نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، ارتفع معدل التضخم في المملكة المتحدة إلى 10.1٪ في يوليو/تموز، وهو أعلى مستوى له منذ 40 عاماً، وعليه تأثر الاقتصاد البريطاني بصورة كبيرة أثرت بالتبعية على مستوى معيشة المواطن، خاصة بعد أن سمحت الحكومة لشركات الطاقة الخاصة برفع قيمة الفواتير لنحو 80% بحد أقصى 3549 جنيهاً إسترلينيًا (4093 دولارًا أمريكاً) اعتباراً من أكتوبر/تشرين الأول المقبل؛ ومن المرجح أن يقوم بنك إنجلترا برفع أسعار الفائدة بشكل أكبر، مما قد يتسبب في كارثة أخرى لأصحاب القروض.

وبالرغم من تدهور الوضع الاقتصادي، وتزايد الإضرابات الصناعية، مع احتمالية أن يرفض مئات الآلاف من الناس دفع الفواتير ويخرجون إلى الشوارع في احتجاج جماهيري، لا تزال الحكومة تتعامل مع الأمر بنوع من “اللامبالاة”، أو بمعنى أدق، تركز على معالجة أسباب ثانوية غير السبب الرئيسي للمشكلة.

تم إقصاء اليسار المناهض للحرب الروسية الأوكرانية، من وسائل الإعلام الرئيسية، حيث تحالفت وسائل الإعلام مثل الغارديان والإندبندنت مع أنصار المحافظين الجدد مثل الإيكونوميست ومواليهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وروجوا لرواية الحكومة التي تطالب بفرض عقوبات هائلة على روسيا، مع رفض أي حلول دبلوماسية لحل الأزمة.

في الواقع، ظهر مؤخرًا أن اتفاق سلام روسي أوكراني كان مطروحاً على الطاولة في أبريل/نيسان، لكن تم إرسال رئيس الوزراء البريطاني -آنذاك- بوريس جونسون إلى كييف للعمل على إيقافه وتنفيذ رغبة الغرب.

أصبحت رئيسة الوزراء الجديدة، ليز تروس، الآن الوجه الجديد للعسكرة الانتحارية في بريطانيا، إنها واحدة من أكثر مساعدي جونسون ولاءً، وقد أُرسلت إلى موسكو في فبراير/شباط للتحذير من عقوبات صارمة، لكنها سرعان ما تحولت لهجتها إلى لغة أكثر عدوانية وتهوراً لخدمة طموحاتها القيادية – وهو نهج انتقده أحد الصحفيين، واصفاً إياه بـ “دبلوماسية التابلويد”.

تطبيع سياسات تروس

المنافذ التلفزيونية -الرئيسية على وجه الخصوص- تعكف حالياً على تطبيع سياسات تروس، التي لاقى خطابها نجاحًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى لو كان لدى تويتر قدرة قليلة على منع صعودها إلى القمة، ولعل أكبر دليل على ذلك هو غضب الحكومة ووسائل الإعلام اليمينية هذا الأسبوع من الممثل الكوميدي الذي سخر من تروس في برنامج الحوارات السياسية الرائد في بي بي سي، وبعد ذلك وعدت بي بي سي “بإعادة ضبط” الحوار.

في المقابل، شخصيات “تحالف أوقفوا الحرب” لا يمكن رؤيتهم في أي مكان، لأن وسائل الإعلام في لندن تتجاهلهم، في حين يُسمح للأطراف المتطرفة التي تؤيد الحرب مثل بيتر هيتشنز بالظهور والتحدث بحرية، كما لو كان يخوض الانتخابات باسم الوحش رافينج لوني مُرَشَّح.

الوضع في الولايات المتحدة مختلف تمامًا، حيث هناك أصوات من اليسار واليمين في الولايات المتحدة ممن تم إبعادهم عن وسائل الإعلام الليبرالية واليسارية، ولكنهم يظهرون على شاشات قناة فوكس نيوز، حيث يعترضون بصوت عالٍ على تثبيت السياسة الخارجية الأمريكية للحرب بأي ثمن.

جزء كبير من هذا هو مجرد مواقف خطابية، إذ إن الجمهوريين في الكونغرس ما زالوا يصوتون بأغلبية ساحقة لدعم حزمة الإنفاق الهائلة للرئيس جو بايدن البالغة 40 مليار دولار لدعم جهود الحرب في أوكرانيا.

كارثة عالمية

في بريطانيا، لم يحدث أي من هذا، إذ أنه على الرغم من أن الدعم البريطاني أقل بكثير من الالتزام المالي الأمريكي (الذي سيذهب الكثير منه إلى مقاولي الدفاع وجماعات الضغط)، فإن المساعدة البريطانية التي لا تقل عن 3.8 مليار جنيه إسترليني (4.4 مليار دولار) قد قطعت شوطاً طويلاً في تمويل الحرب.

القوات الخاصة التي يشرف عليها MI6 تعمل بالقرب من الخطوط الأمامية الأوكرانية؛ إذ يقدم الجيش البريطاني تدريبات عسكرية مكثفة لعشرة آلاف من المشاة الأوكرانيين، ويوفر قائمة طويلة من الأسلحة؛ والجنود السابقين يتدفقون هناك للقتال كمرتزقة، بينما تؤمن روسيا تدريجياً سيطرتها على الجزء الشرقي من البلاد، يستمر تدمير التجمعات السكانية الكبرى بلا هوادة.

الآن، أصبح خطر نشوب حرب نووية مطروحاً على الطاولة بصورة أكبر من ذي قبل، إذ أن استراتيجية الدفاع الروسية قد تفكر في الاستخدام المحدود للأسلحة النووية كخيار تكتيكي في حرب تقليدية.

لا يتطلب الأمر خبرة سياسية لإدراك أن مثل هذا التفكير، إذا تم التصرف بناءً عليه، سوف يتحول بسرعة إلى كارثة عالمية، ومع ذلك، يبدو أن الحواجز النفسية في دوائر السياسة الأمريكية-البريطانية لتجنب مثل هذه النتيجة آخذة في التآكل.

إن الحلم التاريخي بإسقاط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – الذي يتم التضحية بالشعوب من أجله – لم ينجح حتى الآن، بل لم ينج الاقتصاد الروسي فحسب، لكن تمكنت القوى غير الغربية الرئيسية في العالم من الانفصال عن السلام الأمريكي أو ما يطلق عليه “باكس أمريكانا” من خلال تجاهل إملاءات الولايات المتحدة والحفاظ على العلاقات السياسية والاقتصادية مع موسكو دون عواقب، بل حتى حيلة بوريس جونسون الساخرة باستخدام حرب أوكرانيا لإنقاذ رئاسته للوزراء فشلت.

بغض النظر عن عدد المرات التي يتحدث فيها الإعلاميون في الصحف ومقدمو البرامج التليفزيونية بعبارات مثل “حرب بوتين” في محاولة لدفن الجدل حول أسبابها وكيفية إنهائها، فإن الحقيقة هي أن سياسة الحكومة البريطانية التي تتعامل بها مع الحرب هي خيار حر بإمكانها أن تتراجع عنه وتغيره لإنقاذ الشعب البريطاني والعالم.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا