قنبلة تنتظر نزع فتيلها.. هكذا ببساطة يمكن وصف علاقة كندا بالسعودية منذ صعود بن سلمان إلى ولاية العهد في المملكة وإدارته شؤون البلاد بواجهة والده، حيث تتراوح التجاذبات بين حكومة رئيس الوزراء الكندي المنتخب جاستن ترودو، وبين النظام السعودي صاحب السجل الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان.
ومؤخرا، عادت تلك التجاذبات إلى الواجهة، مع اشتداد النشاط الميليشاوي السعودي ضد المعارضين السعوديين المقيمين في كندا أو أسر المعتقلين في سجون آل سعود، وبرز من بينها ملفا رئيس المخابرات السعودية السابق سعد الجبري المقيم بكندا، والمدوّن السعودي المعتقل في المملكة منذ 2012، رائف بدوي، الذي تعيش زوجته وأولاده الثلاثة في كندا ويحملون جنسيتها.
صراع القصر
صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، كشفت أن شركة مملوكة للدولة في السعودية رفعت دعوى قضائية في محكمةٍ كندية ضد الجبري، بدعوى اختلاس مليارات الدولارات، في خطوة اعتبرتها الصحيفة الأمريكية “تسلِّط الضوء على نزاعٍ ملكيٍّ مرير”.
الشركة السعودية للرقابة الشاملة للتكنولوجيا والأمن (Tahakom)، وهي شركة تابعة لصندوق الثروة السيادي السعودي، رفعت دعوى مدنية في محكمة أونتاريو العليا ضد سعد الجبري، الذي فرَّ من السعودية ويعيش الآن في كندا.
تسلِّط الدعوى المرفوعة ضد الجبري الضوءَ على الصدام الذي وقع في أعلى مستويات النظام الملكي السعودي، وتفرض تدقيقاً غير مسبوقٍ في محكمةٍ غربية على المعاملات التجارية المُبهَمة للعائلة الملكية. وتزعم أن محمد بن نايف تواطأ مع الجبري لتلقي ما لا يقل عن 1.2 مليار دولار من الأموال المُختَلَسة.
وبحسب الدعوى، قام محمد بن نايف بتحويل 55 مليون دولار على الأقل إلى الجبري كرشاوى، ولم يُذكَر اسم محمد بن نايف، الذي لا يزال مُحتَجَزاً في السعودية، كمُدَّعى عليه في الدعوى المرفوعة في المحكمة الكندية.
وكان الجبري كبير مساعدي الأمير محمد بن نايف، الذي عزله الملك سلمان من منصب وليّ العهد في عام 2017، لصالح ابنه الأمير محمد بن سلمان. واحتجزت السلطات السعودية محمد بن نايف العام الماضي، واتَّهَمَته بالتخطيط لانقلاب. فيما تتهم الدعوى الجبري أيضاً بتكليف عائلته وأصدقائه بمسؤولية الشركات لضمان السيطرة عليها، مع الحفاظ على مظهرٍ من الانفصال عنها. وتقول الدعوى: “بينما كانت يد الجابري مخفية، كانت بصمات أصابعه في كلِّ مكان”.
ملاحقة مستمرة
حملةٌ الدفاع عن عائلة الجبري قالت إن العائلة “ستكافح بقوةٍ ضد مزاعم الفساد المُكرَّرة، وهي واثقةٌ من من أنها ستنجح في إلغاء هذه التهم”. وقالت في بيانٍ صدر رداً على القضية: “ترحِّب العائلة بفرصة المواجهة ضد محمد بن سلمان في محافل قضائية محايدة”، ولم يكن من الممكن الوصول إلى محمد بن نايف للتعليق، منذ احتجازه في الرياض العام الماضي.
ويقول أنصار الجبري إن ما أثاره كان العمل المعتاد الذي قام به في المملكة العربية السعودية، وحظي بمباركة الملك الراحل عبدالله، والأمير محمد بن نايف، الذي كان وزيراً للداخلية آنذاك. وجادلت عائلة الجبري بأن الحكومة السعودية تلاحقه، لأنه يعرف أسرار العائلة الملكية، بما في ذلك تفاصيل حول الحياة الشخصية لمحمد بن سلمان، وكيف كان يتلقَّى الأموال وينفقها منذ أن أصبح ولياً للعهد، وما فعله من أجل بسط سلطته.
