العدسة _ جلال إدريس

حالة من الصدمة انتابت أوساط النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد تداول صورة من أحد الكتب الدراسية بدولة الإمارات، تكشف بوضوح تخلي دولة الإمارات عن حق فلسطين التاريخي في القدس الشريف كعاصمة لها، حيث اعتبرت المناهج الدراسية أن”رام الله” عاصمة لفلسطين وليست القدس.

لم يكن هذا كل شيء، لكن الإمارات حرفت أيضًا في مناهجها الدراسية عن العملة الفلسطينية الأصلية، وهي “الجنيه الفلسطيني”، واعتبرت أن عملة الفلسطينيين هي “الدينار الأردني”، وهو ما يمحو كل حقيقة تاريخية تخص الدولة الفلسطينية.

وبينما انتقد مراقبون تلك التصرفات، اعتبرها آخرون متوافقة تماما مع تصرفات وموافق حكومة “أبو ظبي” السياسية، حيث تبدو أن دولة الإمارات في السنوات الأخيرة عازمة وبكل قوة  على الانحياز دائما لجانب دولة الاحتلال الإسرائيلي، على حساب قضية فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.

تهويد “العملة” بعد تهويد الأرض

الأمر لا يحتاج إلى كثير من البحث والمتابعة لمعرفة العملة الأصلية لفلسطين، والتي يجب أن يتم التمسك بها كعملة تاريخية للدولة، حتى لا تضيع كل جذور الدولة ضمن محاولات إسرائيل محو كل ما هو فلسطيني.

ومن المعروف تاريخيًّا، أن الجنيه الفلسطيني هو العملة الرسمية الشرعية لحكومة فلسطين في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين وإمارة شرق الأردن، ما بين عامي 1927-1948، وكان يقسم إلى 1000 مل.

وحل الجنيه الفلسطيني محل الجنيه المصري، الذي تم التعامل به في منطقتي فلسطين وشرق الأردن، منذ احتلالهما من قبل الجيش البريطاني من الدولة العثمانية في 1917، وحتى قرار السلطات البريطانية بإصدار عملة خاصة بهاتين المنطقتين في 1927.

وعند نهاية فترة الانتداب البريطاني في 15 مايو 1948، انحل مجلس فلسطين للنقد، وتوقف إصدار الجنيه الفلسطيني. استمر التعامل بالأوراق والقطع  النقدية الفلسطينية في المملكة الأردنية الهاشمية والضفة الغربية حتى عام 1949، عندما بدأت السلطات الأردنية إصدار الدينار الأردني.

أما في قطاع غزة، فقد حل الجنيه المصري محل الجنيه الفلسطيني في عام 1951، أما في إسرائيل فاستمرت المعاملة بالجنيه الفلسطيني حتى عام 1952، ولكن المؤسسة المصدرة للأوراق المالية كانت شركة إنجلترا فلسطين التي كانت تابعة للمنظمة الصهيونية العالمية.

وفي أوائل الخمسينيات، أقامت إسرائيل بنكا مركزيا أصدر الليرة الإسرائيلية بدلا عن الجنيه الفلسطيني، كل عشر ليرات إسرائيلية أصبحت “شيقلا”، ثم تدهورت قيمة هذا الشيقل ليستبدل كل ألف شيقل بالشيقل الجديد الذي يساوي الآن كل خمسة شيقلات ونصف تقريبا دينارًا أردنيًّا واحدًا.

وبحسب مراقبين، فإن محو كل ذكر عن العملة الفلسطينية، يأتي في إطار محاولات محو كل مايتعلق بالهوية والتاريخ الفلسطيني، وذلك تماشيا مع “صفقة القرن” التي تديرها الإدارة الأمريكية الحالية على قدم وساق، وتستهدف من خلاله تهويد القدس، وذلك بعدما قررت نقل السفارة الأمريكية للقدس بدلا من تل أبيب، بموافقةٍ وصمتٍ عربي ودولي.

“رام الله” بدلا من القدس

و”صفقة القرن” هو مصطلح أطلق على تلك الصفقة التي ينفذها الرئيس الأمريكي “ترامب”، بالتعاون مع قادة وحكام المنطقة العربية، حيث تهدف الصفقة إلى إنهاء وتصفية القضية الفلسطينية للأبد.

وتقوم الصفقة -وفقا لمراقبين- على خطوتين؛ الأولى، هي إنشاء دولة فلسطينية، عبر “تبادل للأراضي” مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وجزء من الضفة الغربية لإسرائيل، مقابل جزء من الأراضي المحتلة عام1948 للفلسطينيين، وإيجاد حل للاجئين من خلال توطين بعضهم في أراضي الدولة المرتقبة، كـ”مصر والأردن” وتعويض الأخيرتين.

وتعمل الصفقة على اعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، بينما تصبح “رام الله” عاصمة للدولة الفلسطينية التي سيتم استحداثها، وتوفر كل من الإمارات والسعودية الدعم المالي لإتمام الصفقة، كما ستعملان على إضفاء شرعية عليها من خلال نوافذهما الإعلامية الواسعة.

أما الخطوة الثانية، فتتمثل في تأسيس “كونفيدراليتين”، شرق وغرب إسرائيل، بما يضمن “ابتلاع” الدولة الفلسطينية الوليدة لتصبح تحت الوصاية الأردنية والمصرية في مهدها.

