العدسة – جلال إدريس
مع مرور قرابة العامين على رؤية السعودية 2030، التي أعلنت عنها المملكة في أبريل 2016، وتبناها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تتزايد التساؤلات حول تلك الرؤية، أين ذهبت؟ وماذا أنتجت خلال هاذين العامين؟ وهل لا تزال الحكومة السعودية تسير على تلك الرؤيا أم تم تأجيلها، أم تم إلغاؤها إلى غير رجعة؟.
وبالرغم من أن رؤية 2030 تتحدث عن المملكة بعد النفط، وعن مصادر متنوعة للدخل القومي السعودي، إلا أنه وحتى اللحظة لم تظهر في الأفق أية بوادر عن مشاريع تنموية تحل محل النفط في الاقتصاد القومي السعودي.
وباستثناء مشروع مدينة “نيوم” السياحية الترفيهة، لم يتحدث “بن سلمان” عن مشاريع قومية عملاقة، كما لم يقدم رؤيا حقيقة تحل أزمات البلد النفطية الكبرى، التي بدأ شعبها يعاني من أزمات اقتصادية لم تكن في حسبانهم على الإطلاق، حتى بات كثير من المواطنين السعوديين، ينتظرون المنح التي تصرفها لهم الحكومة في صورة إعانات على الغلاء والمعيشة.
كما أن المواطنين السعوديين لم يجنوا من رؤيا الإصلاح الاقتصادي التي أعلن عنها “بن سلمان” حتى اللحظة، سوى ارتفاع في أسعار كثير من السلع والمنتجات بعد رفع الدعم بصورة جزئية عن النفط والمحروقات، إلى جانب فرض ضرائب تسمى بضريبة القيمة المضافة.
رؤية فاشلة وواقع صعب
وفقا لمراقبين، فإن رؤية “بن سلمان” للإصلاح الاقتصادي محكوم عليها بالفشل منذ اليوم الذي أعلن عنها، حيث إن السعودية ترتكز على واقع بائس للتعليم جرى تصميمه بعناية لإنشاء مواطنين غير قادرين على التفكير باستقلالية، إضافة إلى انعدام الرقابة وتركز السلطة في أيدي قلة وأفراد معدودين.
أيضا، فإن اعتماد المملكة في إيرادتها على الدخل من قطاع النفط ومنتجاته سيصعب منه الانتقال إلى مصادر دخل أخرى، خاصة وأن مجرد الانخفاض في عائدات النفط بالمملكة زاد النفقات بشكل كبير، وأحدث عجزا كبيرا في الموازانة العامة للدولة، ووفقا للبيانات التي أبلغ عنها في نهاية عام 2015، وصل الإنفاق هذا العام إلى 260 مليار دولار؛ بينما بلغت الإيرادات الفعلية 162 مليار دولار فقط.
ويؤكد محللون أن المملكة ستواجه صعوبات في تمويل الاستثمارات اللازمة لعملية التنمية المتسارعة في القطاع غير النفطي، وأنها تحتاج إلى فتح الاقتصاد وأسواقه، وهذا ما يتطلب منها التخلي عن النظام الاقتصادي، وهذا ما لا يمكنها التكيف مع قواعده.
وكان موقع “ميدل إيست آي” البريطاني قد أكد في تقرير سابق له، “أن رؤية 2030 تعد بمثابة رؤية فاشلة” وتوقّع فشلها، مرجعا أسباب هذا التوقع إلى عدّة عوامل، منها صعوبة وقف اعتماد السعودية على النفط، والمشكلات التي ستواجه الاتجاه إلى بيع الممتلكات الضخمة من أجل تمويل المشاريع الاستثمارية.
رؤية المملكة 2030، ربما هي ما دفعت الحكومة السعودية خلال عام 2016، إلى الإعلان عن إجراءات من شأنها تعديل هذه الرؤية التي وصفتها شبكة بلومبرج الأمريكية بأنها كانت مثل “الصبي الطموح”.
