منصور عطية
توالت الضربات الصاروخية التي تنفذها ميليشيا جماعة أنصار الله (الحوثيون) في اليمن، ضد أهداف ومنشآت عسكرية داخل العمق السعودي، مبتعدة كثيرًا عن صورة عَلِقت في الأذهان باستهدافها المدنيين.
وعلى الرغم من مقتل “صالح الصماد” المطلوب رقم 2 في قائمة التحالف العربي بقيادة السعودية والقيادي السياسي والعسكري البارز للحوثيين، منذ نحو شهر، إلا أنَّ ذراع الميليشيا بدت غير منطقعة عن منشآت الجيش السعودي في عمق البلاد، ونعرض هنا ما لذلك من أسباب ودلالات مهمة في سياق الصراع المحتدم منذ أكثر من 3 أعوام.
استهداف المنشآت العسكرية
قوات الدفاع الجوي السعودي، أعلنت مساء السبت، أنها اعترضت صاروخًا باليستيًا فوق سماء مدينة ”خميس مشيط”، جنوب غربي المملكة، وقالت قناة “المسيرة” الناطقة باسم “الحوثيين”: إن القوة الصاروخية التابعة للجماعة قامت بـ”قصف لواء الرادارات السعودي في خميس مشيط بصاروخ بدر 1 الباليستي”.
ويعدّ هذا أول صاروخ باليستي يطلقه الحوثيون تجاه المملكة خلال شهر رمضان، بعد إعلان التحالف الثلاثاء الماضي، اعتراض صاروخ باليتسي أطلقه الحوثيون من اليمن تجاه مدينة جازان جنوب غربي المملكة.
استهداف لواء الرادارات لم يكن الأول من نوعه، ففي 8 أبريل الماضي أعلن الحوثيون عن إطلاق صاروخ باليستي من نوع “بدر 1” أيضًا على اللواء ذاته.
بعدها بيومين أعلنت ميليشيا الحوثي أنها أطلقت صاروخين باليستيين على موقعين للجيش السعودي في جازان وعسير (جنوبي المملكة).
وقال الحوثيون، إنهم أطلقوا صاروخًا باليستيًا من نوع “بدر واحد” على معسكر للإمداد والتموين في جازان السعودية، كما تحدثوا عن إطلاق صاروخ باليستي ثانٍ من نوع “قاهر تو إم” على معسكر في عسير (جنوب المملكة).
وفي 15 أبريل استهدف الحوثيون بصاروخ باليستي مدينة الفيصل العسكرية في جيزان، بينما تزامن ذلك مع أنباء راجت باستهدافهم مقر وزارة الدفاع السعودية في العاصمة الرياض.
وقال الناطق باسم ميليشيا الحوثي شرف لقمان، إن جماعته جاهزة لتنفيذ كلام رئيس المجلس السياسي للجماعة الذي يقضِي بإطلاق صواريخ باليستية كل يوم باتجاه السعودية، مضيفًا أن كلام الصماد “أمر تنفيذي سيشاهد في الأيام المقبلة”.
وكان رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد- الذي قتل في غارة للتحالف أواخر أبريل الماضي- صرح بأن هذا العام سيكون “عامًا باليستيًا بامتياز”، قائلًا إن السعودية لن تسلم من الصواريخ مهما حشدت من منظومات دفاعية.
وصعّد مسلحو الحوثي منذ 25 مارس الماضي ضرباتهم الصاروخية مستهدفين العمق السعودي، بما في ذلك العاصمة الرياض، بالإضافة إلى منشآت اقتصادية على غرار شركة “أرامكو” النفطية.
ترسانة أهداف الحوثي
وتبدو العلاقة بين التهديدات الحوثية التي تلقى حيزًا من التنفيذ، خاصة فيما يتعلق بالمنشآت العسكرية شديدة الرمزية ومُفْعمة بالدلالات والرسائل التي ترغب الجماعة في إيصالها.
بداية فإنّ الأمر يشير إلى تطور كبير ولافت في القدرات الصاروخية لجماعة الحوثي، فضلًا عن التطور في الجانب المعلوماتي واللوجيستي والقدرة على تحديد الأهداف المطلوب ضربها ودقة التوجيه.
هذا رغم الحصار الذي تفرضه السعوديةعلى اليمن وموانئه، وهو الأمر الذي تضمن اعترافًا ضمنيًا من إيران بتزويد الحوثيين بالسلاح؛ حيث نقلت “الجزيرة” عن قيادي بالحرس الثوري قوله: إنّ “طرق إرسال الأسلحة لليمن مغلقة بسبب الحصار المفروض من السعودية”.
في أكتوبر 2016، نقلت “رويترز” عن مسؤولين أمريكيين وغربيين قولهم إنّ “جانبًا كبيرًا من عمليات التهريب (تهريب السلاح الإيراني للحوثيين) تم عن طريق سلطنة عمان المتاخمة لليمن بما في ذلك عبر طرق بَرّية استغلالًا للثغرات الحدودية بين البلدين”.
