العدسة – منذر العلي
معادلة من نوع غريب تنتجها السودان التي تحتوي على العديد من المُقوِّمات السياحية الكفيلة بجعلها مقصدًا سياحيًا يضاهِي أمثاله في المنطقة؛ كمصر، وتونس، وتركيا، والمغرب، وغيرهم.
وعلى الرغم من ذلك تغيب الخرطوم عن خريطة الوجهات السياحية الأكثر تفضيلًا، ولم تتخطَّ إيرادات السياحة فيها المليار دولار إلا بقليل عام 2016، رغم أنها زادت على 2015 بأقل من 100 مليون دولار، وفق إحصاءات رسمية.
وطغت صورة الحرب في العقدين الأخيرين على الوجه الآخر للسودان، كبلد يمثل وجهة سياحية ساعدته مساحته الكبيرة وتضاريسه، وتاريخه العريق على تنوع بيئاته السياحية، من أهرامات في أقصى الشمال، وحياة برية في الجنوب الشرقي، إلى محمية بحرية ومواقع أثرية للإنسان القديم في شرقه، ومرتفعات جبلية تحاكي مناخ البحر الأبيض المتوسط في غربه.
” أحد المعالم السياحية بالسودان “
وتبدو المشكلة الأمنية المصاحبة لصورةٍ ذهنيةٍ سلبية عن السودان في الخارج، وضعف البنية التحتية، وغياب الخطط والاستراتيجيات الخاصة بالتنمية السياحية، في مقدمة الأسباب التي لا تعطي الخرطوم ميزةً نسبيةً لما تحتويه من آثار ومقومات طبيعية.
الأمر أثار تعجب المحرر بصحيفة “تلجراف” البريطانية “شارلز ليدبيتر”، الذي تساءل في تقرير ميداني: رغم أنها مليئة بالآثار القديمة، التي تعود إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد، إضافةً إلى الأهرامات، والتماثيل، ولكن رغم ذلك تخلو من السياحة، لماذا؟
وقال التقرير: “هذه الكلمة الواحدة (السودان) هي السبب وراء انخفاض أعداد المسافرين إلى المواقع المطموسة في هذا البلد.. ولكن هذه الأمة لديها سمعة مشهورة عن المتاعب التي قد تمتدّ إلى الغزو المصري في القرن 21 قبل الميلاد على أراضيهم، ولكن الأراضي تعددت ألوانها بتعدد الأمم التي دخلتها في الـ200 سنة الأخيرة”.
“ففي عام 1821 كان السودان مضمومًا تحت ظلال الحكم العثماني؛ ثم تواطأت أقدام النفوذ البريطاني الاستعماري على البلاد في عام 1882؛ ثم حدث استقلال البلاد في عام 1956؛ ثم دخلت البلد في حرب أهلية أدَّت في نهاية المطاف إلى ولادة دولة مستقلةٍ في جنوب السودان، وذلك في عام 2011″، بحسب التقرير.
” الحرب الأهلية في السودان “
وتابع في محاولةٍ لتقصي الأسباب التاريخية لأزمة السياحة: “ثم هوت الدولة في العنف في فترة التسعينيات، ورأت الولايات المتحدة أن تعتبر هذه الدولة راعية للإرهاب، وصولاً إلى المرحلة التي أُسقِطت فيها القنابل على العاصمة الخرطوم. وحتى الآن، فقد أُدرِج المواطنون السودانيون في قائمة حظر السفر الذي فرضه عليهم ترامب. وتتوقعون وجود سياح؟ إنّه لأمر مدهش أن يوجد سياح أصلًا”.
جدل الأهرامات
في مارس الماضي، زارت الشيخة موزة بنت ناصر والدة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، السودانَ، لتفقد مشروع لترميم وتنمية الآثار السودانية، الذي بدأ باتفاق وقعته الدوحة والخرطوم عام 2013، بتكلفة 135 مليون دولار.
ولعلَّ الحديث عن السياحة السودانية، يعيد إلى الأذهان الزيارة التي أحدثت حالةً من الجدل والتراشق الإعلامي بين مصر والسودان، خاصة في أعقاب زيارة والدة أمير قطر، لأهرامات منطقة “مروى” التاريخية شمال السودان.
زيارة “الشيخة موزا” لأهرامات منطقة “مروى” التاريخية شمال السودان
وأثارت صور الزيارة، التي كانت الأولى من نوعها للسودان، ردود فعلٍ غاضبة من إعلاميين مصريين، خاصة بعد تصريحات لوزير الإعلام السوداني، أحمد بلال، تزامنًا مع الزيارة أشار فيها إلى أنّ الأهرامات السودانية أقدم من المصرية بألفي عام.
لكن الحقيقة العلمية المجردة، وفق مختصين، تروي أنَّ أبعاد الأهرامات التي بُنِيت شمالي السودان ضمن الحضارة النوبية تختلف بشكلٍ ملحوظٍ عن أهرامات الجيزة؛ حيث الأولى أصغر كثيرًا من حيث الحجم، كما تبلغ زاوية انحدارها 70 درجة تقريبًا.
“غونتر دراير”، البروفيسور بالمعهد الألماني للآثار، قال إنّ أهرامات “مروي” السودانية قلدت آخر الأهرامات التي بُنيت خلال المملكة الحديثة في مصر القديمة، التي كانت تتميز بالصغر وشدة الانحدار.