تباطؤ النمو وعجز الموازنة
إلى جانب فشل رؤية “2030” حتى الآن، فإن تقارير اقتصادية أخرى تؤكد أن المملكة النفطية تواجه عجزًا ماليًّا، وتباطؤًا غير مسبوق في النمو.
وتواجه السعودية مخاطر اقتصادية جراء الانخفاض الحاد في أسعار النفط عالميا، والمستمر منذ منتصف عام 2014، فضلا عن كلفة الحرب التي تقودها في اليمن ضد الحوثيين والتوترات الإقليمية.
وبحسب تقرير سابق لـ “بلومبرج الاقتصادية”، فإن السعودية ستواجه عجزًا ماليًّا، وتباطؤًا في النمو بشكل غير مسبوق، بعد تولي ولي العهد محمد بن سلمان العرش، في ظل انتشار تقارير تؤكد أن الملك سلمان سيتنازل قريبا عن العرش لصالح نجله وولي عهده.
ورأت “بلومبرج” أن خفض سعر النفط المتفق عليه مع روسيا وبعض البلدان المصدرة للنفط الأخرى، قد تكون نتائجه عكسية بالنسبة للسعودية على المدى الطويل.
وأظهر تقرير صادر عن مجلس الغرف السعودية العام الماضي، انخفاضا في إيرادات المملكة من النفط بنسبة 10.9% في الربع الثاني من العام الحالي، لتصل إلى 101 مليار ريال (26.9 مليار دولار)، مقابل 112 مليار ريال (29.8 مليار دولار) في الربع الأول من العام.
وأشار التقرير الذي أوردته وكالة الأنباء السعودية “واس” في 19 أغسطس الماضي، إلى ارتفاع العجز المالي للمملكة إلى نحو 47 مليار ريال في الربع الثاني (إبريل حتى نهاية يونيو)، مقابل 26 مليار ريال خلال الربع الأول.
وبحسب التقرير، تمت الاستعاضة عن السحب من الاحتياطيات النقدية، ببرامج الدين الحكومي، إلا أن بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي تظهر استمرار السحب من الاحتياطيات مع الاستدانة المحلية والدولية، وذلك رغم إعلان الرياض هذا العام عن خطة تقشفية في الإنفاق، وفرض المزيد من الضرائب لزيادة مصادر الدخل.
أيضا، فإن صندوق النقد الدولي قد أظهر في تقرير سابق له، أن “النمو الكلي لإجمالي الناتج المحلي الحقيقي للسعودية سيقترب من الصفر مع انخفاض إجمالي الناتج المحلي النفطي في إطار التزامات المملكة بمقتضى اتفاق أوبك”.
كما أن السعودية قد أعلنت العام الماضي عن موازنة 2017، بإجمالي نفقات يبلغ 890 مليار ريال، وعجز قدره 198 مليار ريال (52.8 مليار دولار).
شبح البطالة والفقر
البطالة والفقر في السعودية شبحان يهددان المواطن السعودي، رغم عدم توفر أرقام رسمية “دقيقة أو منطقية” عن نسب ومعدلات الفقر والبطالة في المملكة النفطية.
وتتضمن الإحصائيات والبيانات الرسمية أرقاما غير واقعية، منها أن نسبة البطالة بين السعوديين تستقر عند مستوى 12.8 % وانخفاض معدل البطالة الإجمالي إلى 5.8 %، وهو ما لا يتوافق مع الواقع المعيشي، الذي تبرزه التقارير الدولية المحايدة، وشواهد تفاقم مشكلة الفقر والبطالة وسوء توزيع الثروة والتفاوت الطبقي، وتفشي الفساد، فضلاً عن سيل مقاطع الفيديو المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي حول حجم الفقر والبطالة والمعاناة التي تحملها استغاثات المواطنين السعوديين التي تقطعت بهم سبل الحياة الكريمة في البلد النفطي الثري.