نظامي قديم
كان محمد بن نايف من قبل أحد أكثر أفراد العائلة الحاكمة في السعودية نفوذاً، علاوة على كونه حليفاً موثوقاً للولايات المتحدة، وعُرِفَ بدوره في المساعدة في محاربة تنظيم القاعدة. وكانت إقالته من منصبه آخر خطوات الصعود السريع لابن عمه الأصغر، محمد بن سلمان، إلى السلطة.
وينسب المسؤولون الأمريكيون السابقون للجبري، الذي ظلَّ لسنواتٍ في جانب محمد بن نايف في وزارة الداخلية، الفضل في المساعدة في وقف الهجمات على الأهداف الغربية. وعُزِلَ من منصبه قبل عدة أشهر من عزل رئيسه، ما دفعه إلى السفر إلى كندا.
رائف بدوي
وغير بعيد، أقرّ البرلمان الكندي بالإجماع، مذكرة تطالب حكومة ترودو بمنح الجنسية الكندية إلى رائف بدوي، المدوّن السعودي المعتقل في المملكة منذ 2012 والذي تعيش زوجته وأولاده الثلاثة في كندا، ويحملون جنسيتها.
المذكرة التي أقرّها مجلس العموم، ونشرتها وكالة الأنباء الفرنسية، تطلب من وزير الهجرة ماركو مينديسينو استخدام “سلطته التقديرية” لمنح الجنسية الكندية إلى رائف بدوي، وفقاً للقانون “من أجل معالجة حالة خاصة وأليمة بشكل غير معهود”.
وبدوي (36 عاماً)، المؤسّس المشارك للشبكة الليبرالية السعودية، مسجون منذ 2012 بسبب تعليقات نشرها على مدوّنته الإلكترونية، دافع فيها عن حرية التعبير وهاجم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد سبق أن طالب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، في عام 2019، السعودية بالإفراج عنه.
ففي نوفمبر 2014 أدين رائف بدوي بالإساءة للإسلام وحُكم عليه بالسجن عشرة أعوام وبجلده ألف جلدة موزّعة على 20 أسبوعاً، تلقّى منها الدفعة الأولى (50 جلدة) في كانون الثاني/يناير 2015، ما أثار ردود فعل دولية مندّدة دفعت بالسلطات السعودية إلى تعليق بقية جلسات الجلد. وفي أبريل الفائت ألغت المملكة عقوبة الجلد.
وبعد إقرار المذكرة قال معدّها رئيس “كتلة نواب كيبك” (انفصالية) إيف-فرانسوا بلانشيت: “الآن وقد أصبح هذا طلباً رسمياً من مجلس النواب، يجب على جاستن ترودو والوزير ماركو مينديسينو التصرّف”، وأضاف في بيان:ش “كلّ يوم مهمّ” لرائف بدوي “في وقت تواجه فيه صحّته في السجن خطراً دائماً”.
.
علاقات متدهورة
تدهورت العلاقات بين أوتاوا والرياض في صيف 2018 بعد أن دعت الحكومة الكندية السلطات السعودية للإفراج عن نشطاء حقوقيين سعوديين، من بينهم سمر بدوي شقيقة رائف بدوي. حيث رفض النظام السعودي حينها سلسلة تغريدات لوزيرة الخارجية الكندية السابقة كريستيا فريلاند، طالبت فيها الرياض بمعاملة أفضل للمدافعين عن حقوق الإنسان، من بينهم بدوي وأخته سمر.
وقد ردّت السعودية على هذه التصريحات بأن طردت السفير الكندي، وقلَّصت حجم التبادل التجاري بين البلدين، وهدَّدت بسحب الطلاب السعوديين الدوليين المسجلين في برامج الجامعات الكندية. فيما قال وزير الخارجية الكندي فرانسوا فيليب شامبين إنه سيواصل الدفاع عن حقوق الإنسان، رغم اعتراض السعودية وقولها إنه على كندا عدم التدخل في شأن قضائي داخلي.
اقرأ أيضاً: “انجبن اللقطاء ونحن سنرعاهم”.. رسالة إفساد جديدة من بن سلمان
اضف تعليقا