العدسة – محمد العربي
ثلاثة اتهامات وجهتها النيابة العامة المصرية لعبد الله الابن الأصغر للرئيس محمد مرسي قبل أن تطلق سراحه بكفالة مقدارها 5 آلاف جنيه، أما أبرز هذه الاتهامات فكانت إصدار بيانات ونشر أخبار كاذبة، وهو الاتهام الذي يمثل ردا على تصريحات أدلى بها عبد الله لعدد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية بعد زيارة قام بها مع أسرته لوالده بمحبسه في سجن ملحق المزرعة بطرة منذ أيام.
عبد الله أكد أن والده الرئيس المعتقل لازال صامدا ولن يتخاذل عن الطريق الذي سلكه وأنه قدم حياته قربانا لحرية الشعب المصري، موضحا أن حالته الصحية كان واضحا عليها أنها ليست في وضع جيد.
وقد شهدت هذه التصريحات تجاوبا كبيرا من أنصار مرسي، خاصة وأنها المرة الثالثة التي يتم فيها زيارة مرسي منذ اعتقاله يوم 3 يوليو 2013، وعزله تماما عن العالم المحيط به، ويبدوا أن التفاعل أزعج رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الذي كان رده سريعا باعتقال نجل الرئيس كرسالة واضحة منه بأن يلتزم الصمت وإلا لقي مصير شقيقه الأكبر أسامة الذي يقضي حكما بالسجن عشر سنوات في القضية الشهيرة بفض رابعة.
لا تفضحونا
تحت هذا العنوان قرأ العديد من المحللين خبر اعتقال النجل الأصغر للرئيس مرسي فجر الأربعاء الماضي، ويشير المحللون إلى أن الرئيس مرسي يتم عزله بشكل كامل حتى لا يكشف عن تفاصيل ما جرى معه قبل الانقلاب وبعده، ولذلك تم منع الزيارة عنه سواء من أسرته أو محاميه، كما يتم سجنه بشكل منفرد وفي سجن منفرد ليس فيه أحد غيره، وحتى في جلسات المحاكمات التي يحضرها مع آخرين يتم وضعه في قفص زجاجي عازل للصوت وعاكس للرؤية حتى لا يقوم بالتواصل مع الآخرين، وهي إجراءات مقصودة من سلطات الانقلاب لضمان عدم تواصل مرسي مع أحد.
وطبقا للمحللين فإن الزيارات التي تمت للرئيس المعتقل كانت بأوامر من المحكمة، وتمت في ظل حراسة مشددة من سلطات السجن، إلا أن رسالة الصمود التي يظهر عليها مرسي تمثل في حد ذاتها تهديدا وتخوفا لقائد الإنقلاب الذي يريد أن يمحو ذكر الرئيس مرسي من التاريخ المصري كما فعل سلفه جمال عبد الناصر مع الرئيس محمد نجيب.
عائلة خلف القضبان
ويشير قانونيون أن اعتقال عبد الله مرسي لم يكن للمرة الأولي، حيث سبق اعتقاله بتهمة حيازة مواد مخدرة وحكمت عليه محكمة مختصة بالسجن لمدة عام قضاها بالحبس الانفرادي في سجن ليمان طرة عام 2014.
وبالإضافة لعبد الله تم اعتقال أسامة الابن الأوسط لمرسي على ذمة قضية فض اعتصام رابعة، وحكمت عليه محكمة الجنايات بالسجن لمدة عشر سنوات، وقد أعلن أسامة الذي كان ضمن فريق الدفاع القانوني عن والده، أن اعتقاله كان ردا على بيان أصدرته أسرة الرئيس عن منع الزيارة عنه منذ انقلاب 3 يوليو 2013، وحذروا في البيان مما يتعرض له والده من ظلم وتضييق وعزل كامل داخل السجن، ما يشير إلى أن هناك مخططا لقتله بشكل لا يثير الشكوك، وفور نشر أسرة مرسي بيانها الذي تلقفته وسائل الإعلام تم اعتقال أسامة من منزله في التاسع من ديسمبر 2016، رغم تأكيدات سابقة له من مسئولين بالأمن أنه غير مطلوب على ذمة أية قضايا، وفي نفس يوم اعتقال أسامة تم ضمه لقضية فض اعتصام رابعة.
حياته بخطر
وقد أصدرت العديد من المؤسسات الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان تقارير متعددة حذرت فيها من الانتهاكات التي يتعرض لها الرئيس مرسي في السجن، من أبرزها تقرير أصدرته هيومن رايتس ووتش في 2017 تحت عنوان “عزلة مرسي تقوض حقوقه”، أكدت فيه أن الظروف التي تحيط بسجن مرسي ومحاكمته تقوض فرص الطعن في احتجازه وإعداد دفاعه في الملاحقات القضائية الكثيرة ضده، وربما تسهم في تدهور صحته. حيث تعرض خلال الأسبوع الأول من يونيو 2017 لغيبوبة سكّري أفقدته وعيه مرتين كما أكد محاموه.
ويقول جو ستورك، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش في التقرير: ” السلطات المصرية انتهكت بشكل خطير حقوق الرئيس مرسي في الإجراءات القانونية الواجبة، وربما تدخلت في عدم توفير العلاج الطبي المناسب له. وتلقي المعاملة التي يلقاها مرسي الضوء على الظروف التي يعاني منها آلاف المعتقلين السياسيين في مصر”، وقد استند التقرير لتصريحات أطلقها مرسى أثناء محاكمته أكد فيها أن ما يتعرض له “جرائم لها تأثير مباشر على حياته”
ويشير التقرير أن الرئيس مرسي واجه منذ الإطاحة به 5 محاكمات منفصلة وهي التخابر مع حماس والهروب من سجن وادي النطرون، والتخابر مع قطر وأحداث الإتحادية وأخيرا إهانة القضاء، قد تنوعت العقوبات بين الإعدام قبل أن يتم إلغاؤه في قضية التخابر مع حماس، إلى السجن المؤبد نهائيا في قضايا الاتحادية والتخابر مع حماس، ومازال يخضع لإعادة المحاكمة في قضايا التخابر مع حماس والهروب من سجن وادي النطرون.
