاهر الاحتفالية.
وبينت “الديلي بيست” أن بن سلمان بدأ في الحصول على مكاسبه مبكراً، فبعد الزيارة بوقت قليل تم عقد العديد من صفقات الأسلحة بين البلدين، وهي الصفقات التي جعلت ابن سلمان يتصدر عناوين الصحف بأنه أمير سعودي استبدادي يطمح إلى السيطرة على بلاده بصورة كلية.
ولفتت الصحيفة إلى القصة الحقيقية وراء زيارة ترامب للسعودية، والتي بدأت بعد فوز السيد ترامب في الانتخابات الأمريكية، حيث أوضحت أن الفضل في ذلك يعود لمحمد بن زايد، الذي قام بزيارة إلى الولايات المتحدة والتقى بكبار المسؤولين في إدارة ترامب وعلى رأسهم ستيف بانون، المصرفي السابق والمدير التنفيذي لوسائل الإعلام اليمينية، وغاريد كوشنر، رجل الأعمال وصهر ترامب، ومايكل فلين، وهو جنرال أمريكي متقاعد، وقام بإقناعهم بضرورة توطيد العلاقات مع محمد بن سلمان ولقائه، باعتباره “مفتاح خطط الولايات المتحدة في المنطقة”.
أوضح التقرير أن علاقة بن زايد لم تكن قوية بابن سلمان من قبل، إلا أنها تعمقت مع إدراك محمد بن زايد وحاشيته أن وجود قائد في السعودية متشابه في التفكير هو مكسب كبير ومفتاح لتشكيل مستقبل المنطقة، خاصة وأن السعودية أكبر اقتصاداً ونفوذاً.
ويعود سر اهتمام ابن زايد بابن سلمان بالأفكار والرؤى التي صرح بن سلمان في أكثر من مرة أنه يتبناها لتغيير المملكة، أكد مراراً أنه “مستعد لتغيير أي شيء تقريبًا واتخاذ إجراءات حاسمة” كما تشارك مع الإمارات في نفورها من الأئمة الدينيين الأقوياء أصحاب التأثير على المجتمع، وعليه عقد بن زايد العزم على مساعدة الأمير الشاب في توطيد علاقاته بالحلفاء الدوليين، لما في ذلك من خدمة لأجندة بن زايد.
الزيارة الأولى لترامب واجهت انتقادات عدة من بعض كبار المسؤولين في البيت الأبيض، الذين رأوا أنهم لديهم أولويات أكبر في السياسة الخارجية وحلفاء أكثر موثوقية يحتاجون إلى مقابلته، كما حذروا من خطر الظهور بمظهر المحاباة للأمير محمد في وقت حساس بالنسبة للسعودية، حيث كان الأمير محمد بن نايف، هو ولي العهد في ذلك الوقت، وقد تثير هذه الزيارة العديد من المشكلات معه خاصة وأنه أكثر الشخصيات السعودية الموثوقة في الولايات المتحدة منذ سنوات.
وأضاف تيلرسون أنه لا يثق في سياسات بن سلمان خاصة مع تقويض صلاحيات محمد بن نايف، كما لا يثق في وعوده الإصلاحية بشأن المرأة ومحاربة التطرف، مؤكداً أنها لا يمكن الاعتماد عليها وحدها، وبحسب الصحيفة، طلب تيلرسون من كوشنر تأجيل الاجتماع حتى 2018 مشيراً أن “السعوديين سيخذلونك”، وهي التوصيات التي لم تلق إعجاباً لدى “بانون” الذي وصفه هو والمسؤولين الذين تبنوا وجهة النظر نفسها بأنها من “الدولة العميقة” الذين يفضلون مصالحهم الشخصية على مصلحة الولايات المتحدة، وأنهم لا يمكن الوثوق بهم لدعم نوع النظام الجديد الذي تصوره مستشاري ترامب.
على الرغم من التحذيرات والتوصيات بعدم اتخاذ مثل هذه الخطوة والسفر للسعودية في أول زيارة رسمية، تم ترتيب مكالمة هاتفية بين ترامب والملك سلمان، اتفقا خلالها على موعد لزيارة ترامب، وتحدثا عن توطيد العلاقات بين البلدين، ووفقاً للصحيفة قام الملك سلمان بإخبار ترامب بأنه أوكل إلى نجله “محمد” مهمة الإشراف على الأمور من الجانب السعودي، مضيفاً “إن رأيته لا يقوم بالمطلوب بإمكانك طرده”.
