العدسة – مؤيد كنعان
على طريقة برامج الألغاز التليفزيونية، نقل موقعا “روسيا اليوم” و “سبوتنيك” المقربان من الحكومة الروسية عن مصادر بالهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري قولها: إن موسكو زودت، وللمرة الأولى، بلدا شمال إفريقي وشرق أوسطي بصواريخ “إسكندر” التكتيكية الفتاكة.
الرواية نقلها موقع “روسيا اليوم” عن “مصدر طلب عدم الكسف عن هويته”، بينما أوردت “سبوتنيك” نفس التفاصيل عن مصدر معروف بمنصبه، وهو المتحدث الرسمي للهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري، لكن الموقعين أكدا أن تلك التصريحات جاءت على هامش معرض دبي الدولي للطيران، وهذه التفصيلة تحديدا قد تسهم في فك أول خيوط حالة الغموض التي صنعتها تلك التصريحات.
ما هي صواريخ “إسكندر”؟
هي صواريخ باليستية مسيرة على شاحنات مخصصة، يصل مداها إلى 500 كم، لكنها تتميز عن بقية الصواريخ الباليستية الأخرى بالآتي:
1- شديدة الدقة، حيث لا تتجاوز نسبة خطأ إصابة الهدف بها 50 مترا بحد أقصى، وهي نسبة دقيقة للغاية، مقارنة بقوة الصاروخ التدميرية الكبيرة.
2- مزودة بتقنية تشويش شبحية يجعل من الصعب، بل من المستحيل – وفق مواقع عسكرية- اعتراضها من صواريخ باتريوت أو الصواريخ التي يملكها حلف شمال الأطلسي، وفقا لمحللين عسكريين روس.
3- يمكن تزويد منصات إطلاقها بأنواع مختلفة من الصواريخ بما فيها المجنحة فائقة الدقة.
4- يمكن لـ “إسكندر” ضرب الأهداف المعادية على اختلاف أحجامها، ويؤكد الروس أن صاروخهم قادر على ضرب منصات صواريخ باتريوت وثاد الأمريكية بفاعلية، ويمكن أيضا للصاروخ أن يضرب مرابض الراجمات والمدفعية بعيدة المدى، والطائرات والمروحيات المكشوفة ونقاط القيادة المحصنة، وعقد الاتصال.
5- يمكن تزويد “إسكندر” كذلك برؤوس انشطارية يتم التحكم بالأجزاء المنفصلة عنها كل على حدة، بعد أن تتناثر من الصاروخ الذي تطلقه المنظومة.
6- تستطيع منظومة “إسكندر” أن تطلق صاروخ R – 500 والذي يبلغ مداه 2000 كم، وله القدرة على حمل رأس نووي.
ولمزيد من المعلومات التفصيلية أكثر عن منظومة “إسكندر”، يمكن مطالعة هذا الرابط من هنــــــــــــــــــــــــــــــــــا.
صاروخ “إسكندر”
ما البلد؟
نأتي للسؤال الأساسي.. ما هو البلد الذي يقصده المسؤولون الروس؟
واقعيا ومنطقيا يدور الحديث فقط عن بلدين، هما مصر والجزائر، لكن ثمة تناقضات تصعب مهمة التحليل والاستنتاج، وهي:
أولا: أورد موقعا “روسيا اليوم” و “سبوتنيك” الناطقان بالعربية جملة “بلدا شرق أوسطي وشمال إفريقي”، وهو ما يضع مصر والجزائر في الاحتمالات، لكن مصدرا ثالثا للخبر، وهو وكالة “ريا نوفوستي” الناطقة بالروسية لم تورد مصطلح “شرق أوسطي”، لكنها أوردت فقط “بلدا شمال إفريقي”.
ثانيا: ما سبق يعضد احتمالية أن تكون الجزائر هي صاحبة الصفقة، حيث من المعروف أن الجزائر بلد شمال إفريقي، ولكن هناك خلاف معرفي وأكاديمي لا يزال جاريا حتى اليوم، حول كونها دولة شرق أوسطية أو لا؛ حيث يشير مصطلح الشرق الأوسط في الدوائر المعرفية الجيوسياسية إلى بعض بلدان غرب آسيا، بالإضافة إلى مصر فقط، بينما تدخل تعريفات قليلة أخرى دول: (تركيا، وليبيا، والجزائر، وتونس، والمغرب) ضمن الإقليم.
