كتبت “إيما غراهام هاريسون” في صحيفة “الأوبزرفر” البريطانية، أمس، مقالة تحت عنوان “أرباح مبيعات الأسلحة تفوق حجم المساعدات المقدمة لليمن”، في إشارة إلى صفقات الأسلحة التي اشترتها السعودية من بريطانيا منذ بداية حربها في اليمن، حيث  بلغت مبيعات السلاح البريطاني إلى المملكة العربية السعودية ودول التحالف في اليمن ما يزيد بمقدار 8 أضعاف عن مساعداتها للمدنيين المحاصرين بسبب النزاع الدائر في اليمن، وفقًا لمجموعة من التقارير، الأمر الذي أعاد الحديث حول مدى إمكانية تفعيل قرار محكمة الاستئناف في بريطانيا بمراجعة تراخيص السلاح مع السعودية، وهل تفلح جماعات الضغط في تفعيل القرار أم أن شركات السلاح هي أمر خارج إطار القانون البريطاني؟

 

أرباح مبيعات السلاح البريطانية للسعودية تزيد 8 أضعاف عن مساعداتها لليمن

بعد تفاقم الحرب الأهلية في اليمن التي بدأت عام 2015، انهار الاقتصاد وتفشت الأمراض المعدية وزادت معاناة اليمنيين، ما دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من أن 10 ملايين شخص على شفا المجاعة، إذ تقول الكاتبة إن تقريرًا حديثًا لمنظمة أوكسفام يشير إلى أن بريطانيا قدمت 770 مليون جنيه إسترليني من الأغذية والأدوية وغيرها من المساعدات للمدنيين في اليمن على مدار نصف العقد الماضي، مما يجعل اليمن سادس أكبر بلد يتلقى مساعدات بريطانية، إلا أن التقرير يوضح أن ما حققته بريطانيا من مبيعات الأسلحة للتحالف العسكري الذي يقاتل هناك (ولاسيما السعودية والإمارات)، خلال الفترة نفسها، بلغ 6.2 مليارات جنيه إسترليني.

وينقل التقرير عن المدير التنفيذي لمنظمة أوكسفام، داني سريسكانداراجا، قوله إن “موقف الحكومة البريطانية من اليمن غير منطقي تمامًا، فمن ناحية يقدم دعم لإنقاذ حياة الأشخاص الذين دمرهم الصراع، ومن ناحية أخرى يساعد في استمرار هذا الصراع بتسليح المتورطين”، وتوضح الكاتبة أنه على الرغم من إيقاف مبيعات الأسلحة لدول التحالف وعلى رأسها السعودية، بعد قرار محكمة الاستئناف العليا البريطانية في يونيو الماضي الذي قضى بأن مبيعات الأسلحة إلى الرياض غير قانونية، باعتبارها استخدمت في ضربات جوية أودت بحياة آلاف المدنيين في اليمن، إلا أن وزير التجارة الدولي آنذاك، ليام فوكس، تعهد باستئناف الحكم.

حثت منظمة أوكسفام الحكومة البريطانية، بحسب التقرير، على احترام قرار المحكمة ووقف مبيعات الأسلحة إلى أجل غير مسمى وتركيز جهودها على وقف الصراع، كما طالبت المنظمة بإجراء لقاءات مع وزارة الدفاع البريطانية والمملكة العربية السعودية لتقييم الحوادث التي نجمت عن الغارات الجوية، وأودت بحياة ثلثي من قتلوا في هذه الحرب والبالغ عددهم، بحسب التقرير، 11700 شخص.

يختم التقرير بما قاله المدير التنفيذي لاوكسفام، داني سريسكانداراجا، بأن “ما يدفعه التحالف بقيادة السعودية يعد جزءًا بسيطًا من الثمن الحقيقي، إذ أن التكلفة الأساسية يدفعها ملايين اليمنيين الذين اضطروا إلى الفرار من ديارهم، ومواجهة نقص الغذاء والدواء والخدمات الصحية”.

