رغم التنديد الدولي بسجون الإمارات في اليمن.. اتفاق الرياض يتجاهل القضية!
في الخامس من نوفمبر تم توقيع اتفاق الرياض بإشراف السعودية والإمارات بين ما يسمى “الحكومة الشرعية” وبين متمردي “المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي تدعمه الإمارات وتشرف على عملياته الإجرامية والعسكرية، إلا أن أبوظبي شعرت بخطورة الموقف، وبالتالي أعادت السعودية إلى واجهة الأحداث لكي تحمل عنها عبء هذه الحقائق التي قد تكلف اقتصاد الإمارات الكثير والكثير.
إن الاتفاق الذي كثرت الدعاية الإعلامية له وشمل ترتيبات اقتصادية وسياسية وترتيبات عسكرية، إضافة إلى الترتيبات الأمنية، لم يتناول أو يتطرق في جميع جوانبه للسجون الإماراتية في اليمن والتي تعج بالمدنيين ويُنتهك فيها حقوق الإنسان بشهادات واعترافات مسجلة لدى المنظمات الدولية.
اتفاق الرياض صيغ بطريقة فضفاضة
قالت مجموعة الأزمات الدولية، إن الاتفاق المبرم بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي،”يضع السعودية في قلب منظومة صناعة الاتفاقات وتتولى بموجبه الرياض المسؤولية السياسية والأمنية الأكبر في جنوب اليمن بعد أن كانت الإمارات اللاعب الرئيسي في هذه المنطقة”.
وأضافت المجموعة في مقال تحليلي أعده الخبير المتخصص بالشؤون اليمنية “بيتر ساليزبري” أن اتفاق الرياض، قد يمهد إلى تسوية سياسية شاملة في اليمن، كما أنه يجعل المحادثات المرتقبة بين الشرعية والحوثيين المدعومين من إيران أكثر شمولاً، مما يساعد على معالجة قصور في المحادثات السابقة التي تقودها الأمم المتحدة، لكنه (أي الاتفاق) يمكن أن يؤدي إلى جولة حرب أخرى بعد توقف مؤقت.
وأوضحت المجموعة أن الاتفاقية الموقعة في الرياض تحمل بصمات الصفقات اليمنية السابقة التي فشلت، في إشارة إلى اتفاق ستوكهلم المبرم بين أطراف الصراع الأساسية أواخر عام 2018، واتفاق السلم والشراكة الذي فرضه الحوثيون إبان اجتياحهم للعاصمة صنعاء أواخر عام 2014، كما أكد التحليل أن الاتفاق “صيغ بطريقة فضفاضة” مرجحاً أن ذلك الغموض “كان مطلوبًا لحث الخصمين على التوقيع عليه”.
وأشار التحليل إلى “أن الاتفاق ترك الكثير من الأسئلة المتعلقة بالتنفيذ دون إجابة, حيث يدعو إلى تشكيل حكومة جديدة وإلى سلسلة من إصلاحات الأجهزة الأمنية في عدن في غضون 30 يومًا من التوقيع، تشمل تشكيل قوات مختلطة وإزاحة ونقل الوحدات العسكرية خارج المدينة ونقل وتجميع الاسلحة إلى مواقع تحت إشراف السعودية”، لكن الاتفاق “لا يحدد أيما ترتيب مُعين يتعين على الأطراف البدء بموجبه تنفيذ هذه الخطوات”.
اتفاق الرياض يمهد لانقسامات عديدة
ذكر مركز كارينجي للشرق الأوسط اللبناني أن اتفاق الرياض الذي تم توقيعه بين الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، يهدف الى تقسيم مناطق النفوذ بين السعودية والإمارات في اليمن، وإبقاء البلاد تحت وصاية القوى الإقليمية ويجردها من السيادة، وقال المركز، ان الاتفاق يحمل من خلال غموضه بذور المزيد من الانقسامات بين الأحزاب اليمنية ويمكن أن تكون مقدمة لصراعات جديدة، كما اعتبره تفاهم أوسع بين الرياض وأبو ظبي بالدرجة الأولى.