وبالفعل بدأت التحضيرات للزيارة، ووفقاً للصحيفة فإن هذه التحضيرات كانت فرصة جيدة لابن سلمان في اثبات نفسه للبيت الأبيض، حيث توطدت العلاقة بينه وبين كوشنر الذي أعجب به كثيراً وبدأ في منحه ثقته، وطلب منه إرسال قائمة بالترتيبات السعودية للرحلة، ورد بن سلمان بإرسال مسؤول أمني مخضرم اسمه مساعد العيبان إلى واشنطن لعدة أسابيع لمناقشة الأمر.
بمجرد إبرام الصفقات، عاد العيبان إلى الرياض وبدأ فريق بن سلمان في التخطيط لسلسلة من الاحتفالات العامة الفخمة بينما ركز السيد كوشنر على الأعمال “التقليدية” اليومية الأخرى التي تميز البيت الأبيض في عهد ترامب.
في فبراير/شباط، قبل أشهر قليلة من الرحلة، انضم ستيف أتكيس -مرشح سابق للرئاسة- إلى فريق الترتيبات الأمريكية للرحلة كونه ساعد في الرحلات الرئاسية السابقة إلى المملكة، حيث لم يكن أحد في إدارة ترامب على دراية جيدة بهذا الأمر.
من جانبهم، بدأ موظفو الأمير محمد العمل ليلًا ونهارًا لجعلها رحلة رائعة، حيث رتبوا ليس فقط لاستضافة رئيس الولايات المتحدة ولكن لاستضافة معظم زعماء الدول الإسلامية، بالإضافة إلى مجموعة من كبار المديرين التنفيذيين الأمريكيين.
المفارقة، أن بن سلمان فعل الكثير لإظهار أن ترامب كان المقاتل الأبرز ضد الإرهاب مع الحكومة السعودية، متجاهلاً دور محمد بن نايف، حيث أحضر بن سلمان مهندسين وطاقم بناء لتحويل ردهة فندق رويال كورت البالية إلى “غرفة حرب” على غرار غرف الحرب في مسلسل “باتلستار غالاكتيكا”، وكما أصبح واضحًا لاحقًا، مع تجهيز المكان لاستقبال وسائل الإعلام المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك، وفي محاولة منه للتأكيد لترامب أن المملكة تحب الولايات المتحدة، طلب بن سلمان من الموظفين الترتيب لتواجد فنانين مثل Harlem Globetrotters في الرياض عند وصول ترامب. كان السفر مع المشاهير من بلد الزعيم الزائر إستراتيجية غير تقليدية، لكن بن سلمان كان حريصاً على جذب انتباه ترامب وإشعاره أنه في بلده.
كما تم الاتفاق مع المغني “توبي كيث” للغناء أمام ترامب، وقد تقاضى مقابل ذلك عدة ملايين من الدولارات، إلا أنه أثناء التحضيرات بين الفريقين، أخبر أحد أعضاء فريق الأمن التابع لترامب “أتيكس” بأن ترامب يكره “توبي كيث”، لذلك قام السعوديون بتدارك الأمر والاتفاق معه على الغناء في مكان آخر في الرياض.
لقد أنفق السعوديون الملايين على هذه الزيارة، سواء في التحضيرات أو الهدايا التي تم تقديمها لترامب، حيث تم إهدائه منحوتات مرصعة بالجواهر، وسيوف، وخناجر، وأغطية للرأس، ورداء مبطن بفراء النمر الأبيض، وعلى ما يبدو استطاع بن سلمان شراء ولاء ترامب بهذه الهدايا وهذا الاستقبال الرائع، حيث عاد ترامب ومساعدوه إلى الولايات المتحدة بعد تلك الرحلة مطالبين بانتصار السياسة الخارجية لإعادة العلاقات مع حلفاء الشرق الأوسط.
منذ ذلك اليوم، ومحمد بن سلمان يضرب بيد من حديد كل من يحاول الوقوف أمام رغبته في فرض سيطرته على البلاد، مطمئناً أنه حصل على الدعم الأمريكي بقيادة ترامب، الذي كان دائماً في ظهره مدافعاً عنه ومبرراً لسياساته “القمعية”، حيث قام ابن سلمان باعتقال عشرات الأمراء من أبناء عمومته، وكبار رجال الأعمال متهماً إياهم بالفساد، وأعاد ترتيب الحكومة، وأبعد محمد بن نايف عن منصبه ليصبح هو وريث العرش.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اقرأ أيضًا: ترامب يحرج بن سلمان ويؤكد أن السعودية ستبرم اتفاق تطبيع مع إسرائيل
اضف تعليقا