 

محكمة الاستئناف في لندن تقضي بمراجعة تراخيص بيع بريطانيا أسلحة للسعودية

خلصت لجنة العلاقات الدولية في البرلمان البريطاني مؤخرًا إلى أن بيع بريطانيا أسلحة للسعودية تخالف القانون الإنساني الدولي، وعليه قضت محكمة الاستئناف في لندن، الخميس 20 يونيو، بمراجعة تراخيص بيع الأسلحة للسعودية، معلّلًة قرارها باستخدام هذه الأسلحة في انتهاكات للقانون الإنساني الدولي خلال حرب اليمن.

جاء هذا القرار بعد رفع نشطاء بريطانيين من منظمة  “الحملة ضد تجارة السلاح” دعوة قضائية أمام محكمة الاستئناف محتجين بأنّ مبيعات الحكومة البريطانية من السلاح للسعودية “غير قانونية” ويجب إيقافها لمنع سقوط قتلى من صفوف المدنيين في اليمن، التي وصفوا الحرب عليها بأنها “الأسوأ في تاريخنا الحاضر”، بعد أن سمحت لهم المحكمة برفع طلب استئناف في مايو 2018 العليا، كما أشارت الحملة إلى أن النظام في السعودية هو واحد من أكثر الأنظمة قسوة وقمعًا في العالم، بالإضافة إلى أنه أكبر مشتر للأسلحة بريطانية الصنع على مدار عقود.

يأتي هذا التصعيد بعد تجارة أسلحة واسعة بدأت بين بريطانيا والسعودية منذ بدء الحرب على اليمن، في آذار 2015، ووفقًا لبحث أصدره معهد ستوكهولم لبحوث السلام، المختص بمراقبة صناعة الأسلحة في العالم، بريطانيا هي ثاني مصدّر “للأسلحة الأساسية” للسعودية، بعد الولايات المتحدة وقبل فرنسا، كما تضاعفت واردات السعودية من الأسلحة الرئيسية أكثر من ثلاث مرات، بين عامي 2012 و2017، مقارنة بالسنوات الخمس التي سبقتها.

يذكر أن هذه الصفقات تضم أسلحة من نوع ثقيل ومعدات عسكرية من بينها طائرات تايفون، وتورنيدو المقاتلة، وقنابل دقيقة التوجيه. وبالرغم مما خلقته هذه القضية من جدل عام في بريطانيا ووجهات نظر متفاوتة بشأن مشاركة بريطانيا غير المباشرة في حرب اليمن، إلا أن هذه التجارة تعود بفوائد اقتصادية جمة على الاقتصاد البريطاني بسبب مساهمة المبيعات في الحفاظ على آلاف الوظائف الهندسية في بريطانيا، وتوفيرها مليارات الجنيهات من العوائد لتجارة الأسلحة البريطانية. فقد منحت بريطانيا تراخيص بيع أسلحة بأكثر من 4 مليارات و700 مليون جنيه استرليني إلى السعودية، كما تقدّر مشتريات السعودية بأكثر من 40 في المئة من صادرات الأسلحة البريطانية.

تأتي ردود الفعل الرسمية والدولية تباعًا للتعليق على الموضوع، فمن جهتها، قالت مديرة التقاضي الاستراتيجي في منظمة العفو الدولية (أمنستي)، لوسي كلاريدج، إن الحكم “خطوة كبيرة نحو منع سفك المزيد من الدماء” مضيفًة بأن هذه أول مرة تقرّ فيها محكمة بريطانية بالمخاطر المتمثلة في مواصلة مدّ السعودية بإسراف بمعدات عسكرية للاستخدام في اليمن.

بينما قال كبير القضاة، سير تيرينس إيثرتون، إن الحكومة “لم تقدم تقييمًا حاسمًا بشأن إن كان التحالف الذي تقوده السعودية انتهك القانون الدولي الإنساني في الماضي، خلال الصراع في اليمن، ولم تحاول (الحكومة) تقديم ذلك”. في حين اكتفت المتحدثة باسم رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، بالقول إن الحكومة “تشعر بخيبة أمل”، وإنها سوف تسعى إلى استئناف الحكم.

 

جماعات الضغط البريطانية ضد تجارة السلاح

في 2017 رفعت “الحملة ضد تجارة السلاحCAAT) “) دعوى على الحكومة البريطانية أمام القضاء البريطاني مطالبة بمراجعة قانونية مبيعات الأسلحة للسعودية، إذ استندت الدعوى إلى المادة (2 ج)، وهي من المعايير الصارمة، التي تقضي بأن لا تمنح تراخيص تصدير السلاح “إذا كان هناك خطر واضح من أن تستخدم تلك المواد في انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي”.

