العدسة – منصور عطية
إلى وقت قريب كان كثيرون يرونه مجرد مغرد يتزلف إلى السلطة، ويرفعه آخرون إلى رتبةٍ أعلى، بوصفه أحد المسؤولين عن إدارة اللجان أو الكتائب الإلكترونية (الذباب الإلكتروني) المعنية بالترويج لسياسات حكام الإمارات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن الجميع لم يكن يتخيل أن الإماراتي “حمد المزروعي” يلعب دورا أكثر أهمية وخطورة، في سياق مخطط أبو ظبي لتوسيع نفوذها حتى إلى أبعد من نطاق الخليج والمنطقة العربية برمتها.
مسؤول جهاز المخابرات!
طبيعة هذا الدور كشفته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، في تقرير نشرته الاثنين الماضي، أظهر أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد اصطحب معه شخصين إلى اجتماع سري بجزر سيشل بالمحيط الهندي في يناير 2017.
وأوضحت الصحيفة أن الاجتماع ضم إلى جانب “بن زايد” كلا من “إريك برينس”، مؤسس شركة بلاك ووتر سيئة السمعة، وأحد أكبر ممولي حملة دونالد ترامب الانتخابية، والمصرفي الروسي كيريل ديمترييف المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين.
أما الشخصان اللذان رافقا ولي عهد أبو ظبي إلى الاجتماع السري فهما “حمد المزروعي”، الذي وصفته “ديلي ميل” بأنه مسؤول جهاز المخابرات الإماراتي، والقيادي الفلسطيني المفصول من حركة فتح “محمد دحلان” بصفته مستشارا لمحمد بن زايد.
ونقلت الصحيفة عن مصادر وصفتها بالمقربة من القيادة الإماراتية أن “المزروعي” هو أحد الضالعين الأساسيين في خطة الإمارات لممارسة نفوذ على دول غربية وجاراتها بالخليج.
وقالت إن “برينس” لم يأت قط على ذكر “المزروعي” و”دحلان” في شهادته أمام لجنة الاستخبارات التابعة للكونجرس الأمريكي.
كما حضر الاجتماع أيضا “جورج نادر”، وهو أمريكي من أصل لبناني وخبير بشؤون الشرق الأوسط تربطه علاقات مع إدارة ترامب، ويتعاون حاليا مع المحقق الخاص بالتدخل الروسي المزعوم في انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة “روبرت مولر”.
وأظهرت إحدى الرسائل المسربة التي حصلت عليها “بي بي سي” قبل أيام، تظهر أن رجل الأعمال اليهودي “إليوت برويدي”، التقى الرئيس الأمريكي في أكتوبر الماضي، وحثّه على إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون، عقب عودة برويدي من زيارة للإمارات.
وتكشف الرسائل المسربة، أن “برويدي” بعث تقريرا مفصلا لاجتماعه مع ترامب إلى “جورج نادر”، الذي يعمل مستشارا لولي عهد أبو ظبي.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية قد كشفت عن أن “نادر” أصبح محور تحقيقات “مولر”، بشأن دور محتمل للإماراتيين في محاولة شراء النفوذ والتأثير السياسي في البيت الأبيض.
وعليه فإن تلك المعادلة تكشف إلى حد بعيد طبيعة الدور الذي أصبح “المزروعي” يلعبه وسط صانعي القرار الإماراتي، وكيفية استخدامه كحلقة وصل في جهود لوبي أبوظبي، الساعية إلى توسيع نفوذها والتأثير على صانع القرار في أكبر وأقوى دولة في العالم.
جدل الشيخة موزة.. وبذاءات الأزمة الخليجية
لم يتوقف المغرد المؤثر، رغم قلة عدد متابعيه مقارنة بنجوم تويتر – ولعل هذا يفسر دوره في الترويج لسياسات أبو ظبي– عن إثارة الجدل في سياق الأزمة الخليجية، لكنه خرج في يناير الماضي عن المألوف.
“المزروعي” نشر تغريدة مسيئة مصحوبة بصورة للشيخة موزة والدة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، الأمر الذي أثار موجة رفض خليجية عارمة، اعتبرت التغريدة فُجرًا في الخصومة وانتهاكًا للأعراض.
وانتقد مغردون من أغلب دول الخليج موقف “المزروعي”، بينما رد الإماراتيون بتدشين هاشتاج #حمد_المزروعي_لا_يمثلنا، بينما دعم القطريون والدة أميرهم عبر هاشتاج #الشيخه_موزا_مصدر_فخرنا.
