العدسة – منصور عطية

على نحو متسع بدأ ذكر اسم رجل الأعمال اليهودي “إليوت برويدي” أكبر ممولي حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتزايد، على خلفية لعبه دور ذراع دولة الإمارات في البيت الأبيض، بهدف التأثير على صانع القرار هناك.

وأصبح الرجل كلمة السر في كشف تفاصيل تمدد الأخطبوط الإماراتي واطلاعه على أدق تفاصيل مكتب الرئيس الأمريكي، وما تم كشفه من علاقة مشبوهة تجمعه بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.

الانتخابات وإقالة تيلرسون

أحدث فصول التطورات المتلاحقة كشفته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، التي قالت إنها حصلت على رسائل بريد إلكتروني مسربة تكشف جهودا إماراتية للإطاحة بوزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون من منصبه بسبب رفضه لحصار قطر.

إحدى الرسائل تظهر، بحسب التقرير، أن واحدًا من أبرز جامعي التبرعات لحملة “ترامب” الرئاسية وهو رجل الأعمال اليهودي “إليوت برويدي”، التقى الرئيس الأمريكي في أكتوبر الماضي وحثّه على إقالة تيلرسون، وقد جرى هذا اللقاء عقب عودة “برويدي” من زيارة للإمارات العربية المتحدة، وفي رسالة أخرى يصف “برويدي”، وزير الخارجية الأمريكي “بالضعيف” ويقول إنه يستحق “الصفع”.

وتكشف رسائل البريد الإلكتروني أن “برويدي” كان قد أعد مذكرة بشأن اجتماعه مع الرئيس “ترامب”، وأنه حثه على مواصلة الدعم الأمريكي للإمارات والسعودية ضد قطر، في النزاع بينهما منذ أزمة حصار قطر في يونيو الماضي.

وفي إحدى الرسائل يقول “برويدي” إنه عرض على الرئيس الأمريكي أن يأتي ولي عهد الإمارات محمد بن زايد إلى الولايات المتحدة للاجتماع مع ترمب قريبا، مشيرا إلى أنه يفضل أن يعقد الاجتماع بعيدا عن الأنظار في نيويورك أو نيوجيرسي، وهو ما وافق عليه ترمب واعتبره “فكرة جيدة”.

وتكشف الرسائل المسربة، أن “برويدي” بعث تقريرا مفصلا لاجتماعه مع “ترامب” إلى “جورج نادر”، وهو رجل أعمال أمريكي من أصل لبناني يعمل مستشارا لولي عهد أبو ظبي.

وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية كشفت هذا الأسبوع عن ارتباط “برويدي” بعقود بملايين الدولارات مع الإمارات.

كما كشفت في وقت سابق أن “نادر” أصبح محور تحقيقات المحقق الخاص روبرت مولر، بشأن دور محتمل للإماراتيين في محاولة شراء النفوذ والتأثير السياسي في البيت الأبيض، حيث قيل إنه زار البيت الأبيض كثيرًا بعد فترة قصيرة من انتخاب “ترامب” رئيسا، والتقى لمرات كلا من ستيف بانون، كبير مستشاري “ترامب” السابق، ومستشاره الحالي وصهره، جاريد كوشنر.

وذكرت الصحيفة أن “برويدي”، سلم ملاحظات بعض المقابلات السرية الخاصة مع “ترامب”، لجورج نادر.

وبهذا تتكشف المزيد من تفاصيل تلك العلاقة العنكبوتية، التي استطاعت الإمارات من خلالها النفوذ إلى صانع القرار الأمريكي، لتطويع سياساته بما يخدم مصالحها وأجنداتها الساعية للعب دور إقليمي واسع.

ومع هذا، بقيت علامات الاستفهام تحيط بـ”إليوت برويدي”، على نحو دفع للبحث عن مزيد من المعلومات بشأن هذا الرجل الغامض.

الصهيوني الغامض!

من أبو ظبي إلى “جورج نادر” خرجت التعليمات بضرورة تجنيد الشخص الأصلح من أجل لعب دور خطط له محمد بن زايد طويلا ليصبح له محل قدم داخل المكتب البيضاوي في البيت الأبيض.

ولم يجد “نادر” أفضل من رجل الأعمال اليهودي الجمهوري الذي يقال إن له ميولا صهيونية “إليوت برويدي” للعب هذا الدور، كونه أحد أكبر المتبرعين الماليين لحملة “ترامب”، وأحد المقربين منه.

الغاية الكبرى الآن للاثنين “نادر” و”بن زايد”، الضغط على “ترامب” من خلال “برويدي” مقابل تأمين عقود مالية هائلة لشركته الأمنية Circinus في إطار عمل ميليشيات المرتزقة بالإمارات، وتأسيس مجموعات عسكرية غير نظامية هناك.

“برويدي” الستيني كان الشخص المناسب، كونه مهتمًا للغاية بمنطقة الشرق الأوسط كونها أكثر منطقة ملتهبة في العالم، وبلتالي تنشط بها الشركات الأمنية الخاصة.

تؤمن Circinus خدمات أمنية للحكومة الأمريكية ولحكومات أجنبية، ويقودها ضباط أمريكيون متقاعدون، وتعرف نفسها عبر موقعها الإلكتروني بأنها “واحدة من الشركات الرائدة في مجال الاستخبارات التشغيلية والتدريب الأمني ودعم أي بعثة – في أي مكان وزمان”.

