أحمد فارس
دخلت شاحنات مصرية كبيرة من معبر رفح البري إلى قطاع غزة، خلال اليومين الماضيين، بعد قرار من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في خطوة لم تكن متوقعة تماما.
وقرر النظام المصري فتح معبر رفح طوال شهر رمضان، يضع علامات استفهام كثيرة، حول المرونة المصرية الشديدة في هذه الخطوة، خاصة أنها غير مسبوقة، وكان التعلل دائما بالعمليات في سيناء، والتي لا تزال مستمرة حتى الآن، فما الذي تغير؟.

إجراءات غريبة!

قبل التطرق إلى لماذا تحول الموقف المصري بهذه الصورة؟، يجب أولا العودة بالتاريخ إلى اليوم الذي سبق مسيرة العودة الكبرى في غزة، إذ قررت السلطات المصرية فتح معبر رفح بصورة مفاجئة، لعبور وفد رفيع المستوى من قيادات حركة حماس، متوجها إلى القاهرة، للقاء رئيس جهاز الاستخبارات المصرية اللواء عباس كامل.
هذا الاستدعاء المفاجئ قبل يوم واحد فقط من مسيرة العودة الكبرى، فتح باب التكهنات الشديدة على مصراعيه، فيما يتعلق بفحوى هذا الاجتماع، الذي يسبق المسيرة الكبرى.
الغرض من الزيارة المفاجئة لوفد حركة حماس، أشار إلى فحواه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر الشباب الخامس في العاصمة المصرية، متحدثا عن ضرورة تهدئة الأوضاع.
وقال السيسي: “نحن على اتصال مع الجانب الإسرائيلي والجانب الفلسطيني لكي يتوقف نزيف الدم، أتمنى أن تصل الرسالة لإخواننا الفلسطينيين، ألا وهي أنه يجب ألا يؤدي التعبير والاحتجاج على هذا القرار إلى إجراءات تؤدي إلى سقوط المزيد من الضحايا”.
سياق حديث السيسي حول الاتصال بين الجانب الإسرائيلي والفلسطيني -متمثل في حركة حماس-، يشير إلى أنه ربما حاول الوساطة بين الطرفين لتهدئة الأوضاع في القطاع.
ويبدو أن السيسي حاول امتصاص الغضب في قطاع غزة لناحية اتخاذ قرار هو الأغرب في سياق التعامل مع الملف الفلسطيني، وهو فتح معبر رفح طوال شهر رمضان، وهي المدة الأطول منذ وصول السيسي إلى الحكم في 2014، وربما من قبلها.
ومن المعروف في الأوساط المصرية، أن قرار فتح معبر رفح كان أداة ضغط على حركة حماس، لناحية تصدير أزمة داخلية لديها من قبل سكان القطاع، خاصة في ظل التوتر الذي شهدته العلاقة بين النظام المصري والحركة عقب الإطاحة بمحمد مرسي من الحكم في يوليو 2013.
كما أن الجانب المصري كان دائما يتقيد بمسألة فتح المعبر بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي، بما يعني أن ثمة تفاهمات حدثت بين مصر والكيان الصهيوني، على فتح المعبر كل هذه المدة، في محاولة لتخفيف الضغوط على القطاع، مقابل تهدئة الأوضاع على الحدود بين غزة والأراضي المحتلة، وهو ما رصدته تقارير صحفية لناحية هدوء الأوضاع عن يوم الاثنين الماضي، الذي شهد مسيرة العودة الكبرى.

