العدسة – بسام الظاهر

لا تتوقف روسيا عن توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا على الجبهات التي تشهد نزاعات وصراعات داخلية، من أجل ضمان موطئ قدم لها في المنطقة.

وأحد المحاور التي تتحرك عليها روسيا خلال الفترة الماضية هى ليبيا، خاصة بعد التواجد بشكل كبير على ساحة الأحداث في المنطقة العربية، بعد التدخل العسكري في روسيا.

موسكو تسعى لممارسة نفوذ وتأثيرات واستغلال تراجع دور أمريكا في المنطقة، من خلال تكوين شبكة علاقات واستمالة بعض الأطراف والدول لصفها، خاصة تلك التي تسير في اتجاه معاكس مع أمريكا.

وتطرح روسيا نفسها كبديل لأمريكا خلال الفترة الماضية، لدى بعض القوى أو المكونات التي لا ترى مصلحتها مع الولايات المتحدة.

وساطة روسية

الغريب أن روسيا تدخلت في وساطة داخل ليبيا ليس طرفها قائد القوات الموالية لمعسكر برلمان طبرق خليفة حفتر، ولكن بين قبائل بجنوب ليبيا وحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج.

ونشبت أزمة بين حكومة الوفاق وقبائل بجنوب ليبيا، بعد رفض الأولى الاعتراف بنتائج انتخاب أحمد المرتضى أبو سيف عميدا لبلدية أوباري.

وتمكن فريق الاتصال الروسي من التوسط للتوصل لتسوية بين الطرفين ورعاية حوار بين ممثلي القبائل القاطنة في مدينة أوباري (جنوب غربي ليبيا)، وحكومة الوفاق.

ولكن الغريب في مسألة الوساطة هو اكتشاف وجود نفوذ روسي في ليبيا بعيدا عن حفتر، بما يشير إلى أن موسكو تعمل في الخفاء من أجل فتح خطوط اتصال وقنوات تحاور مع القبائل الليبية، من واقع أنها جهات لا يمكن إغفالها في المعادلة الليبية.

ولكن الغريب أن طلب التدخل الروسي للتوسط لحل الأزمة، جاء من خلال القبائل في الجنوب الليبي، وهنا فإن هذا يشير إلى احتمالين؛ أولا أن روسيا بادرت بالتواصل معهم، وحاولت توطيد العلاقات، قبل أن تطلب هذه القبائل من موسكو الوساطة.

أما الاحتمال الثاني، فهو أن تكون روسيا لديها علاقات من الأساس معهم، وهو ما سهل مسألة طلب الوساطة مع حكومة الوفاق.

وقال رئيس الفريق الروسي ليف دينغوف، إن ممثلي قبائل أوباري طلبوا من الجانب الروسي المساعدة في حل المشاكل العالقة في حوارهم مع حكومة السراج.

وأضاف “دينغوف” أن هذا الطلب جاء أثناء محادثاتٍ بحث الطرفان خلالها إمكانيات روسيا في تقديم مساعدات إنسانية لسكان جنوب البلاد الذين يعانون من نقص الأدوية والبضائع الأولية.

وهنا فإن روسيا بدأت تتحرك بعيدا عن المستويات الرسمية في ليبيا، سواء على مستوى الطرفين المتناحرين، معسكر برلمان طبرق الذي يضم حفتر، والمعسكر الغربي ويضم حكومة الوفاق.

جلسة بين قبائل مدينة “أوباري”

 

” فايز السراج “

أطماع وتوسيع نفوذ

روسيا صدرت مسألة الوساطة بين قبائل بالجنوب وحكومة الوفاق بشكل كبير، على الرغم من أنها مسألة ليست كبيرة بالمطلق، فالخلاف كان على عدم اعتماد انتخاب عمدة.

الأهم ليس طبيعة المشكلة، ولكن دلالات هذه الخطوات، فهى رسالة واضحة لأمريكا بأن موسكو لن تتوقف عن توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وبالتأكيد في ليبيا، التي تشهد خلافات شديدة.

كما أنها رسالة للأطراف الليبية المتناحرة، أنها تمتلك خطوط اتصال مع القبائل وأطرافٍ نافذة بشكل كبير، بل وتسعى لزيادة هذه الاتصالات خلال الفترة المقبلة.

وبدا أن موسكو ترغب في التوغل جنوب ليبيا وفي تحقيق مناطق نفوذ حقيقية، خاصة وأن الجنوب غير حاضر بقوة في الصراع والولاءات بين معسكري الشرق والغرب.

كما أن روسيا تحاول مواجهة النفوذ الأوروبي في ليبيا، خاصة مع تنافس أطراف أوروبية على النفوذ بليبيا وتحديدا فرنسا التي استضافت لقاء بين حفتر والسراج، فضلا عن جهود إيطاليا لرأب الصدع، وهي رسالة أخرى باللعب في مناطق نفوذ أوروبا، مثلما حدث في أوكرانيا وأزمة القرم.

” ماكرون بصحبة حفتر و السراج “

وذهبت آراء إلى أن التدخل الروسي في جنوب ليبيا لها أبعاد أخرى، وقال الصحفي الليبي عبد الله الكبير، إن تدخل موسكو الأخير يعد التدخل الدولي الثالث بشكل مباشر في الجنوب الليبي، بعد تدخل فرنسا وإيطاليا، ولا شك أنه مؤشر خطير حول ما يدور في استراتيجيات الدول الكبرى.

وأضاف الكبير: “الأمر لا يتعلق بوساطة، أو ضغط على حكومة الوفاق، وإنما بتفكك الكيان الليبي إلى مكوناته الأساسية، ولابد لروسيا أن يكون لديها موطئ قدم ونفوذ، كما هو الحال في الشرق والغرب الليبيين، فالجنوب واعد بثرواته الهائلة وإطلالته على وسط إفريقيا”.

ماذا بشأن حفتر؟

ومثلما سبقت الإشارة إلى أن روسيا بدا أنها تحاول التحرك بعيدا عن الصراع التقليدي، فما هو الموقف من حفتر؟.

روسيا وضعت أقدامها في ليبيا بالأساس وحاولت ممارسة نوع من النفوذ من خلال حفتر، والقصة بدأت قبل تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكم.

” دونالد ترامب “

وخلال فترة الرئيس السابق باراك أوباما تراجع الدور الأمريكي في ليبيا لناحية الاهتمام بمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا، وهو ما دفع النظام المصري إلى محاولة تقريب حفتر من موسكو، في ظل العلاقات القوية بين القاهرة وموسكو.

وزار حفتر روسيا أكثر من مرة، وطلب دعمًا عسكريًّا لما يعرف بـ “الجيش الوطني الليبي”، ولكن يعرقل هذه المحاولات من قِبل حفتر وجودُ حظر من مجلس الأمن لتصدير الأسلحة إلى ليبيا.

ولكن بدا أن روسيا تراجعت عن هذا التعامل مع انحياز في ليبيا لعدم خسارة كافة الأطراف، خاصة وأن مستقبل حفتر في المشهد الليبي غير واضح، في ظل ملاحقة الجنائية الدولية لعدد من قواته والتحقيق في عدة وقائع، أبرزها صدور مذكرة لاعتقال محمود الورفلي.

” بوتين و حفتر “

وتتحرك روسيا على جانبي الأزمة الليبية حفتر والسراج، وكشفت تقارير صحفية، أن موسكو تقوم بالإعداد للقاء قريب سيجمع بين الطرفين.

وذكرت أن المقترح تقدم به وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، للسراج أثناء لقائه به على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة.