أمس الأحد، أُسدل الستار على رئاسة بنيامين نتنياهو لحكومة الاحتلال الصهيوني، مع بداية حقبة جديدة سيقودها ابتداء زعيم حزب “يمينا” اليميني، نفتالي بينت، ثم رئيس حزب “ييش عتيد” يئير لبيد، وأدت الحكومة الجديدة اليمين الدستورية أمام الكنيست.

لكن نهاية حكم نتنياهو، لا يعني نهاية التطرف اليميني في الحكم الصهيوني، فبينت نفسه أعلن قبل أيام أن حكومته الجديدة ستكون “يمينية أكثر من الحالية”، كما أن لبيد أطلق عدة مواقف عدائية ضد حركة “حماس”، فضلًا عن أن العديد من كوادر الأحزاب التي شكلت الائتلاف الحكومي الجديد سبق لهم العمل مع نتنياهو، وهو ما يعني بطبيعة الحال أن الأطراف المؤثرة في الحكومة الجديدة، لن تكون ذات سياسات جديدة تجاه القضية الفلسطينية، بل إنها ستواصل مسار توسيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وحماية اعتداءات قطعان المستوطنين على الفلسطينيين في القدس المحتلة، وكذلك انتهاج سياسة توسيع التطبيع مع دول عربية.

 

 

  • عوائق وتحديات..

 

يجدر الإشارة إلى أن هذه الحكومة ستواجه الكثير من العوائق والتحديات التي ستمثل تهديدًا جوهريًا لوجودها وتماسكها وبقائها، لا سيما بعدما تعمد نتنياهو تمرير قرارات حساسة تحمل الحكومة الجديدة مسؤولية ضخمة منذ اليوم الأول لوصولها إلى السلطة.

ورغم نيلها ثقة الكنيست، يبقى استمرار عمل الحكومة الجديد غير مضمون، ومن المتوقع أن يكون عمرها قصيرًا، في ظل التباين والتناقض الكبير في مكونات الائتلاف الحزبي الذي تمخضت عنه هذه الحكومة، وفي ظل كذلك عدم قدرتهم على حصد أغلبية كبيرة في الكنيست، فقد نجحت قائمة الائتلاف الجديد بفارق صوت واحد عن حكومة نتنياهو. كما أن نتنياهو تعهد أمام الكنيست أنه لن يترك الحكومة الجديدة لشأنها، رغم أنها لا تختلف في توجهاتها كثيرًا عن توجهات حكومات نتنياهو، ولا سيما لناحية العنصرية والتطرف والتفاخر بقتل العرب وسياسة الاستيطان.

وتأتي الحكومة الجديدة لتنهي وجود نتنياهو في حكم دولة الاحتلال، وهو الذي قضى نحو 15 عاماً في رئاسة الحكومة على مرحلتين منفصلتين (بين 1996-1999، و2009-2021)، وكان واحداً من أكثر رؤساء الحكومات دموية ويمينية وتطرفًا، فقد شنّ 3 حروب على قطاع غزة خلال فترات حكمه، وتمكّن من إطلاق مسار تطبيع مع عدد من الدول العربية، إضافة إلى الدفع لطرح مشروع “صفقة القرن”، الذي يمثّل وصفة لتصفية القضية الفلسطينية، فضلاً عن سياسات التوسع الاستيطاني التي تبناها بقوة.

 

من ناحية أخرى، سعى نتنياهو للتشبث بالحكم، بالرغم من توجيه لوائح اتهام ضده في قضايا فساد، فقد جر دولة الاحتلال إلى 4 جولات انتخابية في غضون عامين فقط، ليؤول به الحال في نهاية المطاف إلى الإطاحة به من قبل زعيم حزب “يمينا” اليميني نفتالي بينت، بالتعاون مع رئيس حزب “ييش عتيد” يئير لبيد، ويقضيا على أحلام نتنياهو بالبقاء في الحكم. 

لكن يبدو أن الأخير أبى المغادرة قبل تعكير الأجواء على من سيخلفه. وهو ما دفع بينت، الأحد الماضي، لدعوة نتنياهو، إلى أن “لا يترك وراءه أرضاً محروقة”. وقال بينت: “أدعو نتنياهو إلى أن يحرر الدولة لتمضي قدماً، يحق لمواطني إسرائيل اختيار حكومة جديدة”. مضيفًا: “هذه الحكومة (المقبلة) يمينية أكثر من الحالية (برئاسة نتنياهو)، لا تترك وراءك أرضاً محروقة”.

 

  • ألغام زرعها نتنياهو..

 

من جانبه، وافق نتنياهو على مسيرة الأعلام الاستفزازية التي تخطط العصابات اليهودية المتطرفة تنظيمها في القدس غدًا الثلاثاء، والسماح بها بعد أقل من 48 ساعة على بدء الحكومة الجديدة الاضطلاع بمهامها، وهو ما يعد تحدياً كبيرًا للحكومة الجديدة، ولغمًا أراد نتنياهو أن يفجره فيها.

ففي حال أسفر تنظيم المسيرة عن مواجهات كبيرة بين الفلسطينيين وأعضاء العصابات اليهودية المتطرفة بشكل يفضي إلى اشتعال الأوضاع في المدينة المقدسة، فإنّ الحكومة الجديدة ستجد نفسها في مواجهة تحد أمني وسياسي كبير بعد يومين فقط من حكمها. 

فانفجار الأوضاع في القدس يمكن أن يقود إلى اندلاع مواجهات في الضفة الغربية التي تتواصل فيها التظاهرات، ويحيي هبة فلسطينيي الداخل، فضلاً عن إمكانية أن يمهّد هذا الأمر لمواجهة عسكرية بين إسرائيل وحركات المقاومة في قطاع غزة، التي هددت بأنها لن تغضّ الطرف عن الاعتداءات الإسرائيلية في القدس المحتلة.

في ذات الوقت، وفي خطوة أخرى من شأنها توفير البيئة لإشعال الأوضاع في القدس، أقدم نتنياهو على اتخاذ قرار بعدم الطلب من المحكمة العليا الصهيونية تأجيل قرارها المتوقع في 20 يوليو/تموز المقبل، فيما يتعلق بمصير المنازل الفلسطينية في حي الشيخ جراح، والتي صدر قرار قضائي سابق بطرد مالكيها منها. 

وإن كان هذا القرار القضائي قد أشعل “هبة القدس” التي قادت إلى العدوان الأخير على غزة، وقامت المحكمة العليا بتأجيله بطلب من حكومة نتنياهو، فإن تراجع الحكومة عن الطلب مجدداً بتأجيل صدور القرار بشأن هذه المنازل، سيصب الزيت على النار.

إلى جانب ما سبق، حرص نتنياهو على أن يورث الحكومة الجديدة تحديًا آخر، قد لا يقل خطورة عن سابقيه، حيث أجل اتخاذ قرار بإخلاء مستوطنة “أفيتار” التي دشنها التشكيل الإرهابي اليهودي “فتية التلال” على أرض فلسطينية ولا سيما على جبل صبيح جنوب نابلس، من دون الحصول على إذن الجيش والحكومة، وبدعم مباشر من دانيلا فايس، إحدى القادة التاريخيين للمستوطنين في الضفة. وقد سقط عشرات الفلسطينيين جرحى في التظاهرات التي ينظمونها بشكل متواصل، احتجاجاً على تدشين هذه المستوطنة.