 

رسائل هنية

أطلق إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، عدة رسائل، خلال خطبة الجمعة الماضية، أي عقب انتهاء مسيرة العودة الكبرى، التي سقط على إثرها ما يزيد عن 50 شهيدا، إضافة إلى تجاوز عدد المصابين عن ألفي شخص.
هنية أرسل رسالة أساسية إلى الكيان الصهيوني، مفادها أنه لا وقف لمسيرات العودة قبل رفع الحصار عن القطاع، لمواجهة الدعاية الصهيونية، حول الضغوط على حركة حماس لوقف هذه المسيرات.
وبذلك ينفي هنية كل الأخبار المتداولة والتي كان مصدرها الصحف الإسرائيلية، إذ ذكرت صحيفة “يسرائيل هيوم” أنّ المخابرات المصرية قامت، بعد استدعاء رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، لمحادثات في القاهرة، بإهانته وتوبيخه في مكتب رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، بسبب تنظيم “مسيرة العودة” بقطاع غزة.
ورد بقوله: “إن المسؤولين في مصر لم ينقلوا أي رسائل تهديد إسرائيلية لحماس”.
ولكن هنية، أشار في الوقت ذاته، إلى أن فتح معبر رفح طوال شهر رمضان، “إرهاصات النصر، وبداية لإنهاء المأساة الإنسانية عن قطاع غزة”، بما يشي بأن ثمة تطمينات مصرية بشأن تخفيف حدة الحصار المفروض على قطاع غزة، وإلا لما قدمت القاهرة على فتح المعبر لمدة شهر كامل، على غير العادة.
وربما وصلت حركة حماس لتفاهمات حيال المأساة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع جراء الحصار الشديد، في ظل عرقلة المصالحة من قبل حركة فتح ورئيس السلطة محمود عباس.

وألقى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الكرة في ملعب الفصائل والحركات الفلسطينية في قطاع غزة، بل وفي ملعب سكان القطاع، حينما أكد على أن مسألة مسيرة العودة، حماس ليست متحكمة فيها، وإنما الحركة تتحرك من خلال الإجماع الوطني.
وقال: “الحركة لن تأخذ أي قرار إلا بالتوافق والإجماع الوطني مع الفصائل الفلسطينية”، مؤكداً أنه “إما أن يرفع الحصار كلياً عن قطاع غزة، وإلا فالمسيرة مستمرة حتى تحقيق أهدافها”.

 

صفقات مشروطة!

لا شك أن مسيرة العودة بشكل عام، وتحديدا المسيرة الكبرى الأسبوع الماضي، شكلت فارقا كبيرا لدى بعض الدول في المنطقة العربية، لناحية أن سكان القطاع سيستمرون في تلك المسيرات لحين رفع الحصار المفروض.
هنية أشار في سياق حديثه عن مسيرة العودة الكبرى خلال خطبة الجمعة، عن استقبال تصورات لكيفية التعامل مع حصار غزة من دول وأطراف تحرّكت بعد مسيرة العودة، قبل أن يتطرق إلى رفض حماس الدخول في أي صفقات مشروطة بوقف مسيرات العودة وكسر الحصار.
ونفي وجود أي صفقة بين الحركة وأي طرف عربي أو إقليمي لتخفيف الحصار على القطاع مقابل وقف المسيرات.
على الرغم من أن هنية لم يعلن صراحة عن تفاصيل التصورات التي وصلته، إلا أن السيناريو الأقرب في هذا السياق، إمكانية تدخل بعض الأطراف ربما القريبة من الحركة مثل قطر وتركيا ومصر، لوضع تصورات للمرور من المأزق الحالي للقطاع.
وهنا يمكن أن يكون الدافع الأساسي لدى مصر في فتح معبر رفح، هو الحرج البالغ جراء اتخاذ تركيا قرارا بطرد السفير الإسرائيلي واستدعاء سفيرها في تل أبيب، أو خوفا من دخول الدوحة على خط الأزمة لاحتضان حركة حماس.
وفي حديث هنية عن “صفقات مشروطة”، ومن خلال تتبع تنامي العلاقات الإسرائيلية من بلدان المنطقة، فيمكن التنبؤ بأن هذه الصفقات يمكن أن ترعاها السعودية والإمارات على وجه التحديد.
ودخلت السعودية والإمارات مباشرة إلى “حظيرة التطبيع” خلال الأشهر الماضية بشكل ملفت للنظر، ويؤكد سعي الدولتين على الدخول إلى تلك الحظيرة سريعا، ولكن المأزق الأساسي القضية الفلسطينية.
وليس أدل على ذلك من تصريحات وزير البيئة الإسرائيلي، “زئيف إلكين”، عن سعي دول إسلامية (لم يسمها) إلى تطوير العلاقات مع (إسرائيل).

