العدسة – إبراهيم سمعان

 

يبدو أن وزير العدل السعودي السابق، الدكتور محمد العيسى ورئيس رابطة العالم الإسلامي الحالي، قد دخل فى سباق محموم مع الأمير تركي الفيصل، وزير الاستخبارات السابق، فى الهرولة تجاه التقارب والتطبيع مع دولة ورموز الكيان الصهيوني (إسرائيل) .

وسجلت الأشهر الماضية العديد من اللقاء والمقابلات التي كان أبطالها، العيسى والفيصل، والتي جمعتهما بعدد من الرموز الإسرائيلية، وتنوعت ما بين ندوات سياسية، وزيارات لدور عبادة يهودية فى أمريكا وأوروبا، وكانت أحدث حلقة فى مسلسل هذا التقارب، رسالة العيسى لمديرة متحف الهلوكوست التي اعترف فيها بالمحرقة اليهودية.

سلطت “مجلة نيوزويك” الأمريكية الضوء على الرسالة التي بعث بها وزير العدل السعودي السابق، المقرب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى مديرة المتحف التذكاري للهولوكست فى الولايات المتحدة الأمريكية سارة بلومفيلد فى الثاني والعشرين من الشهر الجاري، ينتقد فيها من ينكرون المحرقة اليهودية.

ووصف العيسي الهلوكوست فى رسالته بأنه جريمة نازية هزت البشرية فى الأعماق؛ وأسفرت عن فظائع لا يمكن لأي إنسان منصف ومحب للعدل والسلام أن يتجاهلها أو يستهين بها .

وقالت نيوزويك إن السعودية درجت على اتخاذ خط متشدد ضد إسرائيل وإنكار للمحرقة، مشيرة إلى أن معادة اليهود أمر شائع فى المملكة، ففى عام 2010، وصفت الكتب المدرسية السعودية اليهود أنهم أحفاد القردة والحنازير، غير أن رسالة العيسى التي جاءت فى مناسبة الذكرى السنوية لمحرقة الهلوكوست، تعتبر علامة على أن العلاقات الإسرائيلية السعودية تشهد دفئا متزايدا .

وقال كريس ميسيرول من معهد بروكينجيز فى تصريح لنيوزويك، إن ” معادة السامية وأنكار المحرقة أمر منتشر فى جميع أنحاء الشرق الأوسط، وبشكل خاص فى السعودية”.

وأضاف ميسيرول: أن العيسى اتحذ خطوة جريئة برسالته نحو تحسين العلاقات بين اليهود والمسلمين، لكن المهم الآن هو ما إذا كان المسؤولون السعوديون سيقرنون كلامهم بالعمل، أم أن الأمر حالة فردية لسعودي يدين المحرقة ويرسل رسالة إلى مؤسسة مقرها واشنطن .

وأشارت المجلة إلى أن إسرائيل والسعودية لا يقيمان علاقات رسمية فى العلن، إلا أن البعض يزعم أن البلدين يعززان العلاقات سرا؛ حيث إن كلا من الرياض وتل أبيب يسعيان للحد من النفوذ الإقليمي المتزايد لعدوهما المشترك وهو إيران.

ولفتت المجلة إلى أنه فى ديسمبر الماضي، اقترح عضو فى مجلس الوزارء الإسرائيلي، أن تلعب السعودية دورا رئيسيا فى المساعدة للتوصل إلى اتفاق سلام فى الشرق الأوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فيما اقترح مسؤولون إسرائيليون آخرون أن يقوم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بزيارة إلى إسرائيل، ولذا فإن الاعتراف بالمحرقة قد تكون خطوة دبلوماسية ذكية من المملكة.

ونقلت نيوزويك عن هاريسون أكنيس، خبير شؤون الشرق الأوسط بمركز هوارد بيكر، قوله إن رسالة العيسى تمثل خطوة إستراتيجية فى الوقت الذي تتطور فيه العلاقات بين إسرائيل والسعودية “.

وأضاف أكنيس “لكن يمكن أن ينظر إلى الأمر من زاوية التنافس الإيراني السعودي، فقد أدلي دبلوماسيون سعوديون فى الماضي بتعليقات مماثلة تدين إنكار المحرقة، على عكس ما ذهبت إليه إيران التي تنكر بشكل روتيني المحرقة، لذا فالاعتراف بالمحرقة كحقيقة تاريخية يعد وسيلة تسعى من خلالها المملكة أن تميز نفسها عن إيران فى نظر الدول الغربية .

هرولة نحو التطبيع

وفي شهر نوفمبر الماضي، قام العيسى بزيارة أكبر كنيس يهودي فى فرنسا، برفقة السفير السعودي في باريس محمد الإنكاري، وقالت صحيفة “جيروزاليم بوست” إن الزيارة تمت بدعوة من الحاخام الأكبر ليهود فرنسا حاييم كورسيي وحاخام كنيس باريس الكبير موشي صباغ.

وسبقت زيارة الكنيس اليهودي فى باريس ، تصريحات للعيسى نقلتها صحيفة معاريف الإسرائيلية، خلال محاضرة في الأكاديمية الدبلوماسية الدولية في باريس، قال فيها إن “أي عمل عنف أو إرهاب باسم الإسلام غير مبرر في أي مكان، حتى في إسرائيل”.

وخلال الندوة السابقة، دعا العيسى صحفيا إسرائيليا لزيارة الرياض ورابطة العالم الإسلامي، وقالت معاريف، إنه عندما أبلغ الصحفي الإسرائيلي غدعون كوتس، خلال زيارته للرياض قام بزيارة قسم اللغة العربية في جامعة الرياض، ردّ عليه العيسى: أنت مدعو لأن تزور في المرة القادمة قسم الدراسات الإسلامية، ومقر الرابطة”.

وفي المقابل يرى البعض أن الأمير تركي الفيصل هو أيقونة التطبيع مع إسرائيل، ففي مايو 2014 شارك الفيصل فى مناظرة مع رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية فى بروكسل، وفى يوليو 2014 كتب مقالا لصحيفة هاآرتس العبرية، أتبعها بمقابلة مع الصحيفة ذاتها فى عام 2015 .

وفى فبراير 2016 التقت عدسات المصورين مصافحة للفيصل مع موشيه يعلون وزير الدفاع الأسبق للكيان الصهوني، ثم عاد الفيصل وشارك فى مناظرة عام 2016 مع الجنرال الإسرائيلي يعقوب أميدرور مستشار الأمن القومي السابق لإسرائيل.

وفي يناير 2017 جمع لقاء ودي الفيصل بـ”تسيبي ليفني” وزيرة الخارجية السابقة لدولة الاحتلال، وخلال شهر أكتوبر 2017 شارك الفيصل فى ندوة عقدت داخل كنيس يهودي بنيويورك بحضور مدير جهاز الموساد الإسرائيلي السابق أفراييم حليفي، وأعرب الأمير السعودي عن امتنانه لوجوده لأول مرة في معبد يهودي، وتحدث عن أمله في ألا تكون الأخيرة، ودافع عن ظهوره العلني المتكرر مع مسؤولين إسرائيليين سابقين.