“بوتفليقة” بصحبة “السيسي”
السرية
في يونيو 2016، نقل موقع “سبوتنيك” عن السفير الروسي بالقاهرة سيرجي كيربيتشينكو، قوله إنه يوجد عنده الكثير من المعلومات حول صفقات الأسلحة التي تتم بين مصر وروسيا، ولكن لن يمكنه الإعلان عنها لرغبة الجانب المصري فى ذلك.
“كيربيتشينكو” أشار إلى أن المعلومات حول صفقات الأسلحة والتعاقدات تعتقد وزارة الدفاع المصرية أنها معلومات خاصة ولا يمكن الإعلان عنها.
من هنا يمكن فهم سبب حرص المصادر التي تحدثت عن توريد منظومة “إسكندر” لإحدى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على عدم توضيح اسم الدولة، وهو ما يرجح مجددا فرضية أن تكون مصر، وإن كان لا يستبعد فرضية الجزائر، فقد يكون مسؤولو الجيش الجزائري أيضا طلبوا من الروس كتمان المعلومات حول التعاون العسكري.
لكن صحفا جزائرية، أبرزها صحيفة “الشروق” المقربة من النظام الجزائري، نشرت، في نوفمبر 2017، تقريرا أكدت فيه أن موسكو قررت تزويد الجزائر ومصر وسوريا ولبنان بمنظومات “إسكندر”، وذلك نقلا عن أناتولي إيسايكين، الرئيس التنفيذي لشركة “روس أبرون إكسبورت” المختصة في تصدير السلاح الروسي.
وبحسب الصحيفة، تقوم شركة “روس أوبورون إكسبورت” الوكيل الحصري بتصدير هذا السلاح إلى الخارج، بتصدير منتجات أكثر من 700 مصنع عسكري روسي إلى ما يزيد على 70 بلدا، وبلغت صادرات “روس أوبورون إكسبورت” خلال الـ15 عاما ما يزيد على 115 مليار دولار، وتستحوذ بلدان العالم العربي على 37 % من إجمالي صادراتها.
خلاصة ما سبق، لدينا الآن معطيات تشير إلى انحصار الاحتمالات بين مصر والجزائر.
ومن المعروف أن التعاون العسكري بين القاهرة وموسكو انتعش بعد الزيارات “الودودة” المتبادلة بين السيسي وبوتين، وكانت أبرز الاتفاقيات متعلقة بالحديث عن إمكانية توريد منظومة “إس 400” الروسية المتطورة للدفاع الجوي إلى القاهرة، علاوة على الاتفاق فعليا على توريد المنظومة السابقة “إس 300”.
في نفس الوقت، تشير العلاقة بين روسيا والجزائر إلى تشكل ما يمكن اعتباره تحالفا وثيقا بينهما، لا سيما في المجال العسكري.
“السيسي” و “بوتين”
مخاوف إسرائيل والمغرب
هنا يبرز الحديث عن المعوقات والمخاوف، ففي الحالة المصرية يشير المنطق إلى حتمية اعتراض “إسرائيل” على الصفقة، كون هذه الصواريخ هجومية فتاكة وشديدة الدقة، ولا يمكن اعتراضها، وبقدرتها ضرب أية أهداف أو تجمعات، مما يعد خطرا كبيرا على “تل أبيب”.
ما يدعم هذه الفرضية هو أن “إسرائيل” أجهضت بالفعل صفقة “إسكندر” التي كانت موسكو تعتزم تسليمها لسوريا، وفقا لما أكده الخبير العسكري الروسي البارز العقيد إيجور كوروتشينكو، رئيس تحرير مجلة ” الدفاع الوطني” هناك.
لكن بعيدا عن الواقع، عودتنا العلاقة الحميمة بين السيسي والإسرائيليين إلى إمكانية قبولهم تركيب هذه المنظومة في مصر بضوابط وضمانات تكفل عدم استخدامها ضد “تل أبيب” بالطبع، وستكون موسكو مشاركة بهذه الضمانات، وقد يتم الاشتراط أن تكون إدارة المنظومة والإشراف عليها بالكامل للروس.
بالنسبة للجزائر، يبقى أكثر القلقين من إمكانية تزويدها بتلك المنظومة الروسية هو المغرب، نظرا للعلاقات شديدة التوتر بينهما، بسبب قضية البوليساريو والصحراء، لكن الحضور الروسي قد يكون ضابطا مهما هنا، نظرا لارتباط روسيا والمغرب بعلاقات صداقة متينة أيضا.
اضف تعليقا