نشرت وكالة الصحافة الفرنسية “أ ف ب”، تقريرًا موسعًا، في أكتوبر الماضي، تناولت فيه الأوضاع التي يمر بها اقتصاد إمارة دبي، بوابة دولة الإمارات على مدار السنوات الماضية، وأشهر مدنها عالميًا، إذ أشارت إلى التراجع الكبير في عدة قطاعات حيوية في الإمارة بمقدمتها قطاع العقار، ووصفت الوكالة المرحلة التي يمر بها اقتصاد هذه الإمارة بأنه الأسوأ منذ عشر سنوات، مستشهدة بعدة مؤشرات للتدليل على التراجع الذي أصابه، كما اعتبرت مبادرات الإمارة لجذب المستثمرين الأجانب غير مربحة.
وبذلك تعيش إمارة دبي أسوأ أيامها الاقتصادية بسبب تدخلات أبوظبي في سياسات عدة دول في المنطقة العربية، تزامنًا مع انخفاض أسعار النفط، ما جعل دبي تواجه مشكلات متصاعدة، كما أن خوف المستثمرين نتيجة السياسات الخاطئة في البلاد جعل خسائر دبي ليست في مجال اقتصادي واحد، بل تعددت ليخيم الركود على الأسواق العقارية والبورصة والمصارف وبناء المشاريع العملاقة والمهرجانات الدولية.
ارتفاع معدل التضخم
قال وكالة رويترز البريطانية، يوم الأحد الماضي، إن الأصول الأجنبية لمصرف الإمارات المركزي، تراجعت بنسبة 0.8%، لتصل إلى 374.3 مليار درهم (101.91 مليار دولار) في الربع الثالث من العام الجاري، وعزا المصرف في بيان السبب الرئيسي للتراجع، إلى هبوط نسبته 84.8% في الأوراق المالية الأجنبية، بما يعادل انخفاضا قدره 33.3 مليار درهم.
وفاق هذا التراجع زيادات في أرصدة الحسابات الجارية والودائع المصرفية في الخارج، والتي صعدت بمقدار 27.5 مليار درهم في نهاية الفترة، وزيادة ثلاثة مليارات درهم في أصول أجنبية أخرى، إذ تسيطر حالة من الركود على الاقتصاد الإماراتي بفعل التباطؤ الذي طال قطاعات حيوية مثل العقارات والتجزئة.
جاء معدل التضخم في النطاق السالب على أساس سنوي، للشهر التاسع على التوالي، حيث أظهرت بيانات صادرة عن الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء، في وقت سابق من الشهر الجاري، أن معدل التضخم سجل انكماشا خلال سبتمبر، مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، مسجلا سالب 2.17 في المائة، حيث التضخم بالسالب يشير وفق تصنيف صندوق النقد الدولي، إلى تراجع النشاط الاقتصادي وانخفاض الائتمان، ما يؤثر بشكل ملحوظ على الإنتاج ويدفع إلى الركود ويزيد من معدلات البطالة والتعثر المالي.
“إكسبو دبي 2020” لجذب الاستثمارات
في المقابل وفي محاولة منها لمواجهة الركود والتدهور، أطلقت حكومة الإمارات من فترة لآخرى مشاريع تشييد كبيرة في إطار “رؤية الإمارات 2021” ومعرض “إكسبو 2020” لجذب مزيد من الاستثمارات والأعمال، حيث تقدر قيمة هذه المشاريع خلال العامين الماضيين بنحو 2.5 مليار دولار من بينها توسيع مترو دبي ومطارها وبناء محطة للطاقة الشمسية.
وألغت وزارة الاقتصاد الإماراتية الرسوم التي كانت تفرضها على 115 خدمة حكومية رسمية من بينها الرسوم على التراخيص الصناعية والعلامات التجارية وبراءات الاختراع والسجلات العقارية، وقبل ذلك أطلقت الإمارات أسوة بالسعودية وقطر نظامًا يقضي بمنح الإقامة الدائمة للمستثمرين والكفاءات الأجنبية بمختلف المجالات.
التدخل الإماراتي في حرب اليمن
يعد خطر اندلاع حرب على مضيق هرمز من أبرز المخاطر التي تواجهها الإمارات، فضلًا عن توسيع نطاق الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة بالشكل الذي أضعف النمو العالمي وقلص الطلب على النفط ومصادر الطاقة الأخرى، إذ أن مداخيل الدولة من النفط تقلصت بنسبة بين عامي 2014 و 2018.
