العدسة – معتز أشرف

في ضربة قاضية من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته السابعة والثلاثين، التي ظن فيها رباعي الحصار والقمع، الإفلات من قبضة العدالة الدولية، أطلق المقرر الخاص المَعْنيّ بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب سهامًا من جعبته في مواجهة فساد قوانين مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، ومنها في دول؛ الإمارات والبحرين ومصر والسعودية، بالتزامن مع تقرير حقوقي تحليلي للانتهاكات التي يقودها الأربعة المتهمون دوليا بالقمع والاستبداد: محمد بن زايد، وعبد الفتاح السيسي، ومحمد بن سلمان، وحمد بن عيسى، في ضربة قاضية للملف الأبرز الذي يدعي الرباعي تنفيذه، بينما هم يستغلونه كلافتةٍ للقمع.

 الضربة الأممية!

بحسب تقارير حقوقية، فقد وجه المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب انتقادات واسعة لكافة الانتهاكات التي شهدها العالم، وفي القلب منه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ حيث أكد في تقريره أن التزام القوانين بحقوق الإنسان ومعاييرها يمكّن الدول من حماية حقوق الإنسان القابلة للانتقاص خاصة عندما تواجه الحكومات تحديات استثنائية تتطلب تقييدات تناسبية وضرورية لحقوق الإنسان.

 

وشدد علي ضرورة أن تكون حالات الطوارئ وتدابير الأمن القومي استثنائية على أن يكون العودة إلى الحماية الكاملة لحقوق الإنسان في غضون فترة زمنية معقولة، خاصة أنه طالما ارتبطت حالات الطوارئ بانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، مؤكدا وجود علاقة بين سلطات الطوارئ المتأصلة والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، محذرا من استمرار إضفاء الدول الطابع المؤسسي على حالات الطوارئ، واستبعاد سيادة القانون وهو ما شهدته دول كالإمارات والبحرين والكويت ومصر والسعودية.

 

وأوضح المقرر الخاص أن الإرهاب ظاهرة قديمة وعالمية، لكنه يفتقر إلى تعريف شامل ومتفق عليه بموجب القانون الدولي، في ظل استغلال القانون في غير المراد له ، وفي ظل استقطابات سياسية واسعة داخل الدول وخارجها، فيما أشار كذلك المقرر الخاص إلى أن المجتمع الدولي طور  19 صكًا قانونيًا دوليًا لمنع الأعمال الإرهابية، ونبه إلى أن الإرهاب قد يسوّغ اللجوء إلى حالة الطوارئ، ولكن هذا لا يعني في حد ذاته استخدام الدول سلطات الطوارئ لمواجهة  الإرهاب، لا سيما عندما يكون القانون العادي للدولة كافياً وقوياً، معربًا عن قلقه من أن تنظيم مكافحة الإرهاب يمكن أن يكون بمثابة ذريعة لاستمرار حالة الطوارئ.

 الإمارات

تقدمت الإمارات في سجل أبرز الانتهاكات منذ 20  أغسطس 2014 بإصدار القانون رقم 7 لسنة 2014 بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية، وتواجه السلطات الإماراتية انتقادات مستمرة،  بسبب هذا القانون؛ حيث واصلت قوانين مكافحة الإرهاب التقليدية منع الضحايا وعائلاتهم من التحدث علنا ضد الانتهاكات، كما يتعرض سكان الإمارات الذين يُعرف أنهم تحدثوا إلى منظمات حقوقية دولية لخطر الاعتقال التعسفي والسجن، حيث ينص قانون مكافحة الإرهاب الإماراتي لعام 2014 على عقوبة الإعدام للأشخاص الذين تؤدي أنشطتهم إلى “الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي”، دون تعريف الأمرين في القانون .

كما لاحق القانون العديد من الاختلالات التي تهدد الحريات العامة في البلاد، حيث يحتوي قانون الإرهاب الصادر في أغسطس 2014 ( المادة 14) على تعريف مبهم وفضفاض لمفهوم الإرهاب أدى إلى تجريم أي شخص يعارض ممارسات الحكومة في إطار سلمي بدعوى ارتكابه لجريمة إرهابية، كما أن المفهوم الشامل للإرهاب في القانون الإماراتي يستعمل لإدانة أي تحرك سياسي معارض أو مطالب بالإصلاحات بحجة أنه نشاط “يهدد السلم الاجتماعي” أو ” يمنع احدى مؤسسات الدولة أو احدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها” ويندرج ضمن هذا البند كل من يتظاهر في الطريق العام أو أمام مؤسسة عمومية أو يعطل سلطة من السلطات العامة في إطار عمل احتجاجي أو مطالبة بحق من الحقوق وإن لم يكن ذا صبغة سياسية.

مصر

أما النسخة المصرية من قانون الإرهاب الصادر في أغسطس 2015،  على يد قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي ، فقد تم تسجيل العديد من الانتهاكات منها تخصيص محاكم إرهاب لقضايا اعتبر أنه من الممكن أن تنظر فيها محاكم الجنايات العادية، بالإضافة إلى نص آخر يجيز حضور المحامين دون حضور المتهمين لجلسات المحاكمة.

وردت نقابة الصحفيين على هذا القانون واعتبرته تقييداً لحرية الرأي والتعبير، ويحرّض على العنف والتمييز بين المواطنين، ويعيد من جديد عقوبة حبس الصحفي، ومصادرة حقه في الحصول على المعلومات من مصادرها المختلفة، الأمر الذي يمثل ارتداداً واضحاً على حرية الرأي والنشر والتعبير، كما انه يتضمن تعريفاً فضفاضاً “للجرائم الإرهابية” والذي من الممكن أن يتم استخدامه كأداة لخنق الاحتجاج السلمي.

نصوص هذا القانون المعيب، أو كما وصفته نقابة الصحفيين “مقيد للحريات” ، يتيح للدولة إلصاق تهم متعلقة بالإرهاب بكل معارضيها، حتى إذا كانت مطالبه تتعلق بالإصلاح أو المطالبة بمحاربة الفساد، ما يعزز دوافع التطرّف والإرهاب ويسهم في انهيار ركائز ومؤسسات الدولة، فضلا عن تعارضه مع المادة 71 من الدستور المصري وتشكيله اعتداءً سافراً على الدستور وأحكام المحكمة الدستورية العليا  كما استخدمت السلطات قوانين مسيئة لمكافحة الإرهاب لإدراج مئات الأشخاص على قوائم الإرهاب وتجميد ممتلكاتهم، بناء على صلات مزعومة بجهات إرهابية دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.

السعودية

وفي السعودية لم يختلف الوضع عن غيرها من الدولة سالفة الذكر حيث تضمن قانون مكافحة الإرهاب تعاريف غامضة وفضفاضة للأفعال الإرهابية، ويعاقب عليها في بعض الحالات بالإعدام، بعد أن حل القانون الجديد محل قانون مكافحة الإرهاب الذي صدر في عام 2014 وانتقد على نطاق واسع، كما أضاف تعاريف لأفعال إرهابية محددة ومبادئ توجيهية تتصل بالحكم عليها، يشمل القانون عقوبات جنائية مثل السجن بين 5 إلى 10 سنوات لوصف الملك أو ولي العهد “بأي وصف يطعن بالدين أو العدالة” بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ويجرّم مجموعة واسعة من الأعمال السلمية التي لا علاقة لها بالإرهاب.

وينص “قانون جرائم الإرهاب وتمويله”، المنشور في 1 نوفمبر 2017، على سحب صلاحيات واسعة من وزارة الداخلية، التي أعادت السلطات السعودية تنظيمها في عام 2017، ونقلها إلى النيابة العامة، المنشأة حديثا، و”رئاسة أمن الدولة”، وهما هيئتان تقدمان تقاريرهما مباشرة إلى الملك، كما يتضمن القانون الجديد تعريفا فضفاضا للإرهاب على غرار القانون السابق. إذ تشمل قائمة الأفعال التي يعرفها كإرهاب “الإخلال بالنظام العام، أو زعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة، أو تعريض وحدتها الوطنية للخطر أو تعطيل النظام الأساسي للحكم”، وكلها عبارات غامضة استخدمتها السلطات السعودية سابقا لمعاقبة  المعارضين  والناشطين السلميين.

 البحرين

وفي عام 2014 دخلت المنامة مظلة قوانين مكافحة الإرهاب سيئة السمعة وتضمن القانون العديد من المواد المناهضة لحقوق الإنسان، واستخدمته السلطات في محاكمة مدافعين عن حقوق الإنسان ومحتجين مسالمين كما شملت عقوباته إسقاط الجنسية على أساس الإدانة في محاكمة غير عادلة ينتهك حقوق البحرينيين بموجب القانون الدولي في حين أضير الشيعة من التمييز في الوظائف وطالبوا بملكية دستورية.

وتصدر ضحايا القانون جلسات المحاكم في البحرين ففي 31 مايو  أحلّت المحكمة المدنية العليا، بناء على طلب الحكومة، “جمعية العمل الوطني الديمقراطي” اليسارية العلمانية (وعد)، كما استجوبت السلطات في مطار البحرين الدولي الناشطة الحقوقية ابتسام الصايغ في مارس  بعد عودتها من اجتماعات بالاشتراك مع مجلس حقوق الإنسان في جنيف. اتهمت السلطات الصايغ يوم 18 يوليو  بدعم أنشطة إرهابية بموجب قانون مكافحة الإرهاب في البلاد.

 قطر تواجه !

وفي المقابل حرصت قطر رغم التهم الموجهة لها بدعم الإرهاب، علي إصدار قانون في يوليو 2017 بتعديل قانون مكافحة الإرهاب الصادر في العام 2004، حيث أشارت تقارير إلى القلق الدائم من انتهاك حقوق الإنسان تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، واستخدامه كحجة من قبل بعض الأنظمة القمعية للوقوف ضد تطلعات شعوبها المشروعة في الحرية” فيما يتهمها البعض بدعم الإرهاب وفي مقدمتها: السعودية والإمارات والبحرين ومصر، خاصة بعد إدراج بعض هذه الدول جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب، وهو ما ترفضه قطر باعتبار الإخوان حركة سياسية شعبية لا علاقة لها بالإرهاب، فيما أشارت تقارير دولية إلى رفض قطر الإرهاب بكافة أشكاله وصوره، ومهما كانت أسبابه ومبرراته، وأيا كان مصدره، ومن أي جهة كانت.