تفاجأ كثيرون، خصوصًا من مؤيدي النظام المصري، من موقف روسيا الأخير في مجلس الأمن من قضية سد النهضة الإثيوبي، حيث كان يظن أتباع النظام أن روسيا أحد أقرب حلفاء السلطة في مصر، وأنها أكثر موثوقية من الحليف الأمريكي. وبدت روسيا في مجلس الأمن داعمة للطرف الإثيوبي ورافضة لمطالب ومقترحات مصر.

ففي كلمته، قال مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، في اجتماع لمجلس الأمن الدولي، إن بلاده تشعر بالقلق من تنامي الخطاب التهديدي في أزمة سد النهضة، وأضاف أن “روسيا تدرك أهمية سد النهضة بالنسبة لإثيوبيا ولكنها في نفس الوقت تتفهم موقف السودان ومصر من ملء وتشغيل السد”. وتابع قائلًا: “نأمل أن تتمكن مصر والسودان وإثيوبيا من حل الأزمة،  ونثمن دور الاتحاد الأفريقي للتوصل لحل بين الأطراف الثلاثة”.

 

محاولة رسمية لإخفاء الغضب

وحاول النظام بشكل رسمي إخفاء غضبه من الموقف الروسي الداعم لإثيوبيا، حيث فسر وزير الخارجية المصري، سامح شكري، تصريحات المسؤول الروسي على أنه “يوجه الحديث إلى إثيوبيا؛ لأنه كثيرًا ما يصدر عنها تهديد بالملء بدون اتفاق أو حمايته ضد خطر افتراضي”، وتابع: “أحيانًا تكون هناك عبارات تؤخذ بشكل مبهم، يسأل فيها منى يصدرها”.

لكن الغضب كان واضحًا حتى في أوساط مؤيدي النظام، فقد جاء في مقال في صحيفة “المصري اليوم” الخاصة، المقربة من النظام في مصر، إن موقف روسيا “اعتبره كثير من المصريين تبنيًا للرواية الإثيوبية، وانحيازًا فجًا ضد مصالح مصيرية لمصر، وانتقادات بالتلميح لتصريحات (قبل أشهر) للسيسي”.

كما كتب رئيس تحرير صحيفة “الشروق” المصرية، والبرلماني عماد الدين حسين، مقالًا جاء تحت عنوان “الذين خذلونا في مجلس الأمن”، كتب فيه إن “الموقف الروسي كان مفاجئًا، حينما رفض التهديد باستخدام القوة مع أنه باليوم ذاته أمرت موسكو باستئناف الطيران المباشر للمقاصد السياحية بمصر (متوقف منذ إسقاط الطائرة بسيناء) لدرجة أنه اعتبر محاولة لترضية مصر بالسياحة وإثيوبيا بالسد”.

كما قال “حسين” في مناسبة أخرى إن “روسيا رغم أنها صديقة وعلاقتنا بها تاريخية لكن موقفها (بمجلس الأمن) كان غريبا وصادما، وبعد معرفة الاتفاقية التي جرت مع إثيوبيا جعلت الأمور أكثر وضوحًا وسوءًا”.

ومن جانبه، وصف السفير المصري السابق محمد مرسي، عبر صفحته بـ”فيسبوك”، في سلسلة تدوينات، موقف روسيا في مجلس الأمن بـ”العدائي”. ولم يقف عند هذا الحد، بل دعا إلى تجميد التعاون مع موسكو في إقامة محطة الضبعة النووية، الواقعة غرب مصر، والتلويح بإعادة النظر في أوجه تعاون ثنائية وملفات إقليمية أخرى.

إذن، فمهما حاول النظام المصري إبداء عدم إنزعاجه من تصريحات المسؤول الروسي، فإنه لا يستطيع تغيير حقيقة أن روسيا خذلت النظام، الذي استثمر كثيرًا في علاقته مع موسكو.