ويشير المتابعون لخطورة الحالة التي يعيشها مرسي لتقرير لمنظمة السلام للدفاع عن حقوق الإنسان ومقرها سويسرا، والتي اعتمدت في تقريرها على الشكاوي التي قدمها محامو مرسي، وكذلك الحديث المباشر لمرسي لهيئات المحاكم المختلفة والتي رصد فيها معاناته وحرمانه من أدنى حقوقه كمواطن وليس فقط رئيس للجمهورية تم الانقلاب عليه.
أنقذوا والدي الرئيس
وفي يونيو الماضي أطلقت أسرة مرسي من خلال النجل الأكبر أحمد الذي يعمل طبيبا، نداء استغاثة للمجتمع الدولي بضرورة التحرك من أجل إنقاذ الرئيس المعتقل الذي يتعرض لموت ممنهج بطئ.
وطبقا لرسالة متلفزة دعا النجل الأكبر لمرسي سلطات الانقلاب بمنح والده أدنى حقوقه المنصوص عليها في الدستور والقانون، وتساءل نجل مرسي: “متى تتوقف الانتهاكات الجسيمة التي يعلمها الجميع ويصم عنها أذنيه؟” مضيفا: “متى يأتي اليوم الذي ينال فيه (والده) أقل القليل من حقوقه؟”. مستطردًا: “نحن نتكلم بعد 5 سنوات كاملة”.
وفي أول اختراق لحالة التعتيم الإعلامي المفروض على وضع الرئيس مرسي كشف محمد الدماطي محامي مرسي في حوار صحفي لجريدة المصريون، أن موكله يتعرض لانتهاكات جسيمة داخل محبسه، مؤكدا أن الرئيس لا يزال متمسكًا بشرعيته ولن يتنازل عنها حتى لو كلفه الأمر حياته.
وأكد الدماطي أن هيئة الدفاع عن الرئيس مرسي لم تلتق به إلا لمرتين الأولى كانت يوم7 /11/2013، وضمت خمسة أفراد منهم محمد سليم العوا ونجله أسامة مرسي، في سجن برج العرب بالإسكندرية، والثانية كانت في 2016 قام بها عبد المنعم عبد المقصود المحامي لمدة عشر دقائق في محبس الرئيس بملحق المزرعة بطرة، وتمت الزيارة في ظل حراسة أمنية مشددة
كما كشفت تقارير صحفية متعددة تفاصيل ما يتعرض له مرسي في السجن منذ نقله مع رئيس ديوانه السفير محمد رفاعة الطهطاوي يوم 4 يوليو2013 من مقر إقامته باستراحة نادي الحرس الجمهوري بالقاهرة، للقاعدة البحرية بأبي قير بالاسكندرية، ثم نقله لزنزانة بملحق سجن برج العرب بالإسكندرية وأخيرا استقراره بسجن ملحق الزراعة بطرة.
واختلف وضع مرسي أثناء وجود بسجن ملحق المزرعة، عن الوضع الذي كان عليه في برج العرب فزنزانته بملحق المزرعة أكثر انعزالا وأقل في المساحة، وكان يسمح له بالتريض والتشمس لمدة ساعتين في اليوم؛ الأولى من 8 إلى 9 صباحا، والثانية من 3 إلى 4 عصرا، قبل أن يتم منع التريض عنه منذ مارس 2017.
وتشير التقارير لمضايقات كثيرة تعرض لها الرئيس المعتقل، بدأت بتجريد زنزانته من كل محتوياتها سواء السرير المعدني أو المقعد البلاستيكي، ومنع الصحف اليومية القومية عنه، ومنع إيداع أمانات في حسابه بالسجن، ليتم إجباره على تناول وجبات السجن المنزوع منها الملح، والتي لا تصلح للغذاء الآدمي، كما منعت إدارة السجن الأدوية الدورية المخصصة له، سواء التي يتم صرفها من قبل مستشفى السجن، أو من خلال إرسالها مع المحامين في الجلسات، ما أدى لارتفاع نسب السكر لديه بشكل كبير ، ولم يسمح له بالذهاب لمستشفى السجن أو لمستشفى خارجي رغم أوامر المحكمة المتكررة في ذلك، وفي كثير من الأحيان يتم الاكتفاء بإرسال عسكري ممرض له إذا زادت حالته الصحية سوءا.
تخويف المعارضة
وطبقا لتقرير موسع لصحيفة “البايس” الإسبانية فإن الهدف من الإجراءات القمعية مع مرسي هو تخويف المعارضة ومخالفي السيسي سواء من داخل الجيش أو خارجه من نفس مصير مرسي إذا خرجوا عن طوع السيسي، وطبقا للصحيفة الإسبانية “فإن النظام المصري الحالي يعذب مرسي في السجن، ويستخدمه مثالا لتخويف المعارضة”، واستندت الصحيفة لتقارير صادرة عن المنظمات الحقوقية أشارت لـ “تعرض مرسي لاعتداء حاد وقاس، يمكن اعتباره نوعا من أنواع التعذيب”.
اضف تعليقا