تقارير أخرى أشارت إلى طرق جديدة تتبعها إيران في تهريب السلاح للحوثيين، أحدها بشكل مباشر إلى اليمن أو عبر الصومال، غير أنّ الاحتكاك بسفن البحرية الدولية جعل الحرس الثوري الإيراني يلجأ إلى استخدام مياه الخليج الواقعة بين الكويت وإيران، بحسب التقارير.
المسار الجديد تنطلق فيه سفن إيرانية من مرافئ صغيرة وتنقل عتادًا إلى قوارب صغيرة في أعلى الخليج؛ حيث تواجه تدقيقًا أقل ليتم تسليم الشحنات في ممرات ملاحية دولية.
كما أنّ الجماعة التي لم يمر شهر على اغتيال أبرز قادتها السياسيين والعسكريين تريد الإيحاء للسعودية وللجميع بأنها لا تزال قوية وقادرة على تنفيذ التهديدات التي أطلقها الصماد قبل مقتله بأيام، أي أن الحادث لم يَفُتّ في عضدهم.
تلك الرسالة مزدوجة أيضًا، وتستهدف بها الجماعة كوادرها وعناصرها المقاتلة، بحيث ترفع من معنوياتهم، وتقلل حجم الخسارة وقوة الضربة التي تلقتها.
وكون الضربة الأخيرة تأتي في شهر رمضان، بينما لم تسجل غارة تذكر للتحالف على أهداف للحوثيين، فإنّ الرسالة تشير إلى استمرار لهجة التصعيد من جانب الجماعة واستمرار المعركة دون مراعاة للشهر الفضيل.
لكن، ثمة دلالة أخرى لوتيرة الاستهداف الحوثي مؤخرًا؛ حيث يتبيّن أنه يركز على المنشآت العسكرية، ورغم أنه لا توجد خسائر في الجانب السعودي إلا أن هذا الاستهداف يشير إلى رغبة حوثية في تغيير الصورة النمطية التي نجحت المملكة في الترويج لها، بأنّ صواريخ الجماعة لا تطال إلا أهدافًا مدنية فقط.
الحملة السعودية التي شهدتها أروقة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية، ارتكزت على إظهار الجانب الإنساني في هجمات الحوثي الصاروخية، وإبراز استهدافها لمدارس ومستشفيات ومباني سكنية ومنشآت مدنية أخرى، وهو ما يبدو أنّ الجماعة تعمل على مواجهتها.
ضعف سعودي
على الجانب المقابل، ألا تعدّ تلك الوتيرة المتسارعة لاستهداف المنشآت العسكرية السعودية دليلًا كافيًا على الضعف الذي تعاني منه قوات المملكة، رغم الصفقات المليارية للتسليح بأحدث وأكثر أنظمة الدفاع الصاروخية قوة في العالم مؤخرًا؟
بلا شك، لا يمكن لأحد إنكار ما يدلّل عليه ذلك من نقاط ضعف لدى المملكة، فحسب تقديرات إعلامية استنادًا إلى بيانات رسمية بلغ عدد الصواريخ التي أعلنت السعودية سقوطها أو اعتراضها وتدميرها في سماء المملكة 36، منذ 26 مارس الماضي، بينما بلغ العدد الإجمالي للصواريخ التي استهدفت المملكة 140، منذ بدء العمليات العسكرية للتحالف باليمن في 26 مارس 2015.
من البداية تثور التساؤلات بشأن عدم قدرة سلاح الجو السعودي وحلفائه بغاراتهم المستمرة والمتواصلة على تدمير القوة الصاروخية للحوثي ومنصات الإطلاق، رغم التصريحات المتتابعة من المسؤولين العسكريين بشأن الحدّ من القدرات الصاروخية للجماعة.
في أبريل 2015 وبعد 25 يومًا فقط من انطلاق العمليات العسكرية للتحالف العربي باليمن، قال المتحدث باسم التحالف، حينها، أحمد عسيري إنّ التحالف نجح في تدمير 80% من مستودعات الأسلحة الخاصة بالحوثيين، و”تحييد” 95% من أسلحتهم المستخدمة في الدفاعات الجوية، خلال 2500 غارة نفذها.
لكن الواقع يبدو أكثر ضبابية من تلك التصريحات ومثيلاتها، ويُظهر أن الحوثيين لا يزالون يملكون القدرة على التزود بالسلاح وإخفائه وإبعاد منصات الإطلاق عن أعين السعودية الاستخباراتية والاستطلاعية.
حتى بعد الإطلاق، يتساءل متابعون: كيف لا تستطيع أنظمة الدفاع الجوي السعودي اعتراض الصواريخ الحوثية إلا بعد أن تقطع أشواطًا كبيرة داخل العمق السعودي وتهدد بالفعل مصالح الرياض؟ هل هو فشل في تنفيذ المهام الموكلة أم عجز عن المواجهة؟.
وفي النهاية تبدو المواجهة مستمرة في حرب لم يعد طرفاها يستطيعون التعبير عما يريدونه تحديدًا منها، وانحراف عن مسارها لمصالح ضيقة تحكم قوى التحالف وعلى رأسها الإمارات.
اضف تعليقا