وتتكون من 4 أقسام تمثل مجالات وظيفية تحافظ فيها على نطاق واسع من القدرات، وهي: الاستخبارات، العمليات الخاصة، الأنشطة الخاصة، وتطبيق القانون.

كما تقول إنها “تستخدم موظفين من كل أرجاء العالم بغية تأمين الحماية الأمنية للأفراد وللمجموعات”، و”تقدم خدمات في أجواء معادية وقيادة عمليات أمنية خاصة، وتوفير بنية تحتية للأمن والتدريب الأمني”.

وبحسب تقارير إعلامية، فإن سجل الرجل مليء بالفضائح والأزمات المالية، ففي 2009 اعترف بدفع رشاوى بقيمة مليون دولار لصندوق معاشات التقاعد في ولاية نيويورك، مقابل استثمار الصندوق مبلغ 250 مليون دولار بالتعاون مع شركة إسرائيلية سبق لبرويدي أن أسّسها.

“وول ستريت جورنال” الأمريكية كشفت أزمة أخرى تتعلق بمفاوضات خاضها “برويدي” مع شخص متورط بفضيحة شركة Malaysia Development المملوكة للحكومة الماليزية، والجاري التحقيق بشأنها في الولايات المتحدة حاليا.

وحاول “برويدي” وزوجته التفاوض مع أحد كبار المتورطين في القضية، مقابل نيلهما عمولة بقيمة 75 مليون دولار في حال تمكنا من وقف التحقيقات الجارية حول القضية.

اللافت في هذه المعادلة، أنها تكذب ادعاءات دول الحصار بشأن حجم الأزمة مع قطر، حيث وصفت في بيانها الصادر أواخر فبراير الماضي، الأزمة السياسية مع قطر بأنها “صغيرة” ويجب أن تحل في إطار الجهود الكويتية.

لكن التساؤل: هل تلك الأزمة الصغيرة تستدعي نسج خيوط شبكة مصالح معقدة بهذا الشكل، والتحريض على إقالة وزير خارجية دولة بحجم الولايات المتحدة ليس لسبب إلا أنه يعارض حصار قطر؟.

“قطر96” وجذور الخلاف

المفارقة أن الحديث عن علاقة “برويدي” بالأزمة الخليجية وتحريضه “ترامب” على دعم دول حصار قطر، يتزامن مع الفيلم الوثائقي “قطر96“، الذي عرضت الجزيرة جزءه الأول مساء الأحد، ويتهم تلك الدول بتدبير ما قالت إنه محاولة انقلاب على أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة عام 1996.

الفيلم الذي جاء ضمن برنامج “ما خفي أعظم”، يكشف فيه فهد المالكي -الضابط السابق في المخابرات القطرية وأحد أهم المتهمين في القضية- معلومات عن اللجنة القيادية العليا لإدارة الانقلاب التي تشكلت سرا في عدة دول خليجية بالإضافة إلى مصر.

ويقول المالكي إن أعضاء هذه اللجنة هم: من الإمارات الشيخ محمد بن زايد، الذي كان رئيس هيئة الأركان، ومن البحرين الشيخ حمد بن عيسى، الذي كان وليا للعهد، ومن قطر الشيخ حمد بن جاسم بن حمد قائد الشرطة سابقا، ومن السعودية جهاز المخابرات، الذي تلقى التكليفات من الأمير سلطان بن عبدالعزيز، إضافة إلى المخابرات المصرية بقيادة عمر سليمان.

ويشير إلى أن فكرة الانقلاب جاءت حين تمكن حاكم الإمارات آنذاك، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، من إقناع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني باستعادة السلطة في قطر عن طريق انقلاب عسكري.

المثير في هذا الفيلم أنه كشف أبعادا تاريخية لخلاف كل من السعودية والإمارات مع قطر، بات مؤكدا أنها ليست وليدة الأزمة الحالية ولا ترتبط بإيران ولا بجماعة الإخوان المسلمين أو دعم الإرهاب.

ووفق تقارير إعلامية، فإن الأمر يعود إلى قرار الاحتلال البريطاني الرحيل عن شبه الجزيرة العربية عام 1968 نتيجة ضغوط داخل البرلمان بخصوص الميزانية، حيث بدأت القبائل العربية آنذاك، محاولة تشكيل تحالفات لكسب حدود جديدة، والتي ستنتج عن الفراغ البريطاني.

سعى راشد آل مكتوم شيخ إمارة دبي، ومعه زايد آل نهيان شيخ إمارة أبو ظبي حينها، إلى إقامة تحالف واسع من القبائل في هذه المنطقة لتوحيدها في دولة واحدة قبيل رحيل بريطانيا، ضمت هذه المحاولات الإمارات السبع التي تشكل دولة الإمارات العربية المتحدة الحالية (دبي – أبو ظبي – عجمان – رأس الخيمة – الفجيرة – الشارقة – أم القيوين) بالإضافة إلى (قطر – البحرين)، ولكن الأخيرتين انفصلتا عن هذا الاتحاد، وأعلنت كل منهما دولة مستقلة.

قبيل ذلك كانت السعودية تطالب بضم قطر إليها باعتبارها جزءًا من إقليم الأحساء، واستمرت السعودية في هذه المطالب، حتى تدخلت بريطانيا لكبح جماح السعوديين عن قطر، لتعترف السعودية بحدود قطر، فيما بقي مناطق متنازع عليها بين الطرفين.