في يوليو من عام 2017، رفضت المحكمة العليا دعوى وقف تجارة السلاح، لكن محكمة الاستئناف منحت نشطاء الحملة حق استئناف حكم المحكمة العليا أمامها في أبريل من العام الجاري، بالرغم من أن الحكومة البريطانية كانت قد ردّت أكثر من مرة على النشطاء وبعض تقارير منظمات تابعة للأمم المتحدة بتأكيد أنها “لا تشارك في الحرب باليمن، لكنها ملتزمة بتصدير السلاح لدول التحالف، مفنّدة اتهامات انتهاك القانون الإنساني الدولي”.

تطالب جماعات مثل “الحملة ضد تجارة السلاح” و”تحالف أوقفوا الحرب”- يترأسه جريمي كوربن زعيم حزب العمال المعارض الآن- بمراجعات قانونية لسياسات الحكومة الخارجية كل حين، حيث رفعت الحملة ضد تجارة السلاح (CAAT) أيضًا دعوى أمام القضاء على الحكومة البريطانية تتهمها بوقف التحقيق في صفقة طائرات مقاتلة للسعودية عام 2008، ورغم أن المحاكم قضت بعدم قانونية وقف حكومة رئيس الوزراء العمالي وقتها، توني بلير، لتحقيق “مكتب الفساد الخطر” فإن تلك الأحكام غير الملزمة لم تفض إلى شيء عملي في النهاية.

يذكر أن مكتب تحقيقات الفساد في 2004 فتح تحقيقًا في صفقة “اليمامة” التي أبرمتها حكومة المحافظين برئاسة مارغريت تاتشر منتصف الثمانينيات مع السعودية بقيمة تزيد على 40 مليار جنيه إسترليني، وعلى مدى عامين من تحقيق تكلّف ملايين الجنيهات حاول المكتب توثيق الاتهام بأن الحكومة دفعت رشاوى لمسؤولين سعوديين لإتمام الصفقة، كما شهدت تلك الفترة حملات إعلامية هائلة على الرياض في بريطانيا واتهامات للحكومة البريطانية أيضًا، وفي نهاية 2006 قرر المحامي العام للحكومة وقف التحقيق.

يجدر الإشارة إلى أن القرارات التي تفرض “مراجعة قانونية” ليست صارمة ولا تدين الحكومة، لكن الحكومة تعمل على الالتزام بها بتعديل إجراءاتها، مما يعطي النشطاء الفرصة  لرفع دعوى جديدة أمام القضاء مطالبة بمراجعة جديدة.

 

شركة “بي إيه سيستمز” تؤكد التزامها بعقود التسليح المبرمة مع السعودية

أكدت شركة بي إيه إي سيستمز (BAE Systems) البريطانية للصناعات الدفاعية أنها “ملتزمة بالوفاء بعقود التسليح المبرمة مع السعودية، وأنها تدعم موقف الحكومة في اتفاقاتها الدفاعية مع الرياض”، وذلك في أعقاب حكم محكمة الاستئناف البريطانية القاضي بتجاوز قانون إجراءات ترخيص عقود بيع السلاح البريطاني للسعودية، إذ قالت الشركة، المصنعة سلاح التصدير للسعودية بنحو خمسة مليارات جنيه إسترليني، إنها “ستواصل تأييد توفير المعدات والدعم والتدريب في إطار الاتفاقات الحكومية بين المملكة المتحدة والسعودية”.

يبدو أن تعطش لندن الشديد للمال القادم من “تجارة الموت”، ومع استمرار هيمنة مجمعات التصنيع العسكري على القرار السياسي وابتزاز المجتمع والسياسيين بالوظائف والعوائد التي تخلقها “صناعة الموت”، لا يمكن لأحد أن يتنبأ أن تلك الدائرة المفرغة لمقايضة المدفع والدولار يمكن أن تنتهي في وقت قريب، مهما كلف ذلك من ضحايا سواء أكانوا من اليمنيين الذين يُقتلون بالأسلحة البريطانية أو غيرهم.