وأوضح المركز إن الاتفاق يضفي الشرعية على الوجود العسكري السعودي الإماراتي في مناطق اليمن، بما في ذلك أقصى شرق محافظة المهرة الخاضعة لسيطرة المملكة، ما يعني أن الرياض وأبو ظبي، ستواصلان حرية التصرف في الشؤون اليمنية الداخلية، وأشار إلى أن الاتفاقية تحتوي على مرفقات تغطي الترتيبات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، الأمر الذي يوضح جلياً، ان كل الخطوات في الاتفاق تركز على تقسيم مناطق السيطرة بين السعودية والإمارات.
وبين المركز أن الأحداث الأخيرة التي وقعت في أغسطس الماضي بين الشرعية والانتقالي، ما هي إلا تمهيد لتشكيل خريطة السيطرة على الجنوب، وبالتالي الذهاب لاتفاق الرياض، فبحسب المركز فإن اتفاق الرياض يتجاهل العديد من الفصائل، ومن الممكن ان يكون ذلك الاقصاء سبباً في خلق انقسامات لا نهاية لها بين أولئك الذين شاركوا في الاتفاق.
سجون الإمارات في اليمن
لم يتم تسليط الضوء على أكثر الملفات تعقيدًا وحساسية في الاتفاق الذي تم التوقيع عليه الأسبوع الماضي ، ألا وهو سجون الإمارات في اليمن، والتي تجاوز عددها الـ18 سجناً تديرها الإمارات بنفسها وسط صمت دولي وعالمي مخيف حيال الفظائع التي ترتكبها الإمارات في هذه السجون، فمؤخرًا أعلنت منظمات حقوقية عن سجون ومعتقلات سرية إماراتية جنوب اليمن بغطاء من شركة توتال الفرنسية، لتكون أداة لفرض سيطرتها وإخضاع المناهضين لها بالإخفاء القسري والتعذيب والاعتداءات .

كانت أولى التقارير عن هذه السجون في العام 2017، حيث كشفت وكالة “أسوشييتد برس” الأمريكية عن الجرائم التي ترتكبها الإمارات بحق السجناء وكيف تعرّضهم لأبشع أنواع التعذيب والذل، وقالت الوكالة حينها إنها حصلت على معلومات من شهود عيان ومعتقلين سابقين “تفيد بأن الحراس اليمنيين العاملين تحت إشراف ضباط إماراتيين استخدموا أساليب مختلفة للتعذيب والإذلال الجنسي في خمسة سجون سرية على الأقل تديرها الإمارات في اليمن”، متهمة ضباطاً إماراتيين بالتورط في اغتصاب معتقلين.
فيما أكد فريق الخبراء الأممي بشأن اليمن وجود حالات من العنف الجنسي في مركز الاعتقال في البريقة، بين عامي 2017 و2019، وقال إنه وثّق منها حالات “اغتصاب ستة رجال وصبي واحد، بالإضافة إلى حالات اعتداءات جنسية وعري قسري أخرى”، مؤكداً رفض القوات الإماراتية التعاون والسماح بالوصول إلى تلك السجون.
من جهتها، أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن الإمارات احتجزت تعسّفًا وأخفت قسرًا عشرات الأشخاص، مشيرة حينها إلى أنها وثّقت حالات 49 شخصاً، من بينهم 4 أطفال تعرّضوا للاحتجاز التعسفي أو الإخفاء القسري في محافظتي عدن وحضرموت، العام الماضي.
سجن سري للإمارات داخل “توتال” الفرنسية
كشفت صحف ومنظمات غير حكومية فرنسية، في 7 نوفمبر 2019، عن وجود سجن سري استخدمه الإماراتيون في 2017 و2018، داخل موقع لاستخراج الغاز في مدينة بلحاف جنوب اليمن، تستغل جزءاً منه مجموعة “توتال” الفرنسية، وقالت منظمات مرصد التسلح و”سموفاس” و”أصدقاء الأرض”، في تقرير، إنها حصلت على تلك المعلومات “بحسب مصادر متاحة وشهادات، حيث يؤوي منذ 2016 مليشيا قوات النخبة في شبوة، تحت إشراف دولة الإمارات”.
وكشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن وجود سجن سري في قاعدة عسكرية أقامتها الإمارات منتصف عام 2017 على جزء من حقل للغاز جنوب اليمن، متسترة بمجموعة “توتال” الفرنسية لتكون جزءاً منه، حيث يقع السجن الإماراتي في قاعدة عسكرية أقامها الإماراتيون على جزء من حقل لاستخراج الغاز في مدينة بلحاف جنوب اليمن، والذي جرت السيطرة عليه بطلب من الحكومة اليمنية.
