العدسة – معتز أشرف
في ذكرى نكسة 1967، أو نكسة “حزيران”، تغيرت المواقف، وتبدلت الخطابات، وظهر مشاركون جدد في الانكسار على أعتاب دولة الاحتلال الصهيوني، ولكن برز بحسب المراقبين صمود لازال نبضه يدق في مسيرات العودة الفلسطينية في مواجهة العدو الصهيوني وفي رفض الشعوب للتطبيع.
نرصد أبرز المشاركين في جبهتي الانكسار والتطبيع من جهة، والمقاومة والبحث عن الانتصار من جهة أخرى في ذكرى النكسة.
جبهة الانكسار
في مصر التي دفعت ثمنًا كبيرًا في هزيمة 1967، وخاض رئيسها وقتها، جمال عبد الناصر، حراكًا واسعًا حتى يمكن “استعادة رقعة الأرض المحتلة، واستعادة النصر الضائع” بحسب تعبير “عبد الناصر”، أضاع الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، الذي يحاول كثيرًا التشبه به في الكثير من خططه، وأسقط مصر في التطبيع الكامل مع دولة الاحتلال الصهيوني، وشهدت مصر في عهده نكسة جديدة، ولكن من دون أن تخوض إسرائيل حربًا ضدها، بحسب تعبير مراقبين، حيث أطاح بالدكتور محمد مرسي من موقعه الرئاسي، وهو الإجراء الذي وصفه رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الحرب الإسرائيلية، عاموس جلعاد، بـ “معجزة أمنية لإسرائيل”؛ وباتت العلاقات المصرية الإسرائيلية في أفضل صورها، وشملت تنسيقًا فيما يتعلق بالأوضاع في سيناء، وقيادة السيسي ملف تطبيع العرب مع الكيان الصهيوني، مقابل دعمه وحمايته دوليًّا داخل الولايات المتحدة، وامتدح السيسي في أكثر من مناسبة رئيسُ وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واحتفت به المنظمات اليهودية في أمريكا، ووعد بقيام 50 دولة عربية وإسلامية بالتطبيع مع إسرائيل في حال طبق حل الدولتين.
في نفس المسار ظهر – بحسب المراقبين- في جبهة الانكسار، باقي رباعي الحصار على قطر: السعودية والإمارات والبحرين، بجانب مصر، غير أن الرياض وأبوظبي اللتين تقيمان علاقات سرية مع الكيان الصهيوني، بدأتا توجهًا جديدًا لإشهار تلك العلاقات بحجة التعاون مع تل أبيب لمواجهة إيران، ووفق مجلة “ناشونال إنترست“ الأمريكية، فإن السعودية والإمارات تسعيان إلى تعزيز التعاون مع إسرائيل مع اعتزامهما الانتقال بعلاقتهما معها به من السرّ إلى العلن، تحت مبرر مواجهة التهديدات الإيرانية.
وفي سوريا التي تدخل ثورتها عامها الثامن، لازالت الجولان ضحية الاستبداد السياسي لم تتحرر، بحسب مراقبين، ورغم تحدي الديكتاتور السوري بشار الأسد للمعارضة السورية المسلحة والسياسية، إلا أنه لم يستطع في وقت سابق تحرير الجولان، بنصف عدد الأسلحة التي استخدمها في المواجهة مع الثورة السورية، حتى طالت قذائف الجيش الإسرائيلي محافظة القنيطرة السورية، ووصلت نيران دباباته باتجاه أطراف مدينة البعث وعدد من النقاط التابعة للجيش السوري ببلدة حضر جنوب غرب سوريا، في 10 مايو الماضي، ضمن تصعيد صهيوني بارز منذ 2017، لم يتوقف منذ 2013 ضد الأراضي السورية.
الباحثون عن الانتصار
وفي المقابل، برز في ذكرى النكسة صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته السلمية والمسلحة في مواجهة العدوان، وواصلت مسيرات العودة حضورها في الصدارة، ونظمت الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة، فاعليات كثيرة لإحياء ذكرى النكسة داخل مخيمات العودة بالقرب من الأراضي المحتلة، وهو ما وصفه عضو الهيئة والمختص في شؤون اللاجئين، عصام عدوان، بأنه تأكيد منهم على أن النضال السلمي مستمر في وجه الاحتلال، لافتًا إلى أن مسيرات العودة مستمرة حتى تحقق أهداف الشعب الفلسطيني بالعودة.
من جانبها، قالت حركة حماس إن المقاومة مستمرة بكل أشكالها، وأن المساس بسلاحها أمر مرفوض، مؤكدة حق الشعب بتطوير وسائل المقاومة وآلياتها، وبينت الحركة في بيان لها بمناسبة الذكرى الـ51 لنكسة عام 1967، أن إدارة المقاومة من حيثُ التصعيد أو التهدئة تندرج كلها ضمن عملية إدارة الصراع، وليس على حساب مبدأ المقاومة، وشددت الحركة على أن القدس عاصمة فلسطين، وجميع مقدساتها هي حق ثابت للشعب الفلسطيني والأمَّة العربية والإسلامية.