وقال، في مقابلة مع صحيفة “إزفستيا” الروسية، الجمعة الماضية، إن “بعضها يفعل ذلك علناً، والبعض الآخر وراء الكواليس”.
فماذا الذي يمكن أن تقدمه الدولتان لحماس في إطار صفقة مشروطة، تسوية القضية الفلسطينية يفتح آفاق التطبيع على مصراعيه، وبالتالي فإن تسوية القضية نهائيا من خلال ما يسمى”صفقة القرن”، مفتاح سحري لهذا الأمر، مع إمكانية تقديم مساعدات مالية كبيرة للقطاع.
وكشفت مصادر دبلوماسية غربية، أن الإدارة الأمريكية تجري اتصالات مع إحدى الدول العربية في شأن قطاع غزة، ما يثير قلق السلطة الفلسطينية وغضبها.
وأوضحت المصادر الدبلوماسية، أن مبعوثين من البيت الأبيض زاروا دولة عربية في الأسابيع القليلة الماضية وأجروا اتصالات معها بحثوا خلالها الأوضاع الإنسانية والأمنية والسياسية في قطاع غزة، كما ناقشوا أموراً سياسية حساسة، مثل فرص إقناعها حركة «حماس» باتخاذ خطوات سياسية وأمنية في غزة، من قبيل عدم معارضة المساعي الأمريكية لحل سياسي شامل في المنطقة (صفقة القرن)، وتشكيل إدارة خاصة لقطاع غزة من شخصيات مستقلة تتلقى دعماً مالياً أمريكياً وغربياً لحل المشاكل الإنسانية في غزة.
ويرجح أن تكون هذه الدولة هي السعودية، خاصة مع توافق هذه المعلومات مع تقارير صحفية، تحدثت عن تسليم الإدارة الأمريكية نسخة من صفقة القرن إلى السعودية، للبدء في الترويج لها.
هذه التقارير الصحفية، تتوافق مع ما جاء في حديث هنية، عن “صفقات مشروطة”، أي رفع الحصار ومساعدات مالية للقطاع، مقابل وقف مسيرة العودة والقبول بصفقة القرن.
التغير في المسار السعودي تجاه القضية الفلسطينية، الذي يبدو أقل تعاطفا، عبر عنه بعض الكتاب والإعلاميين في السعودية، إذ هاجم الإعلامي منصور الخميس، مسيرات العودة وتظاهرات ذكرى النكبة.
وقال: “تم خنق حماس الإرهابية وانقطعت عنها الأموال فما كان من إسماعيل هنية ومعاونيه إلا أن يعودوا لابتزاز العرب، مقدمين دماء الأطفال والمراهقين ثمنا لتحقيق هدفهم”.
الإمارات هي الأخرى، لا تجد حرجا في السعي للدخول إلى “حظيرة التطبيع”، إذ كشفت وكالة “أسو شيتد برس” عن لقاء جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” بسفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة “يوسف العتيبة” خلال زيارته إلى واشنطن في مارس الماضي.
ويأتي الكشف عن اللقاء بين “نتنياهو” و”العتيبة”، بالتزامن مع الذكرى الـ70 لنكبة فلسطين، التي توافق 15 مايو الجاري، وبعد أيام أيضًا من إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الانسحاب من اتفاق إيران النووي.
وهو القرار الذي لقي ترحيبًا من السعودية والإمارات باعتبار إيران مصدر تهديدٍ للسلام في المنطقة والعالم، حسب ما يراه البلدان.
وبالتالي فإن الإمارات لا يمكن إسقاطها من حسابات الضغط في سبيل تمرير صفقة القرن والضغط على حماس وسكان القطاع، إذ قررت تخصص 5 ملايين دولار لعلاج المصابين، ولكن السؤال لماذا لا تقدم الإمارات على تقديم مساعدات مالية لسكان القطاع في ظل الحصار المفروض عليهم؟.