تتزايد المخاوف حول مستقبل الحل السياسي في ليبيا، خلال الفترة الأخيرة. فمنذ انتخاب الإدارة الليبية الجديدة، يحاول معسكر مجرم الحرب، خليفة حفتر، عرقلة الحكومة عن أداء عملها. من ذلك على سبيل المثال، إلغاء رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، في 25 أبريل/نيسان 2021، زيارته إلى مدينة بنغازي، إثر منع ميليشيات حفتر هبوط طائرة تحمل أفراد الحماية والمراسم التابعين للحكومة الشرعية.

كذلك قام حفتر بخطوة أخرى اعتبرت تعديًا على الصلاحيات الدستورية للإدارة الليبية الجديدة، حيث قرر إغلاق الحدود مع الجزائر، واعتبرها “منطقة عسكرية”، تحت ادعاء شن عملية عسكرية لملاحقة من وصفهم بـ”الإرهابيين التكفيريين” وطرد عصابات المرتزقة الأفارقة.

كما تعمد حفتر إجراء استعراض عسكري في مدينة بنغازي، دون تنسيق مع حكومة الوحدة الوطنية. واعترض عليه عبد الله اللافي، نائب رئيس المجلس الرئاسي، قائلًا “إن المجلس شدد مرارًا وتكرارًا على تجنب القيام بأي تصرفات أحادية ذات طابع عسكري من أي طرف، ومن بينها المناورات والتحركات الميدانية والتصريحات الصحفية من العسكريين، والاستعراضات العسكرية التي قد تؤدي إلى نشوب الحرب مجددًا”.

ومؤخرًا، جاء تهديد حفتر باقتحام طرابلس، في لقاء له مع الإعلامي التابع له، محمود المصراتي، حيث قال: “إن لم نصل لحل، فإن قواتكم المسلحة (مليشيات حفتر) مستعدة مرة أخرى لتحرير العاصمة”. وكل ما سبق إشارات تدلل على النية الخبيثة لدى حفتر وداعميه بالانقلاب على الشرعية مرة أخرى، والعودة بليبيا لحكم الفرد الواحد والاستبداد السياسي.

 

فشل تمرير الميزانية للمرة الخامسة

وخلال الأيام القليلة الماضية، زادت إشارة جديدة ترفع من مستوى القلق على التجربة الليبية، حيث فشل مجلس النواب في الإفراج عن الميزانية للمرة الخامسة على التوالي، في الوقت الذي تجتاح البلاد أزمة انقطاع الكهرباء، ما يضع حكومة الوحدة الوطنية أمام خيارات صعبة. حيث إن الميزانية ضرورة ملحة لارتباطها بتسيير شؤون الدولة، وتلبية حاجيات الشعب الليبي وبالأخص مسألة الأجور، وإعادة إعمار ما دمره عدوان حفتر، والأهم من ذلك تسييل الميزانية المخصصة لمفوضية الانتخابات للشروع في التحضير لهذه الانتخابات المصيرية والمحورية في تاريخ البلاد.

ويدعي نواب موالون لحفتر أن سبب تعطيل إقرار الميزانية هو بعض الملاحظات الشكلية التي تتعلق “بالقانون الذي استندت إليه الحكومة في تخصيص الميزانية، والمبالغ المالية المرصودة لبعض القطاعات، وعدم وضع الأهداف على شكل برامج ومشاريع واضحة، وغياب مصادر إضافية بديلة لتمويل الميزانية”.

 

منع ترشح حفتر للرئاسة

لكن يبدو أن هذا ليس هو السبب الحقيقي وراء تعطيلهم الميزانية، حيث يتعلق برفض الدبيبة الخضوع لسلطة حفتر، والذي لم يقابله إلى الآن، ولم يخصص لمليشياته أي أموال. هذا بالإضافة إلى سبب آخر لا يقل أهمية، وهو رفض أعضاء ملتقى الحوار من المنطقة الغربية إلغاء الشروط التي تحول دون ترشح حفتر للرئاسة، وخاصة الجنسية المزدوجة، والانتماء العسكري، وانتهاكات حقوق الإنسان.