بينما أكد تقرير صدر عن ثلاث منظمات غير حكومية (مرصد التسلح وسموفاس وأصدقاء الأرض) أن الموقع يضم مصنعاً للتسييل ومحطة لتصدير الغاز الطبيعي المسال، ولكنه توقف عن العمل في 2015 بسبب الحرب في اليمن، إذ قالت المنظمات في التقرير إنه “حسب مصادر متاحة وشهادات، فإن السجن يؤوي منذ 2016 مليشيا قوات النخبة في شبوة، تحت إشراف الإمارات، والشهادات تتحدث عن معاملات غير إنسانية ومهينة تتمثل في الحرمان من الرعاية والتعذيب، ارتكبها جنود إماراتيون”.
وأشار التقرير إلى أن “الأشخاص المسجونين فيه متهمون بصورة عامة بالانتماء إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” بالاستناد غالبًا إلى شبهات لا أساس لها أو إلى انتقام شخصي”، كما كشف تقرير آخر لوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية وفي يونيه 2018 تعرّض المئات من المعتقلين اليمنيين للتعذيب والانتهاكات الجنسية من قبل ضباط إماراتيين في سجن سري.
تحذيرات من الانتهاكات داخل سجون الإمارات
حذّر رئيس المكتب السياسي لمجلس الحراك الثوري فادي حسن باعوم من خطورة “الانتهاكات التي تمارسها الإمارات والسعودية في مدن الجنوب”، معتبراً أن “خطف الرياض وأبوظبي النشطاء السياسيين والزجّ بهم في سجون سرية، جريمة يجب ملاحقة مرتكبيها، ومنع تكرارها بكل السبل المتاحة”.
وكشف باعوم في سبتمبر الماضي عن “عمليات تعذيب طالت قيادات من المجلس الثوري، في سجون تديرها الإمارات والسعودية في مدن الجنوب”، ولفت إلى أن “السبب فقط يكمن في انتقاد سياسات التحالف على مواقع التواصل الاجتماعي، أو المشاركة في وقفات تضامنية سلمية مع المعتقلين”.
من جانبها، قالت ميليسا باركي، عضو الفريق الأممي المعني برصد انتهاكات حقوق الإنسان باليمن، ” أن هناك مراكز اعتقال سرية يصعب الوصول إلى بعضها، وأن الإمارات لديها مثل هذه الأنشطة لا سيما جنوب اليمن”، وفي السياق ذاته، انتقد التقرير الحقوقي السنوي الذي تصدره الخارجية الأمريكية، وترصد فيه واقع حقوق الإنسان في مختلف الدول عبر العالم، سجل السعودية والإمارات في حرب اليمن.
من جهتهم، أشار محققو الأمم المتحدة الذين عيّنهم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في عام 2017، في تقرير إلى “جرائم حرب” محتملة مع انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان بما في ذلك أعمال قتل وتعذيب وعنف جنسي في اليمن، حسب وكالة “فرانس 24”.

ويؤكد انتهاكات الإمارات في اليمن، شهادة المعتقل السابق لدى الإمارات في سجون عدن، عادل سالم الحسني، الذي قال في منتصف سبتمبر الماضي إن “كل ما أورده التقرير الدولي عن انتهاكات الإمارات في السجون صحيح”، لافتاً إلى أنه “ظل في سجن تديره الإمارات في عدن ما يقارب عامين، مارس ضدّه ضباط إماراتيون شتّى أنواع التعذيب”.
وأضاف الحسني أنه “رأى معتقَلين في سجن بئر أحمد ينزفون دماً بعد تحرُّش ضباط إماراتيين بهم بآلات حديدية”، مشيراً إلى أن “الفريق الدولي لم يتمكن من رصد كل السجون السرية التابعة للإمارات والسعودية في مدن الجنوب، ومن تلك السجون سجن بئر أحمد والجلاء وقاعة وضاح، ومنزل مدير أمن عدن شلال شايع، وسجن 7 أكتوبر والوحدة، إضافة إلى سجن مطار الريان”.