رغم أن الاتفاق بين صندوق النقد الدولي والسلطة المصرية حاليا بدأ منذ شهور طويلة، إلا أن ثمة إجراءا جديدا اتخذه الصندوق، ربما يشير لدلالات بعينها، ويعكس تطورات مهمة، وهو إقدامه على تعيين ممثل مقيم له بمصر (مراقب).
صحيفة “المال” المصرية، المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، نقلت عن مصدر بالصندوق تأكيده أنه تم تعيين رضا باقر ممثلا مقيما للصندوق في مصر، ومراقبا للبرنامج الاقتصادي للحكومة المصرية، والتي تنفذه بالتنسيق مع الصندوق.
لقاء مع غادة والي
التعيين يبدو أنه تم منذ فترة، لكن لم يتعامل معه الإعلام المصري بأهمية، أو ربما هكذا طلب منه، حيث فوجئ الكثير من المتابعين، في أوائل سبتمبر الماضي، بتداول خبر مفاده أن وزيرة التضامن غادة والي قابلت (مدير مكتب صندوق النقد الجديد في القاهرة) رضا باقر، والذي زار مقر الوزارة، للوقوف على تفاصيل حول الخدمات التي تقدمها للمواطنين تحت بند برامج الحماية الاجتماعية، التي طلب الصندوق من مصر تطويرها لتكون وسيلة لتقليل آثار التضخم غير المسبوق، والذي يضرب البلاد، وتجاوز 35% في يوليو الماضي، و33% في سبتمبر.
“غادة والي” و “رضا باقر”
الغريب أن جريدة “المال” حينما نشرت خبر تعيين “باقر” ممثلا مقيما للصندوق في مصر، أوردت اسمه بلكنة أجنبية “ريزا باكر”، وكذلك نقلته عنها وسائل إعلام مصرية أخرى، وليس “رضا باقر”، وثمة تحليل سريع هنا يشير إلى رغبة متعمدة لعدم إبراز الاسم العربي “باقر”، لأنه من المعروف أن هذا الاسم شيعي، وقد يثير الأمر بلبلة لا داعي لها.
أمران مهمان
خطوة تعيين الصندوق ممثلا مقيما له بمصر تشير بوضوح إلى أمرين:
الأول وجود اختلافات بين الصندوق والحكومة المصرية حول طريقة تطبيق البرنامج الاقتصادي المتفق عليه، أو ربما عدم إدارة جيدة من الحكومة لهذا البرنامج…
أما الأمر الثاني، فيشير إلى دخول البرنامج الاقتصادي أكثر مراحله حساسية وقسوة على المواطنين، حيث من المنتظر هذه المرة رفع الدعم تماما عن المحروقات والطاقة، وتوجيه ضربة قاسية لدعم التموين، مما قد ينتج عنه آثار سياسية وأمنية غير مسبوقة.
لكن معارضين تعاملوا مع خبر تعيين “رضا باقر” على أنه دخول جديد للمندوب السامي “كرومر” إلى مصر، معتبرين أنه لم يأت ليتابع أو يراقب، بل ليعطي أوامر واضحة للحكومة، ويضع البنك المركزي تحت الوصاية.
من هو رضا باقر ؟
هو باكستاتي، “يقال” إنه شيعي، حاصل على الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا وبكالوريوس الآداب من جامعة هارفارد.
“باقر” متخصص في قضايا الديون السيادية وإدارة التدفقات الرأسمالية وتحليل قابلية الاقتصادات في الأسواق الناشئة.
مبنى “صندوق النقد الدولي”
عمل باقر لمدة 17 عامًا بصندوق النقد الدولي في مناصب متعددة، منها رئيس لبعثات رومانيا وبلغاريا، إلى جانب تعيينه في وقت سابق ممثلًا مقيمًا للصندوق في الفلبين.
تجربة رومانيا
وعلى ذكر تعيين “باقر” السابق ممثلا مقيما لصندوق النقد في رومانيا، قد يكون من المفيد استعراض تجربة رومانيا مع الصندوق سريعا.
واجهت رومانيا أزمة اقتصادية كبيرة عام 2009، فلجأت إلى تلقي المساعدات والقروض من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، واقترضت 20 مليار يورو (28 مليار دولار)، وتبنت الحكومة خطة تقشفية لخفض عجز الموازنة الذي وصل إلي 7.2% من الناتج المحلي لإيصاله إلي 6.8% في 2010 ثم 4.4% في 2011، وشملت الخطة التقشفية الاستغناء عن 70 ألف موظف حكومي وخفض الأجور.
