العدسة – ربى الطاهر
علنا نتفق جميعاً أن الجنس البشري بأكمله يعيش أزمة، أزمة أخلاق بالأساس، فوسائل الإعلام والثقافات الغربية خصوصاً شاركت منذ بداية القرن الماضي على نشر الانحلال والكذب والخداع، فالمفاهيم البديهية التي كانت منذ فجر التاريخ مقاييس للإنسانية كالحب والصداقة واحترام الأكبر سناً وحتى بر الوالدين أصبحت تعيش أزمة انحلال بزمننا هذا .
والحقيقة أن غياب الأخلاق وانحلالها قد دفع الكثير من الناس من بلدان وثقافات مختلفة لهجر المجتمع بطريقة ما والانزواء عن الناس، فقد يكون من شبه الطبيعي أن نجد أناساً قرروا الوحدة الاختيارية وابتعدوا عن البشر بكل ما فيهم من غدر وخيانة وانحلال خلقي، وهي الأمراض التي انتشرت كالنار في الهشيم حتى أصبح من الصعب أن يجد المرء خِلاً وفياً أو صديقا مخلصا.
لكن الأمر الغريب أن يقرر شخص ما الحياة مع الوحوش والضواري بل ويفضل معاشرتها عن معاشرة بني جنسه، فيعيش وسطها كفرد من القطيع، فيتعلم طريقتها في الحياة ويمارس معها كل الأنشطة الإنسانية من أكل وشرب ولعب
المثال الأول هو ( كيفن ريتشاردسون ) خبير سلوك الحيوانات من مواليد مدينة جوهانسبرج عام 1974، والذي يعيش بجنوب أفريقيا، وهو الأخ الأصغر لأربعة أطفال، وتوفى والده عندما كان عمره 13 عاما وعندما أتم عامه السادس عشر بدأ بدراسة علم سلوكيات الحيوان .
“كيفين” يدير حديقة بالقرب من جوهانسبرج، ويعيش فيها مع أكثر من 39 أسداً إلى جانب بعض النمور والضباع، ويقول إن حياته معهم علمته الكبرياء وأشياء أخرى كثيرة لم يكن ليتعلمها لو كانت حياته مع بني جنسه من البشر، والرجل لا يعيش معهم فقط بل ينام بوسطهم ويحتضنهم ويأكل معهم كفرد من القطيع، وذلك بدون صدور أي بادرة غدر ناحيته من تلك الحيوانات التي نسميها مفترسة، في حين أننا كجنس بشري أصبحنا أولى بهذه الصفة .
الرجل الآخر الذي قرر ترك مجتمعه البشري والعيش مع الوحوش اختار الذئاب رفقاء لحياته، يعيش بوسط قطيع كامل منها، ينام معها ويأكل من الفرائس بنفس طريقتها، وهو الألماني فيرنر فريند البالغ من العمر 81 عاماً ، وتعتبره الذئاب واحدًا من القطيع، حيث يشاطرونه النوم والأكل، وقد بدأت قصته مع الذئاب حين وجد أحد جراء الذئاب وقام بتربيته حتى البلوغ ثم أطلقه، ليعود له بعد ذلك مصطحباً أنثى تزوجها بالبرية إلى جانب مجموعة من الجراء، ومنذ ذلك اليوم لم يترك عالم الذئاب فأنشأ حديقة مفتوحة للذئاب بمدينة ميرزج الألمانية أطلق عليها “ مدينة الذئاب” وذلك بعام 1972، وهو يعيش بينهم منذ ذلك العام وحتى الآن، وسط أكثر من 70 ذئباً حتى إنه يأكل معهم من فرائسهم النيئة، ليضمن تقبل القطيع له كذكر مسيطر.
اضف تعليقا