ويشير خبراء إلى أن البيانات تظهر الاقتصاد السعودي في وضع حرج، حيث لا يخلق فرص عمل كافية للداخلين الجدد إلى سوق العمل السعودي، وأن خلق فرص العمل سيكون التحدي الرئيسي لبرنامج الإصلاح الزعوم، كما أن القطاع الخاص يعاني من الإصلاحات المالية وانخفاض الإنفاق الحكومي، لافتين إلى أنه رغم الضغط على المغتربين، فإنهم لا يرون نموا كافيا في الوظائف بين المواطنين لتعويض خروجهم من السوق السعودي.
ورغم التكتم والتعتيم، فإن تقديرات التقارير غير الرسمية التي ترجحها جهات دولية، تشير إلى تفاقم نسبة الفقر والبطالة لتتراوح ما بين 15 و25% أو ربما أكثر، من إجمالي عدد السعوديين البالغ 20.4 مليون نسمة، وهو ما أكدته صحيفة واشنطن بوست الأميركية، في تقرير رصدت فيه تزايد معدلات البطالة والفقر لما بين 2 و 4 ملايين سعودي، مشيرة إلى أنهم يعيشون على أقل من 530 دولارا شهريا، بما يعادل (17 دولارا يوميا)، مؤكدة أن المملكة تخفي هذه النسب والمعدلات عن مواطنيها تجنبا لتفاقم الأوضاع وخروجها عن سيطرتها، بل تذهب تقديرات أخرى إلى القول بأنها تصل إلى 25 أكثر في صفوف الشباب.
كما أنه وبحسب مسح أخير لشركة “إبسوس” العالمية للأبحاث، فإن البطالة تتصدر أبرز الأمور التي تقلق السعوديين بحسب مؤشرات سابقة عام 2017، يتبعها الخوف من الإرهاب، وفق تقارير إعلامية.
وفي ظل مُضي قيادة المملكة في تنفيذ رؤيتها الوهمية للاقتصاد السعودي، ومواصلة مخططاتها التخريبية في المنطقة وتبديد ثروات السعوديين على حروبها وتدخلاتها في مقدرات الشعوب الحرة، تتوقع تقارير دولية أن يرتفع معدل البطالة في المملكة العربية السعودية بحلول نهاية الربع الثاني من العام الجاري إلى مستويات قياسية، وفقا لاقتصاديات التجارة العالمية والنماذج الكلية وتوقعات المحللين.
المملكة تستدين
المثير في الأمر، أن المملكة التي تعد المواطن السعودي برؤية اقتصادية تحدث طفرة بالنسبة للمواطنين، فإن المملكة تتقدم بطلب إلى عدد من البنوك العالمية للحصول على قروض ضخمة، تقدر بعشرة مليارات دولار أمريكي، بهدف تعزيز الصناديق السيادية.
وبحسب صحيفة “الشرق” فإن طلب تلك القروض يتزامن مع توقعات تضمنتها تقارير متخصصة عن أن الاقتصاد السعودي قد يواجه 3 أزمات خلال عام 2018، من بينها عجز الموازنة البالغ أكثر من 52 مليار دولار، والنمو الاقتصادي الضعيف، والتضخم المرتفع، والبطالة المتزايدة، وضخامة الإنفاق العسكري في الموازنة.
ويرى خبراء أن التحولات الاقتصادية والسياسية الخطيرة التي خيمت على المجتمع السعودي خلال الفترة الماضية، وما صاحبها من إجراءات التقشف الحادة ضمن “رؤية 2030” الوهمية، وحملات الاعتقالات الجائرة التي طالت أمراء ووزراء ومسؤولين ومثقفين ودعاة، فضلاً عن ارتفاع حدة الاحتجاجات من قبل الشباب السعودي على أرض الواقع وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وعلى أرض الواقع، تنذر بعواقب وخيمة فيما يخص استقرار الأحوال في الممكلة التي كانت على مر عقود، مقصدًا مميزًا للباحثين عن العمل وتحسين مستواهم المعيشي من مختلف الجنسيات.
اضف تعليقا