فمن المعلوم أن حفتر يرغب في الترشح للرئاسة، وقد بدا ذلك في أكثر من موقف. ففي أبريل/نيسان الماضي، جمع حفتر أُسَر قتلاه في قاعة بمدينة بنغازي، وخلال حديثه معهم وعدهم بسكن وعمل، والتكفل بمصاريف تدريس أبنائهم. الأمر الذي جعل الأسر التي جمعها تهتف له قائلة:  “الشعب يريد.. حفتر الرئيس”. 

كما وقّع حفتر على مخطط لبناء 3 مدن حول مدينة بنغازي، الواقعة في الشرق التي تسيطر عليه مليشياته، وكان حفتر في لباسه المدني حين التوقيع. كذلك وعد بها أسر القتلى بـ20 ألف سكن، بمعدل سكن لكل أسرة قتيل. الأمر الذي أظهره وكأنه يريد تكوين جماهيرية تمكنه من لعب دور سياسي قادم على الساحة الليبية، فلطالما تظاهر عائلات القتلى والجرحى في الشرق الليبي للاحتجاج على إهمالهم والمطالبة بالتكفل بمصاريف علاجهم.

إذن فحفتر يريد الترشح للرئاسة، لكن نواب الشعب الليبي في المنطقة الغربية يرفضون تعديل القانون الذي يمنعه من الترشح لأنه مزدوج الجنسية، حيث إن لحفتر جنسية أمريكية بجانب الليبية، كما أنه متهم بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وعلى ذلك، يستخدم حفتر الميزانية كورقة مقايضة ضد الحكومة الشرعية إلى حين تعديل القانون. 

 

أشكال أخرى من عرقلة المسار السياسي

علاوة على ما سبق ذكره، فإن هناك إشارات سلبية أخرى تأتي من حفتر ومعسكره خلال الفترة الأخيرة، منها عرقلة ملتقى الحوار السياسي المنعقد بجنيف في اعتماد قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، وقبلها إعاقة فتح الطريق الساحلي بين الشرق والغرب. ولا يريد حفتر حتى الآن إبداء أي مرونة فيما يتعلق باستكمال مسار توزيع المناصب السيادية. وهو في هذا السياق يطالب بتعيين محافظ بنك مركزي من المنطقة الشرقية، يكون مواليًا له.

وإزاء كل هذه العرقلة، جاء تصريح رئيس الحكومة الليبية واضحًا بأنه لن يتنازل لحفتر، حيث قال الدبيبة في بث مباشر ردًا على أسئلة المواطنين، “لا يمكن أن نكون تحت سيطرة أي جهة داخلية مدعومة من الخارج، ويأخذون أموالًا خارجية، ويحاربوننا ويفتحون حروبًا هنا في ليبيا”.

 

صندوق الانتخابات أو صندوق الذخيرة

ومنذ أيام، وجه الإعلامي محمود المصراتي، المقرب من حفتر، دعوة إلى الاستعداد لاقتلاع الدبيبة “بأحد الصندوقين”، في إشارة إلى صندوق الانتخابات أو صندوق الذخيرة والحرب، مضيفًا أن “الحل المؤلم بصناديق الذخيرة أصبح خيارًا مشروعًا”، وفق زعمه.

والتلويح المتكرر بالحرب هذا من حفتر وداعميه يعد تصعيدًا غير مسبوق منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، والهدف الرئيسي منه الضغط على معسكر الغرب الليبي وتخييرهم بين القبول به كمرشح رئاسي بدون شروط مسبقة، أو العودة لميادين القتال.

وهذا تبرز أهمية الدور التركي في حماية الشرعية الليبية من الانقلاب عليها، كما أن هناك دور على المجتمع الدولي عبر تفعيل آلية العقوبات ضد حفتر، لعرقلته الاتفاق السياسي والانتخابات مثلما حدث في 2016.