أهرامات “مروى” بشمال السودان
أهرامات “الجيزة” بمصر
وأضاف: “الأهرامات المبنية بهذا الشكل (الصغر وشدة الانحدار) بُنيت كمقابر لفراعنة الأسرة الخامسة والعشرين، ولهذا فإنها بُنيت بعد نحو ألف عام” من بناء أهرامات الجيزة المعروفة.
مبشرات وشواهد إيجابية
على مدار الأشهر الماضية، انتعشت آمال السودانيين في تجاوز العثرة السياحية، الناتجة عن الحروب التي مزّقت البلاد، فأدت لانفصال الجنوب عن الشمال واشتعال النزاعات المسلحة في العديد من المناطق وأبرزها دارفور، فضلًا عن الصورة النمطية للبلاد كوطن حرب وفقر ومجاعة.
وفيما لا تلوح في الأفق حلول لهذه النزاعات، أظهرت الحكومة، خلال الأعوام القليلة الماضية، جدية لتطوير قطاع السياحة، وجعله واحدًا من الموارد الرئيسة لخزينتها؛ إذ تستهدف تحديث البنية التحتية في مناطق الآثار النوبية، التي تفتقر للفنادق وشبكات النقل والكهرباء.
وتوقع وزير السياحة السوداني ارتفاع عائدات السياحة إلى 5 مليارات دولار، عندما تنتهي الخطة الخمسية في 2020، وهذا رقم يعادل أكثر من ثلث إيرادات الموازنة العامة، البالغة نحو 14 مليار دولار، للعام الحالي.
انتعاش آمال السودانيين كان مرجعه عدة شواهد إيجابية خلال الفترة القليلة الماضية؛ ففي أبريل الماضي كشفت إحصاءات رسمية، سبق الإشارة إليها، أنَّ عدد السياح الذين زاروا السودان في 2016 وصل إلى نحو 800 ألف سائح، مقابل 741 ألفًا عام 2015، و683 ألفًا في 2014.
إجتماع “منظمة السياحة العالمية”
وفي سبتمبر أعلن السودان انتخابه لأول مرة في تاريخه لعضوية المكتب التنفيذي لمنظمة السياحة العالمية، حيث احتلّ وزير السياحة السوداني “محمد مصطفى أبوزيد”، مقعد إفريقيا في المكتب التنفيذي للمنظمة.
وفي أكتوبر رفعت الولايات المتحدة الأمريكية غالبية العقوبات الاقتصادية والتجارية المفروضة على السودان منذ أكثر من 20 عامًا.
وراهن وزير السياحة السوداني على انتعاش السياحة في بلاد بعد رفع العقوبات؛ حيث كان الحظر المصرفي الذي يمنع التحويلات المالية من وإلى السودان “من أكثر العقبات التي تواجه قطاع السياحة”.
أشهر الوجهات السياحية
ونشرت العديد من التقارير الإعلامية خريطة بأبرز الوجهات السياحية التي يتمتع بها السودان، ومنها:
- سنقنيب (جزيرة الشعب المرجانية) بولاية البحر الأحمر، تعدّ واحدة من أهم المناطق السياحية البحرية في العالم، وتتميز بتنوُّع حيوي فريد، وتزخر بمئات الشعب المرجانية الملونة، التي يصل عددها إلى 124 نوعًا، وهي الجزيرة الوحيدة في البحر الأحمر التي تكتمل فيها دائرة الشعب المرجانية.
- حديقة الدندر.. محمية طبيعية على الحدود الجنوبية الشرقية للسودان، على مشارف إثيوبيا، وتتميز بتنوع أحيائي هائل من الحيوانات البرية والطيور؛ إذ تضمّ أكثر من 40 نوعًا من الحيوانات البرية و260 نوعًا من الطيور.
- آثار النوبة: مملكتا مروي ونبتة وكرمة.. وسط صحراء الشمال الناعمة حتى تخوم مصر، تمتدّ أهرامات ومعابد تعود إلى الحضارة النوبية، منها مملكتا مروي ونبتة وكرمة على الضفة الشرقية للنيل، بين الشلال الخامس والشلال السادس.
وتضمّ الأهرامات رفات ملوك وأمراء ونبلاء حكموا بلاد النوبة على امتداد التاريخ، وقصورًا قديمة مثل معابد الآلهة أمون وإيزيس، ومعبد الشمس.
- النقعة.. مدينة أثرية سودانية قديمة، كانت إحدى مدن المملكة الكوشية في مروي، وتقع على بُعْد 150 كلم شمال الخرطوم، وتضمّ معابد تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وتعدّ من أهم المراكز الحضارية في إفريقيا.
- مدينة كرمة.. من أقدم المدن التاريخية، يعود تاريخها إلى أكثر من 9 آلاف عام واسمها النوبي هو دكي قيل، أي الهضبة الحمراء، كانت هذه المدينة عاصمة الكوشيين وتقع في الولاية الشمالية من السودان.
- جبل مرة “جنة عدن المعلقة”.. يقع جبل مرة جنوب غرب السودان، في ولاية غرب دارفور، يبلغ ارتفاعه 10 أقدام فوق مستوى سطح البحر، وهو ثاني أعلى قمة في السودان.
عبارة عن جبل بركاني ذي ارتفاع تدريجي متعدد القمم والارتفاعات، وتوجد على قممه العديد من البحيرات البركانية بسبب امتلاء الفوهات الخامدة عبر ملايين السنين، بمياه الأمطار، ما ينتج عن هذه البحيرات تسرُّب المياه عبر الصخور البركانية، التي تتدفق منها بضعة شلالات مثل شلال قلول وشلال نيرتتي وشلال مرتجلو، وشلال سوني وغيرها.
اضف تعليقا