وأطلق مستشار الديوان الملكي السعودي، سعود القحطاني، عدة تغريدات حذر خلالها من التطاول على الشيخة موزة، قائلا: “قلتها وأكررها منذ بداية الأزمة، الأعراض خط أحمر”، وتابع: “ما علمنا عن الشيخة موزة، إلا أنها كريمة ابنة كرام، ومن تطاول عليها بالسوء، فهذا من سوء تربيته، وإن كان سعوديا فسيكون تحت طائلة النظام”.
لكن الحقيقة أن بذاءات “المزروعي” وتغريداته المسيئة بحق العائلة الحاكمة في قطر في خضم الأزمة الخليجية، مستمرة بشكل ممنهج وتبدو أكثر من أن تحصى.
توجه “المزروعي” اعتبره كثيرون إفلاسا من قبله في توجيه النقد الذي يستند إلى أدلة واقعية تبرر الاتهامات وتظلها بظل من الحقيقة، فيما ينسحب هذا الإفلاس ربما على “أولياء نعمته” من حكام أبو ظبي، العالمين أو الموجهين لكل شاردة وواردة يحتويها حسابه.
مهرجان “البذاءة للجميع”
وعلى الرغم من الرفض العارم إلا أنه يمكن تفهم الدافع وراء موجة البذاءات التي يطلقها “المزروعي” ضد قطر، لكن لا يمكن بحال وضع تدخلاته في شؤون السعودية الدولة الحليفة والشقيقة الكبرى لبلده في إطار سليم.
وُصف “المزروعي” بأنه المروج للتدخل الإماراتي في الشؤون الداخلية للسعودية إلى حد دفعه للعلم بالقرارات المستقبلية المتعلقة بشؤون الحكم في المملكة قبل أن تصدر بأشهر.
المثال الأقرب على ذلك، كان في نوفمبر الماضي، عندما أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أمرًا ملكيًّا بإعفاء الأمير متعب بن عبدالله من وزارة الحرس الوطني، لتكون المفاجأة بأن قرار إعفاء “متعب” تنبأ به “المزروعي” قبل 4 أشهر كاملة من صدوره بتغريدة كتب فيها: “وداعا يا متعب بن عبدالله”.
وفي واقعة أخرى أثارت جدلًا واسعًا غرد “المزروعي”، على حسابه على تويتر في 19 يونيو 2017، بقوله: “ملك السعودية القادم الشاب محمد بن سلمان”، وأمام الغضب السعودي حذف “المزروعي” التغريدة، وادعى أن حسابه تعرض للاختراق، وأن هناك من كتب التغريدة أثناء الاختراق.
لكن بعد يومين فقط، وفي 21 يونيو، أصدر الملك سلمان أمرًا ملكيًّا يقضي بتعيين نجله محمد بن سلمان وليا للعهد خلفا لمحمد بن نايف، ليقترب الشاب الثلاثيني من أن يجعل التغريدة المتنبئة حقيقة.
ودشن نشطاء سعوديون على تويتر وسم #حمد_المزروعي_يعين_محمد_بن_سلمان، وهو الوسم الذي عاد سعوديون ليصبوا جام غضبهم على ما اعتبروه تدخلا إماراتيا في شؤون بلادهم، وصلت حد العلم بالتعيينات التي تطال من يحكم بلادهم قبل أن يعلموا هم بذلك.
ووصل الأمر ببعض المغردين لاعتبار أن السعودية تدار من قبل ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، ووقتها بدأ تسليط الضوء على شخصية “المزروعي” الذي تداول نشطاء معلومات وصورًا قالوا إنها حقيقية له، حيث ذكر بعضهم أنه ضابط أمن إماراتي، فيما قال آخرون إنه صديق مقرب من “بن زايد”، بل إن البعض قال إن الحساب يدار مباشرة من ولي عهد أبوظبي، بحسب تقارير إعلامية.
توجه “المزروعي” نحو السعودية لم يتوقف عند التنبؤ بالقرارات الملكية، بل في إساءات واضحة لرموزها الدينية وعلمائها، الأمر الذي تسبب في غضبة سعودية على الزيارة التي استقبله خلالها أحد الإعلاميين السعوديين في الرياض.
وفي سبتمبر الماضي، شنّ “المزروعي” هجوما عنيفا على رئيس المراسم والتشريفات الأميرية الكويتية الشيخ خالد العبدالله الصباح، متهما إياه بالوقوف في صف قطر في الأزمة الخليجية، حيث تلعب بلاده دور الوسيط من أجل إنهائها.
وفور انتشار التغريدات، تقدم “الصباح” ببلاغ إلى النيابة العامة في الكويت ضد “المزروعي”، اتهمه فيه بالذم والقدح والإساءة، مستندًا إلى جملة من التغريدات التي نشرها المغرد الإماراتي، تتضمن إساءات لشخصه واتهامات لبعض المسؤولين الكويتيين بموالاة قطر.
اضف تعليقا