جلال إدريس

جدل واسع أثاره القرار الجديد للأمم المتحدة، والذي أعلن فيه الأمين العام أنطونيو غوتيريس إزالة التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، من قائمة العار الأممية، المتهمة بشنّ هجمات على المدارس والمستشفيات والتجمعات المدنية.

ووفقًا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” فإنَّ التقرير الجديد للأمين العام للأمم المتحدة بشأن الأطفال والنزاع المُسلّح يشكّل سابقة خطيرة؛ لأنه تجاهل أو قلّل من أهمية انتهاكات بعض الدّول في “قائمة العار” التي يُصدرها سنويًا.

المثير في الأمر أنَّ التقرير الأممي لم يُدرج أيضًا كلًا من (إسرائيل، السودان، العراق، وبعض الأطراف في أوكرانيا) ضمن المتورطين في انتهاكات ضدّ الأطفال، وهو ما دفع منظمة “هيومن رايتس ووتش” لإصدار بيان أكّدت فيه أن على أعضاء مجلس الأمن الدولي استخدام النقاش المفتوح حول تقرير هذه السنة المقرر، يوم 9 يوليو، لإبراز التناقضات والمعايير المزدوجة الواردة في التقرير والقائمة المصاحبة له.

تصرف غير مبرَّر

وبحسب “جو بيكر”، مديرة المناصرة في قسم حقوق الطفل، في هيومن رايتس ووتش:  فإن “الكمّ الهائل من الأدلّة التي تضمنها التقرير حول الانتهاكات ضدّ الأطفال في اليمن والسودان وفلسطين يُبرز أن “قائمة العار” التي يُصدرها الأمين العام شابتها قرارات حذف غير مبرّرة إطلاقًا.

وأكد أن “هذه القرارات تقوّض إحدى أقوى أدوات الأمم المتحدة لفضح منتهكي حقوق الإنسان ومحاسبتهم”.

وفي اليمن، وجدت الأمم المتحدة أن التحالف بقيادة السعودية مسؤول عن هجمات على 19 مدرسة و5 مستشفيات على الأقل. قال التقرير: إنّ قرار الأمين العام بإزالة التحالف من القائمة كان على أساس “انخفاض كبير” في عدد الهجمات!.

وكان تقرير 2016 قد نسب إلى التحالف 28 هجومًا على مدارس و10 على مستشفيات، قالت هيومن رايتس إنّه بينما لايزال “تحالف إعادة الشرعية إلى اليمن” مذكورًا في التقرير بسبب دوره في قتل الأطفال وتشويههم في اليمن، فإن إسقاط التهم الموجهة إليه بشنّ هجمات على المدارس والأطفال يجعل التقرير تبييضًا للوضع.

تهديدات سعودية وراء الشطب

من جانب آخر كشفت مجلة فورين بوليسي أن الأمم المتحدة شطبت تحالف العدوان السعودي من القائمة السوداء لقتل وتشويه الأطفال في اليمن، بعد تعرضها لسلسلة من التهديدات من قبل السعودية.

وقالت المجلة، إنَّ السعودية هددت بقطع علاقاتها مع الأمم المتحدة وسحب مئات الملايين من الدولارات من البرامج التابعة لها، وذلك إذا لم يرفع اسمها من قائمة أسوأ الدول انتهاكًا في العالم لحقوق الطفل في مناطق النزاع.

وأكّدت أنّ الرياض هددت باستخدام نفوذها لإقناع حكومات عربية ومنظمة التعاون الإسلامي لقطع العلاقات مع الأمم المتحدة. مشيرةً إلى أن التهديدات وجَّهها كبار المسؤولين السعوديين بينهم وزير الخارجية عادل الجبير.

من جانبها سعت الأمم المتحدة إلى الدفاع عن قرارها بسحب قوات العدوان السعودي من اللائحة السوداء للدول والمنظمات التي تقتل الأطفال بعد تعرضها للانتقادات الشديدة من منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إن القرار ليس نهائيًا ويمكن أن يُعاد النظر فيه بناء على معلومات إضافية تنتظر الأمم المتحدة الحصول عليها قبل شهر أب / أغسطس المقبل، كما أكد دوجاريك أن التقرير الذي يحمّل العدوان السعودي مسؤولية موت الأطفال في اليمن يستند إلى معلومات موثوقٍ بها وذات مصداقية، وقد اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش المدافعة عن حقوق الإنسان بان كي مون بالاستسلام للضغوط السعودية.