ووفقا لتقرير سابق لصحيفة “يديعوت أحرونوت الإسرائيلية”، فإن التجهيزات لإتمام “صفقة القرن” تسير على قدمٍ وساق، وتشارك فيها أطراف عربية وإقليمية عدة، ومن المُقرر أن يطرحها الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، في شهر مارس القادم، ولذلك تعمل إسرائيل على مدار الساعة، في تسريب المعلومات حول هذه الصفقة، التي بات يُطلق عليها الـ”صفقة التاريخيّة” في الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وفي هذا الإطار، فإن الصحيفة تؤكد أن “ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وسفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى أمريكا، يوسف العتيبة، والسفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة (رون درمر)، يعملون ثلاثة مستشارين للرئيس الأمريكي “ترامب”، من خارج الإدارة الأمريكية لتمرير تلك الصفقة.

ترحيل الفلسطينيبن من الإمارات

وفي ديسمبر الماضي، اتخذت الإمارات خطوة أثارت جدلا واسعا وقتها، وربط الكثيرون بينها وبين “صفقة القرن” التي تقوم الإمارات فيها بدور المحلل، بهدف تمريرها بهدوء.

الخطوة تمثلت في بدء حكومة “أبو ظبي” في ترحيل نحو 4 آلاف أسرة فلسطينية من المقيمين إقامة قانونية ودائمة بالإمارات، وقررت أن يتم الانتهاء من التحرير قبل منتصف عام 2018 الجاري.

وبحسب مصادر فلسطينية، فإن السلطات الإماراتية تعد مخططًا كبيرًا لترحيل آلاف الفلسطينيين عن أراضيها، خلال الفترة المقبلة، مشيرين إلى أن “هناك قائمة طويلة قد تصل إلى 4 آلاف فلسطيني مقيم ولاجئ في الإمارات سيجرى ترحيلهم خلال الشهور القليلة المقبلة”.

مراقبون وصفوا الخطوة وقتها بأنها تمثل ضغطا على الإدارة الفلسطينية، التي ترفض فكرة إقامة دولة فلسطينية خارج الدولة الفلسطينية، ضمن إطار “صفقة القرن” التي تنفذها الإدارة الأمريكية.

تجهيز “دحلان” بديلا عن “عباس”

كما تسعى الإمارات  أيضا في إطار دوروها في “صفقة القرن”، إلى إسقاط رئيس السلطة الحالي محمود عباس أبو مازن، والإتيان بمحمد دحلان ليكون بديلا له، حتى يقبل العرض الأمريكي المصري، لمنح الفلسطينيين أرضا بديلة لهم في سيناء، وهو ما يتعارف عليه بـ”صفقة القرن”.

ويعمل محمد دحلان مستشارًا أمنيًّا لمحمد بن زايد منذ وقت طويل، كما يمتلك نحو 8 آلاف عنصر من مسلحي فتح يقيمون بين القاهرة والعريش، ويتمتعون بمزايا كبيرة لدى الأجهزة الامنية المصرية، وتوجه إليهم اتهامات عدة بالضلوع في بعض عمليات العنف في سيناء.

ووفقا لتقارير فلسطينية، فإن هناك أوامر مباشرة من الشيخ محمد بن زايد حاكم إمارة أبو ظبي، تسعى إلى تقليل الوجود الفلسطيني داخل الدولة، خاصة المناصرين للرئيس “عباس” من أبناء وقادة حركة “فتح” والسلطة، وهم سيكونون على رأس القائمة التي سيصدر بحقهم قرار الترحيل.

المصادر أكدت أن حكومة أبو ظبي ستنفذ خطوات الترحيل التي ستشمل العائلات الوافدة والعاملين والمقيمين تدريجيًّا؛ لكي لا تلفت نظر وسائل الإعلام المحلية والعربية تجاه سياستها الجديدة ضد الفلسطينيين.

“أبو ظبي” تعبث في حدود الدول

اعتبار “رام الله” عاصمة لفلسطين بدلا من القدس، والدينار الأردني عملة للفلسطينيين بدلا من الجنية، هو أيضا محاولة ضمن محاولات أبو ظبي، التي تعبث فيها بخارطة وجغرافيا الدول، حيث سبق وأن حذفت الإمارات دولة “قطر” من المناهج الدراسية في الإمارات، عقب اندلاع الأزمة الخليجية الأخيرة.

الإمارات أيضا وقعت في خطأ فادح، حين  قامت بحذف “دولة قطر” من خريطة متحف اللوفر، وهو الأمر الذي شكل فضيحة كبرى وأثار جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبالطبع، فإن هذا ليس كل شيء؛ فالإمارات أيضا عبثت في خريطة دولة عمان، حيث قامت بتشويه خريطة (سلطنة عمان)، عن طريق سرقة محافظة (مسندم) وضمتها لحدودها، في تجاوز غريب أشعل غضب مواطني السلطنة الشهر الماضي.

ووصف العمانيون ما قامت به الإمارات بأنه عملية سطو، وأعادوا التذكير بتاريخ المنطقة، وطالبوا أبوظبي والمتحف بالاعتذار فورًا وتصحيح الخريطة، فيما أكد آخرون أن دولة الإمارات دأبت على تشويه الخرائط والعبث بحدود الدول لصالح أجندتها الخاصة.