بعد ما يزيد عن 10 أيام من القصف الإسرائيلي لغزة، قُتل ما لا يقل عن 227 شخصًا من بينهم 64 طفلًا و36 سيدة، وتم تدمير مكاتب وكالة الأسوشييتد برس والجزيرة وغيرهما.

في مصر، أصدر النظامُ تعليماته لأذرعه الإعلامية لتسليط الضوء على العنف الإسرائيلي في القدس وغزة، علاوة على استخدام مصطلح “المقاومة الفلسطينية”، والكتابة عن هذه المقاومة بشكل إيجابي.

كما دعت خطبة الجمعة التي بثها التلفزيون الرسمي من الجامع الأزهر، حكامَ العرب والمسلمين إلى الخروج عن صمتهم لإنقاذ فلسطين، كما قال إن “ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”.

واتخذت التوجيهات نغمة مختلفة عن تعليمات مجموعة الواتساب التي وزعتها المخابرات العامة على كبار المحررين الإعلاميين في عام 2020، عندما طالبتهم بالإشارة إلى ما يسمى بـ “صفقة القرن” على أنها “خطة سلام”، وذلك بخلاف وجهة نظر الفلسطينيين أنفسهم الذين كانوا -ولا زالوا- ينظرون إلى المشروع على أنه مشروع أمريكي لتأمين مصالح إسرائيل.

وفي عام 2019، صعدت وسائل الإعلام التي تديرها الدولة من العداء للفلسطينيين لتبرير زيادة التعاون الأمني ​​بين مصر وإسرائيل وقادت حملة تشويه ضد رامي شعث لتبرير استمرار سجنه.

خلال الأيام الأخيرة، لاحظ المراقبون أن الحكومة المصرية بالفعل توجه خطابها إلى منعطف مغاير لما دأبت عليه الحكومة منذ وصولها إلى السلطة بانقلاب عسكري عام 2013. ففي حين كان يتم التسامح مع التضامن الفلسطيني من قبل الحكومات المصرية المتعاقبة، فقد لوحظ على نطاق واسع أن هذا لم يكن بالتأكيد هو الحال في ظل النظام الحالي.

مع تدفق القتلى والجرحى على مستشفى الشفاء بغزة خلال القصف الإسرائيلي على غزة في 2018، دعت وزارة الصحة الفلسطينية مصرَ لتزويد المستشفيات في غزة بالأدوية وإرسال الجراحين والأطقم الطبية لنقل الجرحى إلى المستشفيات في مصر.

وكانت تركيا هي التي استجابت لهذا النداء، ولكن عندما وصلت طائراتهم لنقل المصابين منعتهم السلطات المصرية من الهبوط في مطاراتهم.

أما هذه المرة، فقد نشطت مصر جزئيًا في هذا الإطار، وتم تجهيز ثلاث مستشفيات داخل شمال سيناء لرعاية الجرحى، وهناك 50 سيارة إسعاف في رفح لنقل المرضى، كما أرسلت مصر 15 سيارة محملة بالوقود و 13 محملة بالطعام.

وحسب بعض الصحفيين والأطباء داخل القطاع، فقد سمحت مصر بدخول 35 جراحًا و 17 شاحنة من المعدات الطبية إلى غزة ؛ كما سجل أكثر من 1000 طبيب مصري رغبتهم للتطوع مع نقابة الأطباء المصرية، ولكن لم يدخل أي منهم غزة حتى الآن.

 

  • المساومة بالمقاومة

 

وتكهن محللون بأن تغيير مصر في المسار هو وسيلة تتخذها القاهرة لتعزيز موقعها كوسيط رئيسي في المنطقة تجاه إسرائيل وفلسطين، قبل تركيا أو الدول التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وخاصة الإمارات، التي بينها وبين النظام المصري خلاف مكتوم في الآونة الأخيرة.

ويرى محللون أيضًا أن هذه محاولة من قائد الانقلاب المصري، عبد الفتاح السيسي، لإرسال رسائل لإدارة بايدن التي لا تريد التواصل معه منذ قدومها إلى السلطة في الولايات المتحدة في يناير الماضي.

 

  • اعتقال المتضامنين مع فلسطين..

 

على الرغم من خطاب الحكومة، حرص العديد من المصريين على الإشارة إلى أن الحقائق على الأرض لم تتغير بشكل كبير. فيوم الجمعة الماضي، صلى أحد الشباب صلاة الجمعة في مسجد عمر مكرم المطل على ميدان التحرير، قبل أن يتوجه إلى الميدان لإظهار تضامنه مع الفلسطينيين في غزة والشيخ جراح.

لكن القوات الأمنية اعتقلت الشاب وهو يلوح بالعلم الفلسطيني فقط، وبعد ساعات اعتقلت الصحفية نور الهدى التي كانت تحمل العلم الفلسطيني كذلك. تم الإفراج عن نور بعد ساعات، لكن الشاب لا يزال مختفيا قسريا حتى اليوم.

كما اعتقلت السلطات أحد الأطباء الذين تطوعوا لعلاج جرحى الغارات الجوية، بزعم إفشاء أسرار عسكرية. كما صادرت الشرطة الأعلام الفلسطينية من التجار بوسط القاهرة.

وبينما اعتاد المصريون -على مر الزمن- في المدارس والجامعات وفي الشوارع أن ينظموا احتجاجات وتظاهرات ومسيرات دعماً لفلسطين وتنديدًا بإسرائيل، لا سيما أثناء القصف المميت، فقد تم القضاء على هذه الاحتجاجات في ظل النظام الحالي.

وكانت آخر مظاهرة من هذا النوع في عام 2017 عندما تجمعت مجموعة صغيرة من النشطاء والصحفيين وطلاب الجامعات على درج نقابة الصحفيين للاحتجاج على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. تم القبض عليهم واعتقالهم، وبعضهم رهن الحبس الاحتياطي لمدة عامين.

على الجانب الآخر من قطاع غزة، كانت مدينة رفح  ذات يوم قائمة. وقد تحولت الآن إلى أنقاض بسبب حملة الجيش المصري ضد السكان المحليين، حيث نزح ما لا يقل عن 10 آلاف شخص قسراً من منازلهم. “مقاتلو المقاومة” الذين تتحدث عنهم الصحافة التي تديرها الدولة عنهم اليوم، كانوا منذ وقت ليس ببعيد إرهابيين يدعمون تنظيم داعش في سيناء على الجانب المصري من الحدود.

مصير شمال سيناء هو تذكير بما تستطيع الحكومة المصرية فعله بشعبها ويثير تساؤلات جدية حول ما إذا كانت الحكومة تشرف على تغيير نزيه للرواية. عندما تتغير الحقائق على الأرض حقًا، سيكون من الممكن الاعتقاد بأن النظام المصري وسيط نزيه ذو نوايا حسنة.