وضعت رومانيا نظاما ضريبيا بالاتفاق مع صندوق النقد أثر بشكل مباشر على الطبقات الفقيرة في البلد، وعندما حاولت رومانيا تعديل النظام الضريبي للتخفيف من معاناة الطبقات الأشد فقرا بخفض ضريبة القيمة المضافة علي السلع الغذائية الرئيسية من 24% إلى 5% وإلغاء الضرائب المفروضة على رواتب التقاعد الأقل دخلا، اعترض صندوق النقد بحجة أن التعديل يخل بالخطة التقشفية للبلاد ويضاعف عجز الموازنة.
المثير أن رومانيا لا تزال حتى الآن تعيش وضعا اقتصاديا مترديا، وسياسيا غير مستقر، والمظاهرات ضد أداء الحكومة المتردي، وعدم مكافحتها للفساد كانت مستمرة حتى وقت قريب.
رفع أسعار الوقود
ومن المعروف أن الصندوق لا يزال حتى الآن غير راض عن أداء الحكومة في التدرج برفع الدعم عن الوقود، ففي المراجعة التي نشرها صندوق النقد عن الاقتصاد المصري في 26 سبتمبر الماضي، طالب بوضوح ، برفع أسعار الوقود قبل السنة المالية الجديدة، محذرا من تجميد خطة زيادة أسعار الوقود حتى العام المالي المقبل، خشية تعرضها لمخاطر زيادة تكلفة المواد البترولية بسبب الأسعار العالمية وسعر الصرف.
وأشار التقرير إلى أن زيادة تعريفة الكهرباء ورفع أسعار الوقود مرتين في نوفمبر 2016 و يونيو 2017 كانت إجراءات حاسمة في سبيل تغطية تكلفة إنتاج هذه السلع..
لقاء “السيسي” بوزير المالية “عمرو الجارحي”
لكن نتيجة لتعويم الجنيه لم تكن هذه الزيادات في أسعار الوقود كافية لتحقيق خطة الحكومة لخفض دعم الوقود كنسبة من الناتج المحلي، ورفعت التكلفة لمستويات ما قبل إعداد برنامج الإصلاح الاقتصادي”.
وكان وزير المالية عمرو الجارحي، قد قال في تصريحات، في 27 سبتمبر، إن الحكومة “لا تنوي “تحريك” أسعار الوقود خلال السنة المالية الحالية”، مما يعني أن هناك قلقا حكوميا واضحا من توابع أي رفع جديد لأسعار المحروقات والطاقة، لأن الخطوة السابقة كانت شديدة الوطأة على المصريين، حتى وإن كان النظام يراهن على عصاه الأمنية وخوف الناس، وصمتهم تجاه الزيادات السابقة، فإنه لا يمكن توقع ردة الفعل، حال إقرار زيادات جديدة بشكل يعجز معه عدد كبير من المواطنين عن الحياة بكرامة نهائيا.
الاختلاف بين الصندوق والحكومة حول الرفع الجديد لأسعار الوقود، من المتوقع أن يكون على رأس جدول أعمال “رضا باقر” في القاهرة خلال الأيام المقبلة.
انتفاضة الخبز
ثمة نقطة مهمة يجب أن نلفت إليها، وهي أن الممثل المقيم الذي عينه صندوق النقد في مصر بعهد السادات “بول ديكي” تسبب بتوصياته للحكومة، التي تحولت إلى طلبات ملزمة وتحت الضغط اتخذت الحكومة قرارا برفع الدعم عن عدد من السلع الأساسية يوم 17 يناير 1977، لتندلع في اليوم التالي مظاهرات جماهيرية في طول البلاد وعرضها، أسماها السادات “انتفاضة الحرامية”، وتراجع أمامها سريعا…
صورة أرشيفية من مظاهرات 77
وكان هذا التراجع مثار انتقاد من عبد الفتاح السيسي، حينما أكد، في تصريح له أبريل 2017، أن “تأخر قرارات الإصلاح الاقتصادي خشية رد الفعل الشعبي أدى لتراكم الأزمات الاقتصادية واستفحالها”.
فهل ينجح السيسي فيما فشل فيه السادات؟ وهل يجدد “باقر” ذكريات “ديكي” أم أنه سيمر مع السيسي بسلام؟
اضف تعليقا