مجاملة لإسرائيل

التقرير الأممي لم يدرج أيضًا قوات الاحتلال الإسرائيلي كطرف متورِّط في انتهاكات ضدّ الأطفال في 2017، رغم جرائمه الواسعة بحق الأطفال الفلسطينيين.

وكانت الأمم المتحدة قد خلصت في تقرير سابق إلى أن القوات الإسرائيلية قتلت 15 طفلًا فلسطينيًا وأصابت 1,160 آخرين في الضفة الغربية وغزّة، كما تعرّضت 4 مدارس إلى أضرار في غزة بسبب غارات جويّة إسرائيلية، ورغم كل ذلك تجاهلت الأمم المتحدة جرائم إسرائيل.

ويتعرّض الأمين العام لضغوط سياسية بسبب هذا التقرير منذ عدّة سنوات.

وكان الأمين العام السابق بان كي مون قد رضخ على ما يبدو لضغوط من الحكومة الإسرائيلية في 2015 والحكومة السعودية في 2016، فأزال قواتهما من القائمة.

جرائم ضد الأطفال بالسودان

وفي السودان، رفعت الأمم المتحدة “السودان من قائمة العار”، حيث أكد التقرير الأممي الجديد، أنه لم تتثبت الأمم المتحدة من أي عمليات تجنيد للأطفال منذ 2015، ما دفع بالأمين العام إلى إزالة السودان من “قائمة العار” لتجنيد الأطفال واستخدامهم في الحرب.

وقال التقرير، إنَّ قوات الحكومة السودانية، بما فيها “قوات الدعم السريع”، اغتصبت وقتلت وشوهت أطفالًا وشنَّت هجمات على مدارس، غير أنّ الأمين العام فضّل إزالة الحكومة السودانية من القائمة كليًّا بدل إدراج القوات السودانية فيها بسبب هذه الانتهاكات الخطيرة وغيرها من الانتهاكات.

وغطّى تقرير الأمين العام 20 بلدًا، ووثق أكثر من 21 ألف انتهاك ضدّ الأطفال في النزاعات المسلّحة، بارتفاع 35 % مقارنة بالعام 2016. شملت هذه الانتهاكات القتل، التشويه، الاغتصاب، تجنيد الأطفال واستخدامهم كجنود، الاختطاف، مهاجمة المدارس والمستشفيات، ومنع الأطفال من الحصول على مساعدات إنسانية منقذة للحياة.

يُعِدّ “مكتب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلّح” الأجزاء المتعلقة بالوقائع في التقرير بالاعتماد على تقارير فرق الأمم المتحدة في البلدان، إلا أنّ العديد من المصادر أكدت لـ هيومن رايتس ووتش أن القرارات النهائية المتعلقة بالقائمة يتخذها الأمين العام بنفسه.

رفع العراق من قائمة العار

ولم يُدرج الأمين العام أيضًا القوات الحكومية العراقية في قائمة المتورطين في انتهاكات، رغم أنه وجد أن القوات الحكومية مسؤولة عن قتل وتشويه ما لا يقل عن 109 أطفال في 2017.

كما بقي التقرير صامتًا بشأن أوكرانيا، رغم وجود نزاع بين الحكومة الأوكرانية ومجموعات مسلحة مدعومة من روسيا. تعرّضت 740 مدرسة على الأقل إلى أضرار أو هُدّمت منذ بداية النزاع في 2014.

وأدرج الأمين العام القوات المسلحة لميانمار، “تاماداو”، في قائمة العار بسبب تجنيدها للأطفال واستخدامهم كجنود منذ 2003. وهذه السنة أُضِيف القتل والتشويه والعنف الجنسي ضدّ الأطفال كأسباب إضافية لإدراج تاماداو، بسبب انتهاكاتها في أقاليم راخين، شان، وكاشين.

كما أدرج الأمين العام “حركة الشباب” الصومالية في القائمة لأول مرة بسبب اغتصاب الأطفال وشنّ هجمات على المدارس والمستشفيات.

كما أدرج قوات حكومة جنوب السودان لأول مرة بسبب تورطها في هجمات على المدارس والمستشفيات.

وخلُص الأمين العام إلى أنّ أفغانستان مازالت واحدة من أكثر المناطق التي يُقتل فيها الأطفال، مع توثيق 3,179 حالة قتل أو تشويه لأطفال بسبب غارات جوية أو متفجرات مصنوعة يدويًا أو عبوات غير منفجرة أو عمليات انتحارية أو غيرها من الهجمات.