مراقبون كثيرون يتحدثون عن نجاح مسيرات العودة الفلسطينية، التي انطلقت في الثلاثين من مارس الماضي، رغم استشهاد نحو 124 فلسطينيًّا، وجرح 13 ألفًا آخرين، خاصة مع الاستعدادات الكبيرة لرفع ذروتها هذا الأسبوع، من خلال مليونية القدس، حيث دفعت قوات الاحتلال بتعزيزات عسكرية على حدود قطاع غزة خوفًا من عملية اقتحام واسعة من قبل المتظاهرين الفلسطينيين للسياج الفاصل، وقالت وسائل إعلام صهيونية: “إن هذا الأسبوع هو الأصعب منذ انطلاق مسيرات العودة، خوفًا من اقتحام الحدود واقتراب الأوضاع الإنسانية في القطاع من الوصول لمرحلة الانفجار في ظل مواصلة الحصار.
وفي الأردن أحد الدول التي استهدفت في عدوان 1967، لازال الحراك مستمرًّا لإسقاط اتفاقية وادي عربة، ومجابهة التطبيع الذي تفرضه المعاهدة من خلال قوانينها، خاصة أن الاحتلال الإسرائيلي هو المستفيد الوحيد من هذه الاتفاقية، ودعت هيئات أردنية بارزة، منذ مطلع العام الجاري، لمقاومة التطبيع وما يمثله من محاولة لتركيع الشعب الأردني وهدم الاقتصاد الوطني، مؤكدين على ضرورة تفعيل حملات المقاطعة للكيان الصهيوني، ومخاطبة مجلس النواب للضغط باتجاه وقفة رسمية وسيادية حازمة ضد التطبيع، ووقف الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال.
ورغم قمع النظام المصري للحراك المعارض، واصل نشطاء ومعارضون حملات مقاومة التطبيع ورفضه، وظهر العداء الشديد للكيان الصهيوني مع احتفالية صهيونية لإحياء ذكري التأسيس على النيل، وصلت إلى رفض عدد من نواب البرلمان دعوات السفارة الإسرائيلية للاحتفال بذكرى الاستقلال الـ70 لإسرائيل، مؤكدين أن حضور الاحتفالية يمثل تحديًا لمشاعر المصريين والعرب فى وقت تمارس فيه إسرائيل عمليات القتل والإرهاب ضد الفلسطينيين، الأمر الذي يُعد تطبيعًا واضحًا، وعارًا على أي مصري حضور الاحتفالية.
وبالتزامن مع البيانات المستمرة من جماعات رفض النظام الحالي ضد التطبيع، صدر بيان لافت خلال مؤتمر أقامه «اتحاد كتاب مصر» بالاشتراك مع «الحملة الشعبية لمقاطعة إسرائيل» في مصر مؤخرًا، مؤكدًا تصدي المثقفين المصريين لمحاولات فتح ثغرات في جدار رفض «التطبيع الثقافي والفني» مع إسرائيل، بعد تزايد محاولات تمت أخيرًا في هذا الاتجاه، منها زيارة السفارة الإسرائيلية لمعرض القاهرة للكتاب الأخير، كما أصدر المؤتمر سبع توصيات إضافية لمنع محاولات التطبيع الجديدة، مؤكدًا استمرار مخاطر مؤكدة محدقة بمصر والبلدان العربية الشقيقة من العدو الصهيوني العنصري الاستعماري.
وفي السياق ذاته، احتضنت الكويت مؤتمر مقاومة التطبيع في الخليج مؤخرًا، والذي اختتم أعماله في الكويت بالتأكيد على ضرورة توحيد الجهود للتصدي لعملية التطبيع المتزايدة بين الأنظمة العربية وإسرائيل، بما فيها أنظمة “دول مجلس التعاون الخليجي”، والتوصية بإطلاق حملة موحدة في دول الخليج ضد شركة “جي فور إس” لتورطها مع الاحتلال وانتهاكاته، كما دعا المؤتمر إلى “تطوير القوانين والأنظمة المحلية لإقصاء الشركات الأجنبية المتورطة في جرائم الاحتلال”، وإلى أن تتولى المجالس التشريعية في المنطقة مسؤولية صياغة قوانين لمناهضة التطبيع وتفعيلها، مشددًا على ضرورة سحب الاستثمارات الخليجية من الشركات العالمية التي تعمل في الأراضي المحتلة، فيما كان لافتًا مؤخرًا الدور الدبلوماسي الكبير الذي تقوم به الكويت في خدمة القضية الفلسطينية، حيث تصدرت الصفوف في المحافل الدولية في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
ووفق مراقبين، يتحدى الحراك الداعم من تركيا وقطر للقدس وغزة مشاهد الانكسار في ذكرى النكسة، وهو ما عبر عنه سفير تركيا لدى قطر، فكرت أوزر، قبيل القمة الإسلامية الطارئة لبحث مسألة القدس بعد نقل السفارة الأمريكية إليها؛ بقوله: “إن أنقرة والدوحة من أهم الدول الداعمة للقدس والقضية الفلسطينية”، مشيرًا إلى أن هذا الاهتمام “يمتد لعقود طويلة”، وأن الموقف التركي قوي وواضح في مواجهة إسرائيل والخطوات التي تتخذها حكومة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
اضف تعليقا