 

هل تغير الموقف الروسي من السد؟

وكانت شبكة “روسيا اليوم” الإخبارية، قد نقلت تصريحات لسفير موسكو لدى القاهرة، غيورغي بوريسينكو، في 24 أغسطس/آب 2020، قال فيها إن “روسيا تحاول إقناع إثيوبيا بتسوية النزاع بشأن سد النهضة سلميًا من دون إلحاق الأذى بجيرانها (يقصد مصر والسودان”. لكن اللهجة الأخيرة في مجلس الأمن تشي بأن روسيا تنتقد قائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي.

فعندما قال نيبينزيا إن “التهديد باستخدام القوة أمر يجب منعه”، كان يشير بوضوح إلى تصريحات السيسي في 30 مارس/ آذار الماضي، التي قال فيها إن “مياه النيل خط أحمر”، متوعدًا بأن “أي مساس بمياه مصر، سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل”.

والأوضح من تصريحات نيبينزيا هو توقيع روسيا اتفاقًا للتعاون التقني العسكري مع إثيوبيا، بهدف تحديث قدرة الجيش بالمعرفة والمهارات والتكنولوجيا، حسب وسائل إعلام إثيوبية وروسية. كما قالت وزيرة الدفاع الإثيوبية مارتا لويجي، إن موسكو تؤيد بلادها في ملفي الانتخابات والسد، وقدمت دعمًا لعمليات الجيش الإثيوبي في إقليم تيغراي، الذي يشهد صراعًا مسلحًا منذ أشهر، وسط انتقادات أممية وأمريكية لأديس أبابا.

كذلك، وصف نائب مدير التعاون العسكري الروسي، بونتشوك أناتولي، علاقات موسكو وأديس أبابا بأنها “طويلة الأمد”.

 

مصر تتحرك في إتجاه حلف الناتو

وبعد تصريحات المسؤول الروسي لدى مجلس الأمن بأقل من 24 ساعة، اتجهت مصر نحو المفوضية الأوروبية، وحلف “الناتو”، الطرفين اللذين لهما علاقات متوترة بل ومتدهورة مع روسيا. حيث أجرى وزير خارجية النظام لقاءات ركز أغلبها على أزمة السد، فقد بحث مع رئيس الحلف ينس ستولتنبرغ، “التطورات الإقليمية ذات التأثير على أمن ومصالح مصر”، حسب بيان لوزارة الخارجية المصرية.

وفسر البعض هذا التوجه المصري بأنه رد فعل على تخلي روسيا عن النظام، خصوصًا وأن العلاقات حاليًا بين الناتو وروسيا متوترة إلى حد بعيد. ففي 22 مارس/آذار الماضي، قال نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو، إن العلاقات مع “الناتو” في أدنى مستوياتها، والاتصالات متوقفة، والعقوبات الأوروبية ضد موسكو تضع علامة استفهام على أي تعاون مستقبلي .

وفي المقابل، يرى آخرون أن دعم روسيا لأثيوبيا ليس نابعًا من تخليها عن النظام بقدر ما هو نابع من رغبتها في نسج علاقات أكثر متانة مع إثيوبيا. حيث يعتقد البعض أن هناك تحولًا واضحًا لروسيا نحو مصالحها في إثيوبيا، تستعيد بها ماضيها الذي امتد من 1975 إلى 1991، عبر دعم الحكم الشيوعي في أديس أبابا، وقد وضح هذا من لهجة مندوبها العدائية في جلسة مجلس الأمن.

ويؤكد آخرون أن روسيا تود أن يكون لها قدم في إفريقيا، وإثيوبيا هي البوابة لذلك، وأن هناك تواجدًا دوليًا كبيرًا في إفريقيا، لاسيما من الولايات المتحدة وتركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي وفرنسا، وبالتالي مفهوم جدا هذا السعي الروسي إلى التواجد.

وأيًا كان الهدف الروسي، فإن المحصلة في النهاية أن النظام فشل في استمالة أحد أهم الدول في العالم لصف مصر في قضية سد النهضة، التي باتت تهدد أكثر من 100 مليون مصري بالعطش والجفاف.