بعد أسابيع معدودة من سيطرتها على مقاليد الحكم في أفغانستان، أعلنت حركة طالبان حكومة البلاد الجديدة برئاسة الملا محمد حسن أخوند، على أن يكون الملا عبد الغني برادر، أحد أهم قادة الحركة، نائبًا له.
وفور إعلان طالبان حكومتها، بدأت الأطراف الدولية المختلفة في التعقيب. فمن جانبها، لم تذكر منظمة الأمم المتحدة موقفها من تشكيل حكومة طالبان بشكل صريح، حيث قالت على لسان فرحان حق نائب، المتحدث باسم الأمين العام للأمم إن المنظمة الدولية لا تشارك في أعمال الاعتراف بالحكومات لأن القرار يعود إلى الدول الأعضاء.
وأضاف المسؤول الأممي: “من وجهة نظرنا فيما يتعلق بإعلان اليوم، فإن تسوية شاملة يتم التفاوض عليها هي وحدها التي ستحقق سلامًا مستدامًا في أفغانستان”، مؤكدًا أن الأمم المتحدة لا تزال “ملتزمة بالمساهمة في حل سلمي، وتعزيز حقوق الإنسان لجميع الأفغان -ولا سيما النساء والفتيات- وتعزيز التنمية المستدامة، بما يتماشى مع جدول أعمال 2030، وتقديم المساعدة الإنسانية المنقذة للحياة والدعم الحيوي للمدنيين المحتاجين”.
موقف أمريكا من الحكومة الجديدة
كما هو معلوم، فإن الولايات المتحدة الأمريكية كانت في طليعة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي شن حربًا ضد حركة طالبان لمدة 20 عامًا. لذلك، فإن الموقف الأمريكي من الحكومة الجديدة من الأهمية بمكان، بالنسبة للدول عامة، ولحركة طالبان على وجه الخصوص. كما أن موقع الولايات المتحدة الرائد في السياسة الدولية -رغم الإخفاقات- ضروري لمعرفة مصير الاعتراف العالمي بالحكومة الجديدة. فهناك دول عديدة حول العالم، سيتوقف اعترافها بطالبان على اعتراف واشنطن نفسها بشرعية الحكومة الناشئة عن الحركة.
وفي هذا، وصف الرئيس الأميركي، جو بايدن، الصين بأنها تواجه مشكلة حقيقية مع حركة طالبان، حيث قال إن بكين وموسكو وإسلام آباد وطهران ستحاول التوصل إلى تفاهم مع حركة طالبان التي شكلت حكومة تصريف أعمال، مشيرًا إلى أن تلك الدول تحاول معرفة ما يتعين عليها فعله للتعامل مع طالبان.
ورغم أن حديث جو بايدن جاء بشكل عام، بقدر ما، فإن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، كان أكثر تفصيلًا من هذه الناحية. حيث قال: “نشعر بقلق من انتماءات وسجلات بعض أفراد الحكومة الجديدة التي أعلنتها طالبان.. نحن نقيم الحكومة المكونة من أفراد ينتمون للحركة ومقربين منها وتخلو من نساء”.
وأكد برايس على أن الشعب الأفغاني يستحق حكومة شاملة، وأن بلاده تتوقع أن تضمن طالبان عدم استخدام الأراضي الأفغانية لتهديد أي دولة، مضيفًا أن “طالبان أعلنت قائمة الحكومة على أنها مؤقتة، وسنحكم عليها من خلال الأفعال لا الأقوال”. كما شددت الخارجية الأميركية أنها ستواصل إلزام طالبان بتعهدها السماح بمرور آمن للأجانب والأفغان الذين يرغبون في مغادرة البلاد.
مراقبة سياسات حكومة طالبان
ويبدو أن هناك تناغمًا بشكل أو بآخر بين المسؤولين الأمريكيين فيما يتعلق بالموقف من حكومة طالبان الجديدة، حيث أن التصريحات المتعددة التي تصدر عنهم تفيد بأن واشنطن ستنتظر لترى أفعال حكومة طالبان وسياساتها، وبناء على ذلك ستقرر الولايات المتحدة إذا ما كانت ستعترف بتشكيل طالبان للحكومة، كجهة حكم شرعية في أفغانستان.
فقد صرحت كذلك المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، قائلة إن واشنطن “ليست في عجلة” للاعتراف بالحكومة الجديدة، معتبرة أن “الأمر سيعتمد على الخطوات التي تتخذها طالبان”، وأن “العالم سيراقب ومن ضمنه الولايات المتحدة”.
علاوة على ذلك، صرح السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، أن تشكيل طالبان حكومة لتصريف الأعمال لا يمنحها الشرعية تلقائيًا، مضيفًا أن الولايات المتحدة وبقية العالم سيراقبون عن كثب لمعرفة الطريقة التي يحكمون بها البلاد في الأسابيع المقبلة.
وربما كان التصريح الأمريكي الأكثر حدة هو تصريح المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، الذي قال إن طالبان ستواجه تحديات ولن تتمكن من تحقيق الاستقرار حتى لو وصلت إلى السلطة بالقوة، مضيفًا أن واشنطن ستستخدم نفوذها، ولن تقدم 3.3 مليارات دولار من المساعدات ولن تبرم اتفاقًا سياسيًا ولن تعترف بطالبان.
وأضاف زلماي أنه علم بزيارة وفد من طالبان للرئيس الأسبق حامد كرزاي أواخر عام 2001 حاملًا رسالة ترحيب من الحركة بالحكومة الجديدة آنذاك، معتبرًا أن هذه قد تكون فرصة مهمة لم تستغل وقد تكون من أخطاء السنوات الـ20 الماضية. لكن في الحقيقة، فإن تصريح زلماي -على أهميته- لا يعكس سياسات واشنطن. حيث إن التصريحات الصادرة من البيت الأبيض مباشرة أو من الخارجية الأمريكية أكثر أهمية بحكم المنصب.
انفتاح تركي حذر
الدولة الأخرى التي صرحت بشكل مباشر على الحكومة الأفغانية الجديدة كانت تركيا. فقد قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال ظهور إعلامي مشترك مع ضيفه رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي: “كما علمتم للتو، من الصعب تسميتها دائمة، تم الإعلان عن حكومة مؤقتة”، مضيفًا: “لا نعرف إلى متى ستستمر هذه الحكومة الموقتة. واجبنا الآن هو متابعة هذا المسار عن كثب”.
أما وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، فقد قال في مقابلة تلفزيونية “نأمل أن تكون الحكومة الأفغانية القادمة حكومة شاملة تضم الجميع، وألا تقتصر على طالبان والبشتون فقط، يجب أن تشمل أعراقًا أخرى مثل الطاجيك والهزارة والتركمان والأوزبك، ويجب أن تضم النساء أيضًا، وكما تعلمون فإن النساء ينظمن مظاهرات في هرات وكابل وغيرهما كي يأخذن موقعهن ويحصلن على حقوقهن، وهن محقات”.
ورغم أن تركيا لم تعترف بالحكومة حتى الآن، إلا أنه يبدو أنها أكثر انفتاحًا من الولايات المتحدة فيما يتعلق بالاعتراف بالحكومة الأفغانية الجديدة. وتبقى الأيام القادمة مهمة في تحديد طبيعة علاقة حركة طالبان وحكومتها المشكلة بباقي دول العالم.
اضف تعليقا