يضاف لما سبق، فإن تغطية تكاليف التسلح والتدخل في حرب اليمن وضخ الأموال من أجل محاربة ثورات الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط والتي تستنزف أموالا ضخمة يتم تغطيتها من احتياطات البلاد من العملات الصعبة أو عن طريق الاقتراض، حيث وصلت قيمة الدين العام في عام 2018 إلى أكثر من 246 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 58 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ نحو 425 مليار دولار في نفس السنة حسب مؤسسة التجارة والاستثمار الألمانية.
يرجح المحللون استمرار المنحى الصاعد لهذا الدين على وقع بقاء أسعار النفط على مستواها الحالي، إذ أنه من المعروف أن عائدات النفط هي المحرك الأساسي لمشاريع الدولة في كل دول الخليج، كما أنها محرك رئيسي لعقود وأعمال القطاع الخاص يتعلق القسم الأكبر منها بمشاريع الدولة.
توقف مشاريع حكومية
طالت المشاكل في السوق الإماراتي مشاريع حكومية يتم التحدث عن أهميتها وفائدتها الاقتصادية منذ سنوات، ففي نهاية أغسطس 2019، نقلت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية للأنباء عن مصادر مطلعة أن دولة الإمارات أوقفت العمل في بناء مطار “آل مكتوم” الدولي في إمارة دبي؛ من جراء تراجع أداء اقتصادها، مؤكدة أنه “تم تجميد التمويل حتى إشعار آخر”.
من جهتها قالت مؤسسة مطارات دبي، في بيان للوكالة، إنها تراجع الخطة الرئيسية طويلة المدى لمشروع المطار الذي كان من المفترض أن يكون من بين أكبر المطارات بالعالم، وإن “الجدول الزمني الدقيق وتفاصيل الخطوات التالية لم يتم الانتهاء منها حتى الآن”، إذ يشار إلى أنه تم تأجيل الموعد الذي كان محدداً لافتتاح المرحلة الأولى من المطار، والتي تصل تكلفتها إلى 36 مليار دولار، 5 سنوات إلى 2030.
التباطؤ مُستحكم بدبي حتى 2022
توقعت وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد أند بورز”، مطلع سبتمبر الماضي، أن يتواصل التباطؤ الذي يشهده اقتصاد دبي منذ 2014 حتى عام 2022، مرجعة ذلك إلى انخفاض أسعار النفط وتداعيات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والاضطرابات السياسية.
وأفاد تقرير للوكالة الدولية أن مستوى النمو في دبي تأثّر بالتراجع في قطاعي العقارات والسياحة، الأساسيين بالنسبة للإمارة، مضيفًا أن قيمة الدين العام في دبي بلغت حوالى 124 مليار دولار أو 108% من إجمالي الناتج الداخلي، بين الحكومة والشركات المرتبطة بالدولة، ورجّحت الوكالة أن تتباطأ تجارة الترانزيت التي تساهم بشكل كبير في اقتصاد دبي جرّاء الحرب التجارية بين واشنطن وبكين وانخفاض مستوى الطلب إقليمياً بسبب العقوبات على إيران المجاورة.
بعد تراجع قطاع العقارات والركود في عدد السيّاح، حيث كانت دبي تتوقّع استقطاب 20 مليون زائر سنوياً بحلول 2020 عندما تستضيف معرض إكسبو الذي يستمر لستة أشهر، لكن عدد السيّاح بلغ أقل من 16 مليوناً خلال العامين السابقين، بحسب أرقام رسمية ذكرت أن دبي استقبلت 8.3 ملايين زائر في النصف الأول من 2019.
يشهد سوق العقارات الذي يساهم بنحو 7% في إجمالي الناتج الداخلي تراجعاً منذ منتصف عام 2014 مع انخفاض أسعار البيع والإيجارات بنسبة الثلث، وتشير الوكالة أن التباطؤ الحاد مستمر رغم اتّخاذ الإمارة سلسلة إجراءات خلال العام الماضي لتعزيز اقتصادها وجذب المستثمرين الأجانب عبر تسهيل قوانين الإقامة والأعمال التجارية، بما في ذلك السماح للأجانب بامتلاك مشاريع تجارية بشكل كامل خارج مناطق التجارة الحرة.
اضف تعليقا